كيف يمكننا منع الفيضانات!

06.12.2015 08:15 AM

وطن- تقرير: عمر عاصي

لقد عَرفت فلسطين الفيضانات مُنذ القدم، كغيرها من بلاد العالم بما في ذلك البلاد الصناعية والمتقدمة ولكن الحقيقة التي لا يمكن جدالها هي أنه مهما تطوّر العلم فإن مسألة منع الفيضانات هي مستحيلة حتى يومنا هذا، فلا "حكام العرب" ولا حتى "الدول الصناعية" يمكنها منع الفيضانات، ويبقى الخيار الأفضل هو الإنفاق على تقنيات مواجهة الفيضانات كي نُـقلل هذه المخاطر الناجمة عن السيول والفيضانات. ولو تأملنا فلسطين عموماً وقطاع غزّة خاصّة سنجد انه رغم الحصار وشح الإمكانات فإن إتباع تدابير بسيطة يُمكن ان يمنع مخاطر كثيرة مثل: مشروع تنظيف شبكة المجاري او إنشاء حوض لتجميع مياه الامطار، كل هذه الأمور وغيرها سنتعرض لها بشيء من التفاصيل في التقرير التالي:

الطبيعة هي السبب !
ما إن عمّت الفيضانات وطننا العربي هذا الشتاء، حتى انطلق البعض يلوم " الحكام العرب " بكل ما يحصل، ومع أن الجهات الرسمية العربية مقصّرة في هذا المضمار إلا انه لا يمكن لومها وحدها، فالفيضانات ظاهرة طبيعية ومعروفة منذ فجر التاريخ وفي دراسة تاريخية حول الكوارث الطبيعية بعنوان " الكوارث الطبيعية في بلاد الشام ومصر " يكشف الباحث محمد صلاح عن ابرز الكوارث التي حصلت بين أعوام 1097 و 1517 ومن بينها الفيضانات والسيول التي عمّت فلسطين.

فقد حصلت سيول جارفة بسبب الامطار الغزيرة التي عمت بلاد الشام في تشرين اول من عام 1153م وذكر المؤرخون ان السيول في منطقة طبريا أدت إلى هدم العديد من المساكن وانجراف احجارها إلى البحيرة من شدّة قوة المياه. كما أن أمطارا غزيرة هطلت في تشرين اول من عام 1300م مع ذوبان الثلوج على قمم الجبال القريبة لمنطقة نهر العوجا، ففاضت مياه النهر والحقت اضراراً فادحة بالجيش المملوكي الذي كان متواجداً في المنطقة آنذاك كما ذكر المقريزي وابن ايبك.

ومما يذكره المؤرخون، أن بلاد الشام تعرضت في شتاء 1493 لتساقط الثلوج الكثيف وشهدت مدينة القدس تساقطاً بدرجة كبيرة جداً لدرجة ان العليمي قال في هذه الحادثة : "وحكى الكبار أنهم لم يروا مثل ذلك في هذه الأزمنة من نحو سبعين سنة " ومما يذكر ان ارتفاع الثلوج بلغ 5 اذرع ومن شدة تساقطه لم يتمكن كثير من الناس من اداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى.

كيف تتعامل ألمانيا مع الفيضانات؟
بلا شك فإن فلسطين والدول النامية ليست وحدها المعرضّة للفيضانات فألمانيا كذلك تعرّضت للكثير من الفيضانات عبر تاريخها وفي عام 2002 غرقت مدينة درسدين في شرق ألمانيا، الامر الذي تسبب بأضرار هائلة وبلغ عدد ضحايا الفيضان 38 شخصاً وفي عام 2013 حصلت فيضانات عمّت مناطق كثير في شرق المانيا راح ضحيتها 8 اشخاص ولا يُمكن القول أن بإمكان التقنيّات الألمانية المتطورة ان تمنع أي فيضانات، فالواقع وكما يقول البروفيسور شترومبف من جامعة آخن التقنية، فإن الفيضانات هي ظاهرة طبيعية ولا يُمكن منعها ولكن بالإمكان التقليل من حجم مخاطرها.

في ألمانيا يتم مواجهة الفيضانات فيما يُعرف بإستراتيجية مواجهة الفيضانات Hochwasserschutzstrategien والتي تقسم لثلاثة أقسام هي: إدارة المساحات المعرضة للفيضانات، التنبؤ والتخطيط المسبق ثم تقنيات مواجهة الفيضانات. وتعتمد هذه بدرجة أساسية على ورقة للإتحاد الأوروبي ( EU-Hochwasserrichtlinie ) تحث على إدارة المخاطر الناجمة عن الفيضانات، وذلك من خلال تقييم حدة الخطر في المناطق المختلفة والتخطيط المسبق للتعامل مع الخطر قبل وقوعه، فالأضرار التي لا يمكنك منعها بتاتاً يمكنك تقليل مخاطرها.

وبحسب تقييم المخاطر فيمكن اتخاذ بضعة إجراءات للتعامل مع الفيضانات ففي بعض المناطق تجهز مناطق تعرف بالسهول الفيضية والتي يُمكن توجيه مياه الفيضان إليها بدلاً من ان تفيض في مناطق سكنية، وكذلك خطوات أخرى مثل تطوير شبكات قائمة على فصل مياه الصرف الصحي بحيث تبقى مياه الصرف الصحي منفصلة عن مياه الامطار التي يُمكن ان تجري نحو أي مصب بصورة مباشرة دون الحاجة إلى اي معالجة.
الحقيقة ان قائمة الإجراءات الوقائية طويلة جداً إلا أن البروفسور شترومف يؤكد بأن أفضل إجراء لتقليل مخاطر الفيضانات هو التقليل من حجم التواجد البشري والنشاط البشري في تلك المناطق، ولذلك لا بد من وجود محطات رصد جوي محترفة تُخّبر المواطنين بتوقيت حصول الفيضان في اسرع وقت ممكن.

إجراءات بسيطة تحد من مخاطر الفيضان
نشرت جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني كراسة تُلخص فيها بعض التدابير الوقائية البسيطة في التعامل مع الفيضانات قبل حصولها وأثناء الفيضان وبعده.

يُنصح قبل الفيضان تجهيز حقيبة طوارئ تحتوي على مصباح، مذياع، بطاريات، حقيبة اسعاف اولي بالإضافة إلى الغذاء وزجاجات مياه وصفارة. كما اشار الكراس إلى ضرورة الاحتفاظ بمواد مثل أكياس الرمل، خشب الأبلاكش والصفائح البلاستيكية لمنع مياه الفيضان من اقتحام المنزل.

ومن التدابير التي يُنصح القيام بها بعد صدور تنبيه حول وجود فيضان، هي فصل الأجهزة الكهربائية من الكهرباء وكذلك رفعها إلى طابق علوي إن كان هناك متسعٌ من الوقت.
أما بعد انتهاء الفيضان فلا بد من الحذر الشديد في التعامل مع الأغراض التي وصلتها مياه الفيضان حيث يُنصح ان يتم غسل ألعاب الأطفال جيداً وعدم أكل الأطعمة التي تعرضت لمياه الفيضان، كما لا ينصح الشرب من صنابير المياه مباشرة ويفضل ان يُشرب من زجاجات المياه المعبأة فقط.

تدابير هندسية من أجل فيضانات فلسطين
في جامعة بيرزيت في الضفة الغربية، عُقدت ورشة عمل تحت عنوان "التدابير اللازمة لمواجهة الفيضانات الناجمة عن المنخفضات الجوية العميقة في فلسطين" واقترح فيها المهندس مراد فقهاء الأساليب والتقنيات التالية لمواجهة خطر الفيضانات:
● ضرورة تنظيف مجاري الاودية من المخلفات وإزالة جميع العوائق أمام مجرى المياه
● تنظيف العبارات وإصلاحها وتوسعتها.
● عمل فتحات احتياطية لتصريف المياه الزائدة عن القدرة الاستيعابية.
● فتح العبارات المارة من خلال الجدار الفاصل مع الجانب الاسرائيلي
● العمل على أن تتضمن مقترحات المشاريع الممولة من الحكومة أو من خلال الداعمين، خطة تأهيل مجاري الأودية والعبارات المحاذية بطريقة تحول دون التسبب بخسائر عالية.
● منع كب النفايات والمخلفات المختلفة في مجاري الأودية.

غزة تقاوم الإحتلال والفيضانات
رغم الحصار المفروض على غزّة، إلا اننا لو بحثنا عن إحدى الجهات الفلسطينية التي تعمل بجد ونشاط كي تُقلل من الأضرار الناجمة عن الفيضانات في فلسطين فلا بد ان نذكر مصلحة مياه بلديات الساحل التي تعمل في ظروف في غاية الصعوبة، حيث بلغ حجم الأضرار المباشرة من فيضانات 2013 على سبيل المثال حوالي مليون و240 الف دولار، هذا غير 4.4 مليون دولار وهي قيمة الأضرار الغير مباشرة.

وفي حديث لمنذر شبلاق مدير المصلحة مع موقع فلسطين اون لاين حول التجهيزات لاستقبال موسم الأمطار أكّد بأنه "لا يوجد علم هندسي موجود في الكون اسمه التجهيز لموسم ماطر بعينه، لكن في تصميم الشبكات مثلا نأخذ أكبر موسم ماطر قبل 20 عاماً". وفي نفس الحديث أشار إلى أن المصلحة رغم ذلك استطاعت تقليل حجم الأضرار من خلال تنظيف كل مصارف الأمطار والصرف الصحي قبل موسم الأمطار، كما أشار إلى عمل المصلحة على مشروع بركة المياه الوطنية لاستقبال مياه الأمطار وترشيحها غرب خان يونس وذلك لإستغلال مياه الفيضان واستيعابها. بالإضافة إلى مشروع آخر في وادي سلقا يُعنى بتوجيه أنابيب مياه صرف مياه الامطار إلى الوادي وحفر بركة قريبة من المصب وذلك للاستفادة من مياه الأمطار والنظر إليها كنعمة وليس نقمة.

مشروع .. حي الأمل !
في سبتمبر الماضي، أعلنت الهيئة الدولية لإعمار غزّة عن بدء اعمال مشروع إنشاء حوض لتجميع وترشيح مياه الأمطار شمال حي الأمل بمدينة خانيونس.
ستبلغ مساحة الحوض الأفقية حوالي 20 دونماً وبقدرة استيعابية 0,5 مليون متر مكعب من مياه الأمطار وبمعدل ترشيح 12 ألف متر مكعب باليوم مع نقل مياه الأمطار الفائضة إلى الأحواض القائمة غرب الحوض، بالإضافة الى تشكيل مناطق خضراء ومناطق ترفيهية ومتنزهات غرب الحوض بمساحة تقارب 57 دونماً.
وتنظر الهيئة للمشروع الذي سيكلفها حوالي 3 ملايين دولار على انه حل جذري لمشكلة فيضانات المياه وتفادياً لحدوث أية كوارث مستقبلية، كما انه سيمنح المنطقة فرصة للاستفادة من كميات مياه الأمطار المهدورة حيث بلغت كمية الأمطار في إحدى المنخفضات 58,6 مليون متر مكعب خلال أربعة أيام، وهي كميّات تذهب هدراً غالباً في ظل انعدام التقنيات التي تعنى بالاستفادة منها، علماً بأن قطاع غزّة يعاني من مشكلة حقيقية في الحصول على مياه شرب نظيفة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير