تحديد سن الزواج بين الشريعة والقانون

07.11.2019 11:46 PM

كتب: * عمر رمضان صبره :  يقول الله عز وجّل في كتابه الكريم: "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ" آية 30 البقرة.

فخلق الله الانسان ليكون الخليفة فخلقه من رجل وإمرأة، لكلا منهما صفاته الخاصة به، وأن كلاهما مكملا لبعضهما البعض، بل وجعل علاقتهما علاقة تكاملية.

لقد جعل الله الزواج الطريق المشروع لبناء الاسرة، ويعتبر عقد الزواج هو العقد الذي تبني عليه الاسرة، فعُرف قانون الأحوال الشخصية "عقد الزواج" بالمادة 2 منه بأنه "عقد بين رجل وإمرأة تحل له شرعاً لتكوين أسرة وإيجاد نسل بينهما".

ولعقد الزواج أركان هي القبول والايجاب، وللزواج أيضا شروط من ضمنها شرط الاهلية للزواج، بالإضافة للكفاءة.
فما هي أهلية الزواج بقوانين الاحوال الشخصية السارية بفلسطين؟

لقد خضعت فلسطين للحكم العثماني وكان القانون الساري طبقا للشريعة الإسلامية مجلة الاحكام العدلية لسنة 1876 إستنادا لـ"راجح" من المذهب الحنفي، وما زالت سارية وهي بمثابة القانون المدني، ثم صدر قانون حقوق العائلة لعام 1951 وقد أُلغي هذا القانون بصدور قانون الأحوال الشخصية رقم (61) لسنة 1976 بالضفة الغربية وهو الساري بفلسطين.

أما في قطاع غزة فان قانون حقوق العائلة رقم (303) لسنة 1954 الصادر خلال فترة الإدارة المصرية هو القانون المطبق حتى هذا اليوم. 

وفي عام 1994 صدر المرسوم الرئاسي رقم (1) لسنة 1994 الذي نص على أن يستمر العمل بالقوانين والأوامر التي كانت سارية المفعول قبل 5/6/1967 في الأراضي المحتلة حتى يتم توحيدها.

سن الزوج بقوانين الأحوال الشخصية المطبق في الضفة الغربية وقطاع غزة

أولا: سن الزواج بقانون الأحوال الشخصية بالضفة الغربية:

لقد نصت المادة 5 من قانون الأحوال الشخصية رقم 61 لسنة 1976 بما يلي: "يشترط في أهلية الزواج أن يكون الخاطب والمخطوبة عاقلين وأن يتم الخاطب السنة السادسة عشرة وأن تتمم المخطوبة الخامسة عشرة من العمر".
"علما بان السنة المذكورة بنص المادة هي سنة قمرية وليس شمسيه حسب نص القانون".

ثانيا: سن الزواج بقانون حقوق العائلة بقطاع غزة

لقد نصت المادة 5 من قانون حقوق العائلة 303 لسنة 1954 بما يلي: " يشترط في أهلية النكاح أن يكون سن الخاطب ثمانية عشر سنة فأكثر وسن المخطوبة سبع عشرة فأكثر".

علما بان القانون أورد إستثناء على هذه القاعدة وهو السماح للقاضي بتزويج الفتاة التي تتجاوز سن التاسعة من عمرها، والفتى الذي تجاوز سن الثانية عشر من عمره وهو الأمر الذي تنص عليه المواد 6،7،8 من قانون حقوق العائلة.

ثالثاً: سن الزواج والاتفاقيات الدولية
إن إتفاقية حقوق الطفل التي إعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 20/11/1989م ووقعت عليها فلسطين 2/4/2014، وقد عُرفت بالمادة (1) منها وعّرفت الطفل بانه: " الطفل كل إنسان لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره"
وقد نصت إتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة "سيداو"، والتى وقعت عليها فلسطين لتكون نافذة بتاريخ 28/12/2018 بالفقرة 2 من المادة (16) منها " لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعية منها، لتحديد سن أدنى للزواج ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرا إلزامياً".

