زينب الغنيمي تكتب لوطن من غزة: مهمّاتٌ جديدةٌ في نشاطنا المنزلي، مع ترقّب اتفاق لوقف العدوان الصهيوني

12.02.2024 10:19 AM

اليوم الرابع والعشرون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 7 فبراير 2024

سطعت الشمس منذ الصباح الباكر بعد انقشاع الغيوم وتوقُّف المطر، وكان هذا فألاً حسنًا لكلّ النزلاء والنزيلات في المنزل، وكان يومًا مناسبًا لتجديد نشاطنا جميعًا خصوصًا بعد مرور عشرة أيامٍ قاسيةٍ علينا، بسبب عودة جيش الاحتلال الصهيوني للتمركز في مواقع حسُاسة في أحياء غزة، وقيامه بتفجيرات واسعة للمباني والتي سبق ودمّرها أصلا، والرعب الذي استولى علينا حول احتمال اقتحامهم لمنطقتنا مجددًا.

وبالرغم من استمرار الجيش بالقيام بالعمليات العسكرية، واستمرار طنين طائرات الاستطلاع (الزنّانة) الذي ينقر بالرأس نقرًا ويسبب صداعًا شديدًا، وأيضًا الخوف من التجوّل في الشوارع بسبب وجود قنّاصة صهاينة على أسطح المباني المرتفعة، وكثافة وجود طائرات الكوادكابتر التي تقصف المارّة وتجمّعات الناس، حيث لم نسمح منذ أكثر من خمسة أيام بحركة الفتية المقيمين معنا للأماكن البعيدة، خصوصًا بعد أن كاد ابن قريبتي أن يتلقّى إصابةً خطيرةً من تلك الطائرات المرعبة ولحسن الحظ مرّت الشظيةً بجوار ساقه وكانت الإصابة خفيفة. بالرغم من كلّ هذا، إلا أننا نفّذنا العديد من الأشياء، آملين أن يمرّ هذا اليوم بسلام:

أولًا: ستساعدني الشمس على شحن البطاريات من اللوحات الشمسية، مما يعني الحصول على كهرباء لشحن أجهزة الموبايل واللاب توب والإنارة وغيرها.

ثانيًا: قرّرنا زيادة عدد اللوحات الشمسية وإضافة بطارية من البيوت الأخرى التي تدمّرت جزئيًا، كي نستطيع الحصول على كمية كهرباء أكثر.

ثالثًا: الحصول على الماء بوفرة، مما يعني أن يتمكن عددٌ كبيرٌ من الموجودين من الاستحمام وذلك استغلالا للجوّ الدافئ نسبيًا.

رابعًا: كانت الفرصة مناسبة لغسيل كمية الملابس التي تراكمت خلال أسبوع المطر والبرد وغياب الشمس، خصوصًا أن عملية الغسيل تجري يدويًا حيث لا يوجد إمكانية لتشغيل غسالة كهربائية، ولذا فإنّ نشر الغسيل على السطح أمام الشمس سيساعد في تجفيف الملابس. كما وجدت لي مهمّةً، وهي نشر الغسيل، واجتهدت وربطت حبالًا جديدةً، واحدٌ لكلّ عائلة منّا كي تستوعب كمية الغسيل.

خامسًا: اشترينا كميةً كبيرةً من الفحم، نحو 40 كيلو، قبل أن ينفذ من السوق مثل كل المواد الأخرى، وذلك لاستخدامه كوقود للطبخ وتسخين الماء وغيره، وقد صنع زوج قريبتي من صينية الفرن الحديد موقدًا للفحم بثني جوانبها، وقد كنا سابقًا حوّلنا طنجرة الكهرباء إلى طنجرة على الفحم لخبز العجين، ولكن الموقد الجديد أكبر حجمًا ويُسهّلُ الاستخدام. بالأمس أنطجنا وجبة الغداء، وكنت عبارة عن أرز بالخضار، أي بقطع الجزر والذرة والبصل، في طنجرةٍ كبيرة تتسع لأربع كيلوات من الأرز كي تكفي للجميع.

إن استخدام الفحم، على رأي زوج قريبتي، أقلّ ضررًا من استخدام الحطب، حيث يستخدم الكثير من الناس الحطب، وهي الأخشاب من بقايا أثاث المنازل المهدمة، أو أعمدة الكهرباء التي وقعت جرّاء القصف. قبل يومين، رأيت أحد الرجال يجرّ خلفه ثلثي عمود كهرباء، وقد كنت قد فكُرت بشراء موقدٍ للحطب وهو عبارة عن صفيحة فارغة كانت تستخدم لتخزين السمن، وحاليًا يتم ثقبها من ناحيتين لتكون موقد حطب، وقد أغراني الأمر عندما زرت صديقتي ورأيتها تضع موقدين أمامها، أحدهما تغلي عليه الماء للاستحمام والآخر كانت تطبخ عليه مجدرة.

ولكن عندما شاركت الفكرة مع الآخرين في المنزل، فضُلوا استخدام الفحم لأنه أقلّ ضررًا، حيث أنّ الدخان المتصاعد منه أكثر إيذاءً، كما تؤدي الرياح لإيذاء البيوت وسكّانها في الجوار رغم أنهم يستخدمون الحطب بدورهم ونحن نتضايق من رائحته، وهنا انتهت فكرة استخدام الحطب والاقتصار على استخدام الفحم.

أعادنا هذا العدوان البغيض إلى العصر البدائي، والمؤسف أننا أصبحنا نتسابق على اقتناء الأدوات والمواد البدائية ونحرص على شرائها بكمياتٍ كبيرة خشية غلاء الأسعار. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر كيلو الفحم تدريجيًا من 3 ونصف شيكل إلى عشرة شواكل، أي من 1 إلى 3$ تقريبًا.

يمرّ علينا هذا اليوم من حيث استمرار العدوان كما مرّت الأيام السابقة بانتظار وقف كل ذلك الدمار والقتل، وكل الناس في قطاع غزة، والذين يعيشون تقريبًا تفاصيل مشابهة خصوصًا من هم في مدينة غزة وشمالها، يتطلعون إلى وقف العدوان وانتهاء الحصار، كي يتمكنوا من العودة للحياة الطبيعية رغم صعوبة ذلك والوقت الطويل الذي سنأخذه في ترميم بيوتنا وشوارعنا ومؤسساتنا وأرواحنا.

زينب الغنيمي، من مدينة غزّة تحت القصف والعدوان

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير