الأسير مقداد الحيح .. وجه مهشم وقلبٌ يبتسم

17.12.2017 12:29 PM

رام الله- وطن: وصل الوالدان المتعبان من الفراق إلى بوابة سجن "إيشل" يحملان ملامح الشوق والتوق للقاء، كانا يواسيان بعضهما بأن تعب الزيارة سينتهي خلال لحظات حين يكحلان عيونهما برؤية الغائب البعيد القريب.

خضعا لكل الإجراءات الأمنية المملة والمعقدة، جلسا في الانتظار لساعات كما هي "بروتوكولات" الزيارة المقيتة التي تقيدها مصلحة السجون الصهيونية بكل البغض والحقد، أم خمسينية وأب ستيني جلسا يخضعان للتفتيش المهين ويحتملان كل أشكال الإهانات لهدف واحد فقط هو رؤية قطعة من قلبهم حبيسة الزنازين.

الشهيد الحي

أطل بوجهه المنير مرتديا لباس إدارة السجون بنيّ اللون، لا يصعب تمييزه عن بقية الأسرى فهو شاب تلونت ملامحه بتاريخ عزة رسمه يوم أن أقبل على الشهادة قبل عامين ولكن الله كتب له أن يؤسر.

التقى الأسير مقداد محمد الحيح (23 عاما) من بلدة صوريف شمال مدينة الخليل، بوالديه اللذين نسيا كل تعب الزيارة والمسافة والإجراءات الظالمة، لمعت عينا الأب وترقق قلبه شوقا حين رآه، أما الأم فعضت على شفتيها محاولة إخفاء دموع الفراق ولوعة قلبها على وليدها.

تقول أم مقداد لـ مكتب إعلام الأسرى:" حين أذهب لزيارته أشعر وكأن روحي ترتد إلي من جديد، نحن نؤمن بقضاء الله وقدره ولكن القلب البشري يحزن ويشعر بالتعب حين يفقد عزيزاً، ونحن غادَرنا مقداد قبل عامين وما زال أسيرا يشكو ظلم السجون".

وتروي الأم الصابرة حكاية اعتقال نجلها الذي من المفترض أن يسمى بالشهيد الحي، ففي 22 تشرين الأول/ أكتوبر من عام 2015 اتخذ قراراً بالاستشهاد دفاعا عن وطنه بينما كان المحتل يعدم النساء والأطفال والشبان في الشوارع وعلى أبواب الأقصى والمسجد الإبراهيمي في بداية انتفاضة القدس.

وتضيف:" جاء مقداد في أحد الأيام مبتسما ويبدو عليه السرور ونحن نقطف الزيتون، قلت له أتمنى أن تكون سعيدا دائما ولكن تبدو عليك سعادة مميزة ما السبب، فقال غدا سيكون أجمل أيام عمري، لم نفهم بالطبع وظننا أنه يتحدث عن مشروع تجاري أو عن عمل جديد سيتسلمه، وفي اليوم التالي صباحاً كانت المفاجأة".

امتلأت شاشات التلفزة بأخبار عن فدائيين فلسطينيين نفذا عملية طعن لعدد من المستوطنين في حافلة اسرائيلية بمستوطنة "بيت شيمش" المقامة على أراض القدس المحتلة، على الفور عرف قلبها أنه ابنها الملقي أرضاً بعد إطلاق الرصاص صوبه، كان الاحتلال يمنع إسعافه والأم تجهش بالبكاء متمنية لو تقدم روحها كي تنقذه.

وتتابع:" رأيت ملابسه وحذاءه وعلمت أنه هو ثم ربطت كلامه في اليوم السابق وعلمت أنه كان يقصد الشهادة، هي درجة عظمى ولكن قلب الأم لا يحتمل أن يرى فلذة الكبد في هذه الحال، وصلنا خبر استشهاد مقداد وصديقه محمود غنيمات وسلمنا أمرنا لله رب العالمين".

ولكن الله شاء أن تتبدل الأحوال، رغم أن مقداد أصيب برصاصة في الرأس وأخريات في مختلف أنحاء الجسد وصديقه محمود أصيب برصاصات في الجزء السفلي من جسده إلا أن الأخير ارتقى شهيدا وبقي مقداد على قيد الحياة ليبدأ مسلسل الاعتقال.

الأمل القائم

ما زالت ملامحه تشهد على ذلك اليوم، فإصابته البالغة أدت إلى انتفاخ كبير في الوجه وفقدان حاسة السمع في إحدى الأذنين إضافة إلى ثقل في الكلام، وحين توجه والداه إلى المحاكمة في أول مرة يرونه فيها لم يتعرفا عليه وظنا أنه أسير آخر مصاب!

وتعتبر والدته أن مقداد هو "الأفضل خَلقاً وخُلقاً" بين أبنائها وأن الرصاصات التي شوهت وجهه زادته جمالا في عينيها وعيني كل من يعرفه حقاً.

بقي مقداد يعاني من الإصابة في سجون الاحتلال إلى اليوم، لا يقدم الاحتلال له العلاج المناسب منذ لحظة إصابته حين تركه ينزف ويفقد الوعي، وحُكم الشاب الحيح بالسجن 16 عاما.

تصميم وتطوير