" قوانين عاجزة امام جشع التجار ، ورقابة بلا أنياب "
تحقيق استقصائي لوطن: "سلة المشتريات الفلسطينية .. أسعارٌ تتضاعف في زمن الحرب والأزمات "
" ارتفاع حاد في مؤشر غلاء المعيشة خلال العام 2023 بنسبة 5.87% في فلسطين مقارنة بالعام 2022
نقابة تجار المواد الأساسية: نتخوف من ارتفاعات كبيرة في الاشهر القادمة مع استمرار ازمة الشحن عبر " باب المندب ".
جمعية حماية المستهلك : ضعف الرقابة الرسمية على السوق ، وعجز القوانين في ردع المخالفين ومحاسبة " تجار الحروب " فاقم من أزمة ارتفاع الأسعار.
وزارة الاقتصاد: فرقنا الميدانية تواصل العمل على مدار الساعة لضبط السوق ، لكن قلة الإمكانيات وضعف الكادر البشري وصعوبة التنقل بين مدن وبلدات الضفة تلعب دوراً في ضعف الرقابة.
وزارة الزراعة: أسعار الخضار تسجل ارتفاعات كبيرة وغير مبررة، بالتزامن مع نقص كميات الانتاج الزراعي، وعمليات النقل الكبيرة للمُنتجات الزراعية من الخضار إلى أسواق الداخل المحتل، لتسديد العقود المبرمة بين التجار الفلسطينيين مع أسواق الداخل المحتل ، حيث لا تتم مراقبة الكميات التي يتم تسويقها في أسواق الداخل المحتل.
وطن: في العام الفين واثنين وعشرين عملنا في وحدة التحقيقات الاستقصائية في شبكة وطن الاعلامية وعلى مدار اشهرٍ على تحقيق استقصائي حمل عنوان " "المواد الأساسية.. تلاعبٌ بالأسعار وغيابٌ للرقابة والدعم الحكومي"
حاول من خلالها تسليط الضوء على قضية تهم كل بيتٍ فلسطيني ، ويدور دائما الحديث فيها في كل جلسة ومكان " الأسعار في السوق المحلية والرقابة عليها والتأكد من جودتها " .
وبعد عام ونصف على نشر التحقيق نعود مرة آخرى لتعليق الجرس ، نبحث بشكلٍ أعمق في ذات الموضوع ، لماذا دائما يدور الحديث عن ضعف الرقابة على الأسواق المحلية ولماذا نجد اختلافاً بالأسعار من متجرٍ لآخر ، وماذا عن القوانين والتشريعات ذات الصلة ، هي أسئلة سنبحث عن اجاباتٍ عنها في تحقيقنا الجديد.
لم يكد الاقتصاد الفلسطيني يتعافى تدريجيا من آثار الأزمة " الروسية الأوكرانية " وانعكاساتها السلبية على حركة البضائع الموردة للسوق المحلية حتى جاءت الحرب على قطاع غزة والتي لازالت تلقي بظلالها الثقيلة على المنطقة مخلفة دماراً كبيراً في الأرواح والممتلكات .
الحرب التي تدور على أرض غزة للشهر الرابع على التوالي ، وصلت ارتداداتها بشكلٍ سريع إلى الضفة الغربية ، اردادات تعمقت في شقها الاقتصادي لاسيما فيما يتعلق بحياة الناس اليومية وبخاصة تلك المرتبطة بقدرة الانسان الفلسطيني على امتلاكه النقود الكافية لشراء احتياجاته الأساسية ، وهنا لابد ان نقف عند هذه الاحتياجات والمتمثلة ب :
• الخبر ، الأرز
• السكر والزيوت النباتية
• الخضروات والفواكة
هذه سلة المشتريات الأساسية للمواطن ، هل طرأ عليها تغييرٌ منذ السابع من أكتوبر الماضي ، للإجابة على السؤال هذا نعود لاحدث تقرير صادر عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والذي نُشر في الرابع عشر من كانون الثاني الجاري تحت عنوان :
" ارتفاع حاد في مؤشر غلاء المعيشة خلال العام 2023 بنسبة 5.87% في فلسطين مقارنة بالعام 2022
و يعود السبب الرئيسي لارتفاع مؤشر غلاء المعيشة في فلسطين وفقا لجهاز الإحصاء المركزي ؛ إلى ارتفاع أسعار مجموعة المواد الغذائية بنسبة 6%، والتي تشكل أهميتها النسبية 28% من سلة المستهلك.
ارتفعت أسعار كل من؛ البطاطا بنسبة 37%
والخضروات المجففة بنسبة 32%
والبيض بنسبة 33%
ودقيق الحبوب "الطحين" بنسبة 13%
والأرز بنسبة 10%
والخضروات الطازجة بنسبة 7.34%
والدجاج الطازج بنسبة 6%
واللحوم الطازجة بنسبة 5.45%
والزيوت النباتية 4% .
هذا الارتفاع الجنوني للأسعار كما وصفه المواطنون في حديثهم لنا حوّل حياتهم الى جحيم لاسيما في ظل استمرار ازمة " رواتب موظفي القطاع العام " واغلاق سوق العمل الإسرائيلية امام العمال الفلسطينيين منذ أربعة شهور .
لكن أكثر ما يؤلم المواطن ليس فقط الارتفاع الجنوني للأسعار وعدم قدرة الكثير من المواطنين على تامين الحاجات الأساسية للعائلة ، بل هو غياب أي تدخلٍ من الجهات الرسمية لضبط السوق لجهة اولاً توحيد الأسعار وعدم التلاعب او استغلاق التجار لحالة الحرب المستمرة ، الى جانب التأكد من جودة ما يعرض من منتجات في السوق المحلية ، هنا يقف المواطن امام سؤالٍ كبير اين الرقابة على كل ذلك .
ارتفاع الأسعار التي رصدها الإحصاء الفلسطيني واكدها المواطن في الشارع لها ما يبررها من وجهة نظر التجار.
في مدينة الخليل التقينا برئيس نقابة تجار المواد الأساسية الذي أكد لنا بأن الأسعار بقيت في المتناول وان الارتفاع ليس كما يشاع .
الجعبري حذر في المقابل من أن الارتفاع الحقيقي قد يضرب الأسواق الأشهر القادمة مع استمرار ازمة توريد البضائع للسوق المحلية وبخاصة بعد تصاعد ازمة " الشحن عن طريق باب المندب"
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة عن تشكيل خلية ازمة والعمل في اطار خطة الطوارئ، فإن الغرف التجارية رأت ان غياب الاستراتيجات الرسمية بشأن توفير مخزون كافٍ من المواد الاساسية لعب دورا في اهتزاز السوق رغم توفر السلع محليا.
وزارة الاقتصاد الوطني التي أعلنت مؤخرا عن وضع حجر الأساسي لبناء صوامع لتخزين القمح لضبط السوق والتاكيد من توفر القمح لستة اشهر كحدٍ ادنى و بسعة تخزينية 40 ألف طن للصومعة الواحدة في موقعين مختلفين، بما مجموعه 80 ألف طن كمرحلة أولى.
فقد أكدت بأن فرقها العاملة في الميدان تواصل العمل على مدار الساعة لضبط السوق ، لكن قلة الإمكانيات وضعف الكادر البشري وصعوبة التنقل بين مدن وبلدات الضفة تلعب دوراً في ضعف الرقابة الرسمية .
في المقابل ترى جمعيات حماية المستهلك ان الحديث عن توفر السلع الأساسية في السوق ورغم أهمية ذلك لا يخفي حقيقة ضعف الرقابة الرسمية على السوق ، وعجز القوانين في ردع المخالفين ومحاسبة ما اسمته " تجار الحروب " في زمن الأزمات والكوارث .
وفي الكفة الثانية من سلة المشتريات الفلسطينية تكمن حصة الخضروات والفواكة ، هنا نقف كثيراً امام مشهد الارتفاع الكبير الذي سجل على ميزان هذه السلة ، وفي ظل وجود مؤشرات على الاحتكار، واتهامات من صغار التُجار والباعة في أسواق الخضار المركزية، لبعض كبار التجار باحتكار الكميات وتسويقها في الأسواق الإسرائيلي كان لا بد من مواجهة وزارة الزراعة .
وحول دور وزارة الزراعة في الرقابة على أسواق الخُضار المركزية، وأسعار الخضار، أكد مدير عام الإرشاد الزراعي في وزارة الزراعة صلاح البابا أن دور الوزارة يتمثل بتقديم الخدمات الفنية واللوجستية للمزارعين، لتحقيق الاكتفاء الذاتي، والمساهمة بتحقيق الأمن الغذائي، بينما تناط أدوار الرقابة على حركة الأسواق والأسعار بدوائر حماية المستهلك التابعة لوزارة الاقتصاد الوطني، مشيراً إلى المسؤولية المجتمعية في هذا الخصوص، وتقع على عاتق اتحاد المزارعين، واتحاد الغرف التجارية والصناعية والزراعية الفلسطينية.
وتأتي الارتفاعات الفلكية على أسعار الخضار، في ظل تراجع القدرة الشرائية، بسبب قرصنة الاحتلال لأموال المقاصة الفلسطينية، وقرار الاحتلال منع العمال الفلسطينيين من التوجه لأماكن عملهم في الداخل المحتل، وتآكل القاعدة الانتاجية في الضفة المحتلة إلى قرابة الثُلث، وهي أسباب اجتمعت وأدت إلى تحويل الخضار في مطبخ الأسرة الفلسطينية لما يشبه الأمنية.
ويرى أن أسعار الخضار تسجل ارتفاعات كبيرة وغير مبررة، رغم نقص كميات الانتاج الزراعي، وعمليات النقل الكبيرة للمُنتجات الزراعية من الخضار إلى أسواق الداخل المحتل، لتسديد العقود المبرمة بين التجار الفلسطينيين مع أسواق الداخل المحتل ، حيث لا تتم مراقبة الكميات التي يتم تسويقها في أسواق الداخل المحتل.
وبلغة الأرقام الرسمية فقد بلغت نسبة غلاء المعيشة في فلسطين منذ العام 1996 وحتى العام 2023 حوالي 126%، أي بزيادة مقدارها 1,261 شيقل لكل 1,000 شيقل من الأجر الشهري، وإذا ما حسبت منذ العام 2004 فقد بلغت حوالي 60%، أي بزيادة مقدارها 602 شيقل لكل 1,000 شيقل من الأجر الشهري، فيما تجدر الإشارة إلى أن نسبة التآكل في الأجور والرواتب قد بلغت حوالي 45% منذ العام 2008 وحتى 2023 بسبب ارتفاعات الأسعار المتتالية خلال السنوات الماضية.
تشهد الأسواق العالمية أعلى موجة غلاء أسعار منذ 40 عامًا، بسبب الآثار المترتبة على التغير المناخي، وجائحة كورونا، والحرب الروسية الأوكرانية، لكن الفلسطيني، وتحديدًا في مناطق السلطة الفلسطينية يعاني من ارتفاع الأسعار قبل حدوث كل ذلك نتيجة التبعية الاقتصادية للاحتلال، واستيراد معظم السلع من الخارج، ومن ثمّ استيراد التضخم معها.
وإذا كان الغلاء موجودًا في كل دول العالم فهو حتمًا في فلسطين يكون مختلفًا، وأكثر إيلامًا للمواطنين، ففي الدول ومع كل ارتفاع في الأسعار يكون هناك ارتفاع للأجور، بينما لم تنجح السلطة الفلسطينية في فرض الحد للأجور على القطاع الخاص، ولم تنجح في تسديد فتورة موظفيها كاملة وفقا لخبراء الاقتصاد .