وبالرجوع لنصوص الاتفاقيات الدولية طبقا للمعايير الدولية التي وضعتها الاتفاقيات فإنها تعتبر زواج الأطفال باطلا ولا يجب أن يترتب عليه أي اثر قانوني ملزم للطفل وهذا ينطبق على الطفل الذي لم يتجاوز الثامنة عشر من عمره.
صحيح أن فلسطين وقعت على الاتفاقيات الدولية وبها نصوص تتعارض مع الشريعة الإسلامية، فالمحكمة الدستورية حسمت الامر بقرارها بإعتبار الاتفاقيات الدولية بمرتبه أعلى من القانون الداخلي وأدني من وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي و"بما لا يتناقض مع الهوية الدينية والثقافية للشعب الفلسطيني"

رابعاَ: تعديل سن الزواج طبقا للقرار بقانون
بتاريخ 4-11-2019 أصدر الرئيس الفلسطيني قرار بمثابة قانون حدد فيه أهلية الزواج بان يكون سن زواج طرفا العقد بثمانية عشر سنة شمسيه للجنسين، ويستثنى منه حالات خاصة إذا كان الزواج به مصلحة الطرفين بقرار من المحكمة المختصة، وبمصادقة قاضي قضاة فلسطين أو المرجعيات الدينية للطوائف الأخرى.

ويعطى الاستثناء بعد قرار المحكمة المختصة ومصادقة قاضي القضاة لكي يكتسب الزواج لمن هم أقل من ثمانية عشرة سنة شمسية بكل ما له من علاقة بالزواج والفرقة وآثارها.

الاستثناءات على قانون الزواج

وبالرجوع لنص قرار بقانون فانه أعطى إستثناء للحالات الخاصة التي ترتبط بمصلحة الزوجين وهنا لم يحدد ما هي الحالات التي تخضع للاستثناء وتركها لسلطة قاضي المحكمة المختصة، والمقصود بالمحكمة المختصة هي (المحكمة الشرعية) وقاضي المحكمة الشرعية كلا حسب مكان سكنه أو موطنه، ومصادقة قاضي القضاة.

وأوصى بان يتم إصدار تعليمات مكتوبه ومحدده لحالات الاستثناء حتى يتم حماية الأصل لان الأصل بنص القانون بالزواج بسن الثمانية عشر سنة شمسية هو الحد من إنتشار ظاهرة الزواج المبكر، لان هذه الظاهرة لها عواقب وخيمه صحيا على الزوجة وهناك دراسات طبيه حولها يمكن للقراء دراستها، بالإضافة للأضرار النفسية والاضطرابات الأسرية التي ممكن أن تؤدي الى إزدياد حالات الطلاق وإنني مع الأصل وعدم ممانعة وجود الاستثناء على أن تكون بضوابط محدده.

قوانين سن الزواج بالدول المجاورة:
علما بان سن الزواج بالقوانين العربية المجاورة كالأردن أصبح سن الزواج بالقانون هو بسن ثمانية عشر سنه وبها الاستثناء لمن هم أقل من ثمانية عشر بمصادقة قاضي القضاة (علما بانه اصدر تعليمات بخوصها)، أما في مصر فسن الزواج هو للزوجة 18 سنه وللزوج 21 سنة حتى يتم كتابة عقد الزواج.

نظرة على الاحصائيات
إننا بحاجه ماسه لقراءة معقمة إجتماعيا وإقتصاديا للإحصائيات المتعلقة بالزواج والطلاق فنجد أنه تم عقد ما مجموعه 27972 عقد زواج في الضفة الغربية، منها 1493 عقد زواج من الزوجة الثانية، أما حالات الطلاق التي تمت بعام 2018 فهي 5241 حالة طلاق منها 2776 حالة طلاق قبل الدخول (فترة الخطوبة). (نشرت بالتقرير السنوي لديوان قاضي القضاة لعام 2018).

أما في قطاع غزة وحسب الاحصائيات المنشورة فان عدد عقود الزواج في عام 2018 بلغت 15392 عقد زواج، مع العلم أن عقود الزواج في 2017 كانت 17367 عقد زواج، أما حالات الطلاق فقد بلغت في عام 2018 بعدد 3171 حالة، في حين بلغ عدد حالات الطلاق في 2017 "3255 حالة طلاق" .

وانطلاقا من هذه الاحصائيات فإننا نقف امام مجموعة من التساؤلات منها:

لماذا تزداد حالات الطلاق؟ هل المقبلين على الزواج مؤهلين لبناء بيت الزوجية؟ ولماذا حالات الطلاق قبل الدخول نسبتها عاليا في فلسطين؟ هل السن الصغير هو احد أسباب الطلاق فقط ام هناك أسباب اجتماعية واقتصادية؟ ستبقي هذه التساؤلات بحاجه لدراسات بحثية.

وهنا يطرح السؤال الأهم أليس من شروط الزواج هو أن يكون هناك الكفاءة الزوجية بين الزوجين وان يكون الزوج قادراً على الانفاق والزوجة قادرة على إدارة شؤون الاسرة، والشريعة الإسلامية الغراء وضعت شرط الكفاءة للزواج.

علما بان أهلية الزوج والزوجة بالشريعة الإسلامية إعتمدت على سن البلوغ فمجلة الاحكام العدلية وفق نص المادة "986" قد حددت سن البلوغ خمسة عشر عاماً قمريا.

أعتقد أن الشريعة الإسلامية لا تعارض ولا تمانع بوضع حد أدني للزواج واستدل بما يلي:

1- ان حكمة الزواج بالشريعة الإسلامية هو تحصين الفروج والحفاظ على النسل وبناء أسرة صالحه، والفقه الإسلامي لم يحدد سن محدد للزواج، وإذا تم التحديد لسن الزواج فلا ضرر مادام به مصلحه.

2-  يعتبر زواج الصغار في سن ما قبل ثمانية عشر سنه عاله على أهله ولا يكون قادرا وغير أهلا للزواج، ولا حتى متعلما فعندما ينهي الفتى الثانوية العامة يكون عمره ثمانية عشر سنه.

3- الشريعة الإسلامية تحث وتؤكد على الوفاء بالعقود والعهود (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، والزواج بحاجه للوفاء بالالتزامات المترتبة على الزواج كالقدرة على النفقة ولمن هم أقل من ثمانية عشر يكون غير قادرا على الوفاء بالالتزامات.

4- التكاليف والمسؤوليات في الشريعة الإسلامية الغراء مرتبطة بسن التكليف.

بناء على ما سبق نرى أن رفع سن الزواج الى سن ثمانية عشر عام لا يتعارض مع نصوص الشريعة الإسلامية ولا يوجد نص يمنع من أن يرفع سن الزواج. بل أعطت لولي أمر المسلمين سلطة تقيد المباح، فسلطته بناء على الحاجات المجتمعية تعطيه حق رفع سن الزواج من أجل المصلحة العامة، ومصلحة حماية حقوق المجتمع.
ختاماً أعتقد ان الشريعة الإسلامية لا تعارض رفع سن الزواج ولا تتعارض معها بل الشريعة الإسلامية لأنها مع توزان مصالح المجتمع، وان رفع سن الزواج هو ضرورة من أجل أن تبنى أسرة نموذجية قادرة على إدارة شؤون حياتها المستقبلية وبناء مجتمع سليم.

وأخيراً إقتضى التنويه إلى من يعارض بوجود الاستثناء ويطالب بقوانين مدنية فالقوانين المدنية عندما حددت سن الرشد 18 سنة أعطت إستثناء للصغير المميز بإذن للأعمال التجارية مثلاً، بحيث يكون هذا العمل عملاً نافعا نفعا محضاً، وفي حالة كان هناك ضررا محضا من هذا العمل، يكون باطلا.
اذن فالزواج عند سن الثامنة عشر سنة هو سن مناسب للزوجية، ولكن في حال كان هناك ضرورة ومصلحة للزواج لمن هم أقل من ثمانية عشر عاما إذا ارتأت المحكمة المختصة ذلك، بما يتوافق ومصلحة طرفي العقد فلا مانع لا شرعا ولا قانوناً.

* باحث قانوني

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير