لجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية.. ملف فساد أسود أغلق دون محاسبة أحد وترك أسئلة هامة بلا إجابات!
- اكتشفنا خلال التدقيق في الملفات القديمة أنه تم شراء جهاز لابتوب من نوع work station سعره تقريبا 2400 دولار، تم شراؤه شراء مباشر، مع العلم انه لا حاجة ابدا لهذا النوع من الحواسيب المتقدمة في العمل لدينا، كما أن جهاز الحاسوب غير موجود في المؤسسة وقد تم شراؤه لابنة أحد المسؤولين في اللجنة.
- المدير العام للجنة القدس كان هو نفسه مدير مجلة مشارف، وكان يصرف له عن كل عدد 3 الاف دولار تحب بند "اتعاب اصدار مجلة"، رغم انه منصبه في اللجنة تشريفي فهو اساسا موظف يتقاضى راتبه من الحكومة.
- تقرير ديوان الرقابة منصف ومبني على مستندات ووثائق ولا غبار عليه.
- 300 ألف دولار بقيت في حسابات اللجنة، عندما تم ضمها لوزارة الثقافة، ماذا حدث في هذه الأموال؟
رام الله- وفاء عاروري: في اكتوبر 2021 ضجت وسائل التواصل الاجتماعي بتقرير صدر عن ديوان الرقابة المالية والادارية، كشف عن تجاوزات خطرة "مالية وإدارية" في عمل ما تسمى بلجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، التقرير تم نشره بعد قرار ضم هذه اللجنة لوزارة الثقافة، عام 2020.
وتحدثت التقرير عن تجاوزات في جوانب عديدة، أهمها عدم الاستفادة من بروتوكول العراق الذي كان من المفترض أن تستفيد منه مدينة القدس ومؤسساتها الثقافية، بنحو 2.8 مليون شيكل تنعكس على شكل أنشطة ثقافية في المدينة.
وجود تجاوزات في طبيعة وطريقة شراء هدايا تم منحها ضمن ما يعرف بجائزة القدس حيث تم شراء جوائز بأسعار كبيرة عن طريق الشراء المباشر، ودون اتباع الطرق القانونية لشراء الهدايا، إلى جانب اقتصار نشاطات اللجنة على مهمات السفر والتي وصلت 24 ألف دولار أكثر من نصفها ذهبت لوكيل وزارة الثقافة الأسبق موسى أبو غربية والذي كان أمين سر اللجنة أنذاك، إلى جانب صرف بدل محروقات لمركبته تجاوز 8 آلاف شيكل وهي مركبة خاصة وليست حكومية، وتجاوزات أخرى كثيرة تناولها التقرير.
خلفية تاريخية
وكانت لجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية تشكلت عام 2011، بمرسوم رئاسي نصّب الأمين العام للمؤتمر السنوي الشعبي للقدس رئيسا لهذه اللجنة، ورئيس ديوان الرئاسة عضوا، ووزير الثقافة عضوا، ووزير التربية والتعليم عضوا، ومحافظ القدس عضوا، ووزير السياحة والاثار ووزير الاعلام والامين العام لمجلس الوزراء وأمين عام اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم في منظمة التحرير الفلسطينية عضوا، إلى جانب الاستاذ محمود شقير.
ووفقا للمرسوم الرئاسي فقد كلفت اللجنة بـالإعداد والإدارة والإشراف على برنامج القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، المقرّ في مؤتمر الوزراء المسؤولين عن الشؤون الثقافية في الدول العربية في دورته السابعة عشرة المنعقدة في دولة قطر.
كما كلفت اللجنة بالتواصل مع مختلف الجهات العربية والدولية بهدف حشد الدعم اللازم للبرنامج، إضافة إلى التنسيق مع كافة اللجان التي تمّ تشكيلها في العواصم الثقافية العربية، وتحديد الأهداف المتوخاة من البرنامج ووضع الخطط والبرامج اللازمة لتحقيقها.
أهداف سامية ومناصب كبيرة دفعتنا إلى السؤال: كيف حدثت كل هذه التجاوزات على مدار سنوات طويلة دون مراقبة او متابعة؟، وكيف أغلق ملف اللجنة بصمت تام ودون محاسبة أي من المسؤولين عن ذلك، كما دفعتنا للسؤال أيضا عن كيفية التعاطي مع ملفات الفساد في وطننا.
بسيسو: التجاوزات سبقت مجيئي والوضع كان "مزريا"
وبما أن د. إيهاب بسيسو وزير الثقافة السابق، كان آخر رئيسا لهذه اللجنة قبل ضمها إلى وزارة الثقافة، توجهنا إليه لأخذ رده على ما جاء في هذا التقرير.
د. بسيسو أكد أن التجاوزات التي حدثت كانت قبل تسلمه اللجنة، قال: أنا توليت هذا العمل من أجل تصويب العديد من التجاوزات التي حدثت، موضحا أن اللجنة الوطنية للقدس منذ ان أنشات كانت تتبع المؤتمر الوطنية الشعبي للقدس، وكان يرأسها الراحل عثمان ابو غربية، مبينا أنه كان لها موازنة خاصة بها ولكنها كانت جزءا من الدائرة المالية للمؤتمر الشعبي للقدس.
وتابع: بعد وفاة أبو غربية أصبحت اللجنة بلا رئيس، لذلك تم تكليف المفتي الشيخ محمد حسين قائما بأعمال الأمين العام للمؤتمر الشعبي، بالتالي أصبح مسؤولا عن لجنة القدس أيضا، ولاحقا تم تكليف اللواء بلال النتشة أمينا عاما للمؤتمر، فتولى أيضا رئاسة اللجنة الوطنية، هذه التنقلات دعت أنه يجب أن تكون اللجنة الوطنية ضمن أعمال وزارة الثقافة، لأن نشاطاتها بالأساس نشاطات ثقافية.
وتعاون اللواء بلال النتشة والمفتي محمد حسين ودعما هذا الانتقال، وعليه صدر مرسوم رئاسي نهاية عام 2016، يقضي بأن يكون وزير الثقافة رئيسا للجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، وكان آنذاك وزير الثقافة، د. إيهاب بسيسو.
بسيسو: طالبنا وزارة المالية مرارا بإرسال مدقق مالي
وعن وضع اللجنة الإداري والمالي عندما تسلم بسيسو مهامها يقول: الوضع كان "مزري"، ولذلك بدأنا باجراءات التصويب، وأرسلنا لوزارة المالية بضرورة وجود مراقب مالي ومدقق مالي على الحسابات، وطلبنا الاطلاع على الموازنات.
وعن مجلة مشارف مقدسية التي كانت تصدرها اللجنة، يقول: كان هناك تجاوزات في إصدار المجلة ولم تكن وفق الاصول فأوقفنا اصدارها مباشرة.
وتابع: وكانت كل اجراءاتنا وخطواتنا تتم بالتعاون مع وزارة المالية، وكل ذلك تم الرد عليه لديوان الرقابة المالية، حيث كانت هناك إشكالية باللجنة إلى وفاة أبو غربية.
تداخل كبير بين أعمال المؤتمر واللجنة
وفي توضيحه لأسباب هذه الاشكاليات قال بسيسو إن السبب وراء كل ذلك هو التداخل الكبير بين أعمال المؤتمر الشعبي للقدس وأعمال اللجنة الوطنية للقدس، فما كنا نظنه أن اللجنة الوطنية للقدس هي كيان منفصل اداريا وماليا، ولكن من خلال التدقيق وجدنا هناك تداخلا كبيرا بينهما سواء من ناحية النشاط او من ناحية الصرف المالي والاجراءات الادارية والمالية.
وعن هذه الجزئية أشار بسيسو إلى أنه كان يتم صرف مكافآت مالية لموظفين في الدولة لقاء نشاطات قاموا بها لصالح المجلة وهذا أمر غير قانوني.
بسيسو: العمل لم يكن ممكنا
وعن نشاطات لجنة القدس في فترة بسيسو يقول: في تلك الفترة لم يكن ممكنا العمل والتقدم في عمل اللجنة دون أن يتم تصويب الأوضاع، وهذا ما ركزنا عليه بشكل أساسي جدا لمنع تفاقم الأخطاء.
لم تكن الطريق سهلة، المخاطبات مع وزارة المالية وتعاون وزارة المالية كان بطيئا جدا، وطلبنا أكثر من مرة أن يكون هناك مراقب مالي وهذا اثر على سير العمل.
وأوضح بسيسو أن اللجنة كان الهدف من أن تكون جسما منفصلا، هو من أجل تسهيل عمل النشاطات في مدينة القدس، خاصة ان نشاطات وزارة الثقافة في مدينة القدس تتم ملاحقتها وتقييدها، خصوصا انه في تلك الفترة تم الغاء فعاليات كثيرة لوزارة الثقافة في مدينة القدس من الاحتلال.
فترة التصويب لم تكتمل
يقول: جئت بفترة تصويب لم تكتمل بسبب تغير رؤساء المؤتمر الشعبي، انا كنت أريد أن اعمل انفكاك مع المؤتمر الشعبي وكان هناك الكثير من الاخطاء بالعلاقة بينهما فعملية الفصل اخذت وقتا كبيرا، وكل تواريخ تقرير ديوان الرقابة المالية والادارية كان قبل استلامي.
يتابع: نظمت عام 2019 مهرجان كبير جدا، احتفاء بالقدس عاصمة الثقافة الاسلامية، وعملنا حفلا ضخما جدا وبرنامج على مدار 3 شهور.
وبين بسيسو أيضا أن اللجنة لم يكن فيها إلا موظفين اثنين فقط، ولم يكن بالإمكان إنجاز أعمال كبيرة من خلال موظفين اثنين فقط.
لابتوب من نوع work station مفقود
كرمل البرغوثي موظف سابق في لجنة القدس عاصمة دائمة للثقافة العربية، عمل في اللجنة في الفترة بين 2017 إلى 2020، قبل ضمها لوزارة الثقافة يقول: التقرير الذي صدر عن ديوان الرقابة دقيق إلى حد كبير ومنصف، ومبني على وثائق ومستندات.
وأوضح البرغوثي أنه أثناء التدقيق بالملفات السابقة، تبين أنه تم شراء جهاز لابتوب من نوعWORK STATION سعره تقريبا 2400 دولار، تم شراؤه شراء مباشر ولم يكن موجود في مقر اللجنة، ولم يكن هناك حاجة له بالمطلق في العمل فهو جهاز بمواصفات عالية، مبينا أن الجهاز تم شراؤه لابنة أحد المسؤولين في اللجنة آنذاك على حساب اللجنة.
وأشار أيضا أنه من بين المشكلات البارزة في التدقيق شراء هدايا بطريقة مباشرة،
مثل سيف الذهب الذي تم إهداؤه فيما يعرف بجائزة القدس، بدون أي فواتير او وثائق مالية.
يقول: إلى جانب ذلك تعبئة بنزين لمركبات شخصية لا نعرف هل هو للعمل أم ليس للعمل ولكنها مركبات شخصية في النهاية.
مزرعة من مزارع السلطة
يتابع: لجنة القدس باختصار كانت إحدى المزارع التي فتحتها السلطة الفلسطينية حتى ترضي بعض مسؤوليها، وهي ليست وحدها فهناك لجان عديدة مثلها بعضها أغلق وبعضها لا يزال قائما إلى اليوم.
وعن توظيفه في اللجنة يقول كرمل: انا توظفت عام 2017 في فترة بسيسو، وكان قد تم الإعلان عن وظيفة وأخذت أعلى علامة في الامتحان والمقابلة، وعليه كنت "موظف على عقد" في اللجنة، لفترة محددة، وعملت في الجانب الإداري والمالي.
ويؤكد البرغوثي أنه فور استلامه مهماته لاحظ من خلال الملفات السابقة في اللجنة التجاوزات التي كانت تحدث، وقد عمل بشكل قانوني مع بسيسو من أجل ترتيب الأمور.
خلافات حدثت بين بسيسو وأبو سيف أدت إلى ضم اللجنة للوزارة
وأوضح أنه لم يكن حتى في فترة بسيسو الكثير من النشاطات، كانت نشاطات بسيطة فقط، مثل تسليم جائزة القدس للثقافة والابداع، ولكن كان هناك تخطيطا لنشاطات داخل وخارج القدس للعمل عليها، ولكن حدث نوع من الضغط والخلافات بين د. عاطف أبو سيف وزير الثقافة الحالي، ود. إيهاب بسيسو وزير الثقافة السابق، حيث كان أبو سيف يضغط على موضوع ضم اللجنة لوزارة الثقافة، وهذا ما حدث فعلا، مؤكدا أنه بالفعل تم الطلب مرات عديدة من وزارة المالية أن ترسل مدققا ومراقبا ماليا ولكنها لم ترسل.
مكافآت غير قانونية
وحول مجلة مشارف مقدسية، بين أن المجلة كانت تستقطب كتاب من داخل وخارج فلسطين، وكانت بالفعل تدفع لهم، ولكن المشكلة كانت هي تقاضي موسى أبو غربية أمين سر اللجنة، 3 آلاف دولار عن كل عدد يتم نشره تحت بند أتعاب إصدار مجلة، و3 آلاف دولار أخرى لرئيس التحرير محمد أبو ريشة، رغم أنه كان موظفا في وزارة الثقافة آنذاك ويتقاضى راتبه من الوزارة.
وعن سبب تقاضي أبو غربية أتعاب بدل إصدار المجلة قال البرغوثي: هو نصب نفسه مديرا للمجلة، وهو من عين محمد أبو ريشة رئيس تحرير، وكانا آنذاك ضمن الكادر المدني ولم يكن لهما الحق في أخذ "أغورة" واحدة من اللجنة، مشيرا أن منصب أبو غربية في اللجنة منصبا شرفيا لأنه أساسا كان وكيل وزارة الثقافة.
الإهمال حرم القدس من الاستفادة من البروتوكول العراقي
وعن بروتوكول العراق الثقافي الذي كان من المفترض أن يمول نشاطات ثقافية في القدس بقيمة نحو 3 مليون دولار يقول: لم يتم تنفيذ أي شيء منها، الأموال كانت في حسابات اللجنة ولكن لم يتم تنفيذ شيء منها، وعندما واجهت اللجنة أزمة مالية بسبب عدم تحويل مستحقاتها من وزارة المالية كانت تنفق وتصرف رواتب من هذه الأموال.
وعن مهمات السفر أكد البرغوثي أن بعض الأشخاص كانوا يسافرون أكثر مما يقضون وقتا في البلد، وكل ذلك على حساب اللجنة.
حاولنا التواصل مع أشخاص عدة من المؤتمر الشعبي للقدس، والذين شهدوا على فترة الراحل عثمان أبو غربية، من أجل فهم دور المؤتمر في ظل كل هذه التجاوزات، فتواصلنا مع هالة الشريف والتي كانت مسؤولة العلاقات الدولية في المؤتمر الشعبي أنذاك، وقد أكدت أنها لم تكن مطلعة بالمطلق على ما كان يحدث، وقالت: أنا ليست لي علاقة لا من بعيد ولا من قريب باللجنة، وكنت بالعلاقات الدولية في المؤتمر، لدي انطباعات ولكن لا أستطيع التصريح بها، لأنها مجرد انطباعات فقط وليست مبنية على معلومات.
حاولنا التواصل مع أيمن الشعراوي مدير مكتب عثمان أبو غربية رئيس اللجنة أنذاك، ولكننا حتى لحظة كتابة التحقيق لم نستطع مقابلته.
توجهنا إلى وكيل وزارة الثقافة، جاد الغزاوي بشكل مباشر، خاصة انه كان مستشار الوزير سابقا، وهو من كان يتابع هذا الملف بشكل مباشر، لمعرفة أين وصل هذا الموضوع ولماذا انتقلت اللجنة إلى مظلة وزارة الثقافة، فقال: كانت خطوة إصلاحية من الحكومة، بدل أن تعمل المؤسسات الوطنية الثقافية بشكل منفرد، أن تعمل تحت مظلة واحدة، وهي مظلة وزارة الثقافة، وعليه انتقلت اللجنة تحت اسم عواصم ثقافية إلى الوزارة.
وعن تقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية، أوضح أنها كانت تجاوزات إدارية امتدت منذ فترة التأسيس إلى عام 2016، وسببها واضح وهو التداخل بين عمل اللجنة والمؤتمر الشعبي لأن رئيسهما واحد وهو عثمان أبو غربية، بالتالي كانت المؤسستين كأنهما مؤسسة واحدة.
وقال: حاولنا أن نعمل بطريقة مختلفة، وطلبنا من دائرة الرقابة في وزارة المالية أن تأتي وتجري تدقيقا ماليا ولكن مع الأسف المدقق لم يكن متعاونا آنذاك.
وأوضح أنهم عملوا ايضا على تقليص عدد الموظفين حيث كان في اللجنة 7 موظفين، ثم أصبح موظفين اثنين فقط، وذلك حتى تبقى اللجنة موجودة وتقوم بنشاطاتها.
"كان هناك نشاطات ولكنها نشاطات بسيطة"
وعن النشاطات بعد عام 2017 يقول: اقتصرت المهام على موضوع الأسابيع الثقاقية مع الدول العربية، وتم عمل نشاط مهم جدا مع تونس وهو برنامج "عيون عربية"، حيث تم استضافة مصورين تونسيين حضروا إلى فلسطين وصورا الحياة الاجتماعية والاقتصادية، ومصورون فلسطينيون ذهبوا إلى تونس وتم لاحقا عمل معرض مشترك من الجانبين، بالتالي كان هناك نشاطات ولكنها تركزت على عام 2017.
وبين أنه عام 2018 حدثت أزمة مالية حكومية ولم يكن بالإمكان عمل نشاطات كثيرة، وعام 2019 أتت حكومة جديدة، ووزير جديد.
الموضوع عند الوزير..
وعن وضع اللجنة حاليا أكد غزاوي أنه ليس لديه أي فكرة عن الموضوع بعد انتقال اللجنة للوزارة، وقال: الموضوع حاليا عند الوزير نفسه، هو يقوم باجراءات مع الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عبارة عن تصور لكيف يمكن أن يتم العمل على الملف.
وأوضح غزاوي انه خلال فترة عمله مع بسيسو على الملف تم اقتراح الهيكلية للجنة، وهناك مراسلات مع المالية من أجل تخصيص موازنة، كان هناك عدد من الخطوات المطلوب عملها حتى تصبح مؤسسة فاعلة، ولكن الحاجز المالي دائما يقف امام الطموحات.
الوزير: "مش معقول.."
حاولنا على مدار شهرين التواصل مع وزير الثقافة بشكل مباشر ومن خلال مدير مكتبه، لأخذ لقاء معه في سبيل معرفة أين وصل هذا الأمر، ولكننا لم نستطع، وكان رد الوزير على اتصال هاتفي شرحنا فيه أهمية هذا اللقاء وضرورته: مش معقول كل ما حدا بدو يعمل تقرير أنا اطلع معه بمقابلة.. وتابع يعني انا مش متحدث".
"التقرير فيه مبالغة وفش اطلاع على التفاصيل"
توجهنا إلى موسى أبو غربية، وكيل وزارة الثقافة المتقاعد، وشقيق الراحل عثمان أبو غربية، لأخذ رده على كل الادعاءات السابقة، والذي عقب أن التقرير: "فيه مبالغة وفش اطلاع على التفاصيل".
وتابع: لأن اللجنة ليست مؤسسة حكومية، هي مؤسسة تتبع منظمة التحرير ونظام العمل الخاص بها ليس مثل نظام المؤسسات الحكومية، لأنها لجنة لا يوجد فيها متفرغين، ولا يوجد فيها كادر حكومي، ولا كادر موظفين، تم التعاقد مع بعض الموظفين ضمن نظام العقود، إلى جانب ذلك لا يوجد موازنة مفصلة فيها وانما موازنة دعم فقط، ولها نظام عملها الخاص التابع لمنظمة التحرير، ويقدم الدعم من خلال وزارة المالية.
وأوضح أن هذا الخلط هو ما سبب المبالغة في التقرير، اي ان هناك قضايا تم الحديث عنها ولكنها لم توضع في السياق الصحيح ففهمت على انها اجراءات غير قانونية، مثل موضوع الهدايا التي تم منحها ضمن ما يعرف بجائزة القدس.
الهدايا لها ظروفها
وقال: الهدايا لها ظروفها، فهذه المصاريف كانت تحال إلى الصندوق القومي لمنظمة التحرير وتدفع من خلال الصندوق القومي، وفق أنظمته، لأن اللجنة كانت مؤسسة تتبع منظمة التحرير وليس الحكومة.
وتابع: الهدايا عملت ضجة ضمن جائزة القدس، وكان لها قيمة، وسبب أنه تم شراؤها مباشرة، انه تم عمل تصميم خاص للجائزة كان عبارة عن تبرع، وأصبح هناك حق ملكية لمن صممه، واللجنة اعتمدت هذا النوع من الجوائز بالتالي أصبح من غير الممكن منح عطاء لمؤسسة اخرى لعمل الجوائز.
وقال: رئيس اللجنة "يقصد شقيقه عثمان أبو غربية" قال إن هذه المؤسسة تتبع منظمة التحرير وهي ليست مؤسسة حكومية، بالتالي يمكنها الشراء مباشرة.
وأكد أنه عندما انتقلت اللجنة لوزارة الثقافة لم يتم عمل أي شيء من خلالها، كان المفترض أن يتم وضع النقاط على الحروف، وأن يتم عمل نظام خاص لها لتكون مثل مؤسسة ياسر عرفات، ومؤسسة محمود درويش، فهي تتلقى دعم حكوميا وفق ذلك النظام.
"مهو طبعا بدكش تجيبي حدا من برا"
وعقب أبو غربية على موضوع المكافآت التي تم منحها ضمن المجلة، والتي بلغت قيمتها نحو 187 ألف شيكل، عن 7 أعداد، قائلا: "نظام المكافآت موجود، هناك أشخاص يعملون خارج أوقات دوامهم، أو متقاعدين، وتفرغوا للعمل في المجلة بالتالي من حقهم أخذ مكافأة، هذا شيء قانوني والقانون الفلسطيني يتيحه.
وعند توضيح أن الاعتراض كان على كون الممنوحين لهذه المكافئات هم موظفين حكوميين، قال "مهو طبعا بدكش تجيبي حدا من برا"، بدك حدا أدار الشغل وبعرفه، حيث كان رئيس تحرير المجلة آنذاك موظفا في وزارة الثقافة.
ويؤكد أبو غربية، أنه عندما تقاضى هذه المكافآت كان متقاعدا من وزارة الثقافة، حيث تقاعد في شباط من العام 2015، وقبل ذلك التاريخ عمل في اللجنة كمتطوع.
اضطر لتكليف نفسه بالعمل ومكافأة نفسه على العمل!
وأوضح أبو غربية أنه طلب له عقد عمل كمدير للمجلة ولكن كان هناك تلكؤا في التنفيذ، مشيرا انه كان يعمل بدوام كامل، في المجلة، وحاول عدة مرات أن يحضر مدراء للمجلة ولكنهم فشلوا لذلك، اضطر على تكليف نفسه بالعمل.
ويرى أبو غربية أن هذا المبلغ الذي تم صرفه مبلغ بسيط جدا مقارنة مع مؤسسات أخرى، مشيرا أنهم حاولوا الاقتصاد في الصرف.
300 ألف دولار بقيت في حسابات اللجنة..
وتساءل أبو غربية عن مصير الـ 300 ألف دولار التي تركت في حسابات اللجنة، مبينا انه عندما تم نقلها إلى مظلة وزارة الاقتصاد كان فيها 300 ألف دولار فائض، فماذا حدث بهذه الأموال؟
"كان بدها وقت"
وعن عدم تنفيذ الكثير من بنود بروتوكول العراق، قال: "كان بدها وقت"، مؤكدا انه كان يبذل جهدا كبيرا ولكن الأنشطة كانت بحاجة لسنوات من اجل تنفيذها، وفقا لقوله.
وكان بروتوكل العراق ينص على تقديم دعم مالي لمؤسسات القدس الثقافية، وعندما سألنا هذا الأمر قالـ غالبية مؤسسات القدس الثقافية كانت أغنى من اللجنة فكيف ندعمها؟
وأوضح أن بعض المؤسسات الصغيرة التي تقدمت لم يكن لديها تسجيلا قانونيا، بالتالي من الصعب تقديم الدعم لها، مشيرا أنه تم تقديم دعم لبعض المؤسسات.
وبين أن اللجنة وبناء على المرسوم الرئاسي، كان من المفترض أن تتلقى موازنة دعم 50 ألف دولار في الشهر، ولكن المالية كانت تدفع موازنتين في السنة فقط.
وعن نقل اللجنة لوزارة الثقافة، أوضح أنه سعى جليا لنقلها للوزارة، وعندما مرض عثمان هو من طلب شخصيا ان يتم نقلها لأنه كان يرى أن المؤتمر الشعبي للقدس لن يكن قادرا على حمل المسؤولية بعد عثمان ابو غربية.
عن مهمات السفر.. "بقدرش أبعت حدا ثاني"
وعن مهمات السفر التي ذهب بها خارج البلد من خلال اللجنة والتي بلغت قرابة 13 ألف و100 دولار قال: كنت أسافر كثير لأنه انا نائب رئيس اللجنة وبقدرش ابعث حدا ثاني ما عنده الصلاحيات ومش عارف ايش بدو يعمل".
أمان: المكافآت غير قانونية
من جهة أخرى أكد المستشار القانوني لائتلاف أمان بلال البرغوثي، أن تقاضي أي موظف حكومي لأي مكافئة يجب أن يكون خاضعا لقانون الخدمة المدنية، وفي حالة اللجنة حتى وان كان نظامها يتبع لمنظمة التحرير فإن صرفها مكافئة لموظفين حكوميين هو أمر غير قانوني، في تأكيد على ان ما كان يحدث فيه تجاوزات قانونية واضحة.
خاتمة
أيا كانت الأسباب والتداعيات، فإن هذه التجاوزات خلقت ازمة ثقة من الدول العربية المانحة، إزاء تمويل مشاريع فلسطينية ومقدسية على وجه التحديد، بالإضافة إلى كونها حرمت القطاع الثقافي المقدسي الذي يعاني أساسا ويواجه تحديات كبيرة، من الاستفادة من هذا التمويل، الذي كان بإمكانه ان يصرف من اجل عمل نشاطات ثقافية وتوعوية للشباب المقدسي، الذي يعاني أساسا من العزلة طوال الوقت نتيجة ما يضعه الاحتلال من تحديات جمة امامه، فالاحتلال يريد لشباب وشابات القدس تحديدا أن يبقوا في ظلمة، وألا يتم إشراكهم او انخراطهم في نشاطات ثقافية.
في الوقت ذاته فقد شكلت هذه التجاوزات عقبة أمام أي دعم عربي سيقدم للقدس لاحقا، لأن سوء التعامل مع الدعم العراقي على سبيل المثال واستغلاله لمصالح شخصية، من شانه ان يزعزع ثقة أي دولة تريد تقديم الدعم لفلسطين او لمدينة القدس مستقبلا.
ما يفاقم المشكلة، هو أيضا عدم محاسبة المسؤولين عن هذه التجاوزات، وإغلاق الملف تماما دون أي محاسبة، ما يشير إلى وجود مشكلة في المنظومة الثقافية ككل، والتي كان ينغي عليها ان تقف عند مسؤوليتها وتحاسب المتسببين بهذه التجاوزات، حتى لا يتم تكرارها مستقبلا، وفي نفس الوقت حتى لا يتم استخدامها كذريعة من اجل منع الدعم من أي دولة عربية او عالمية عن فلسطين.