مظاهرة رام الله ..بين القمع والشتائم ... قانونيتها وشرعيتها

31.08.2013 01:43 PM
وطن- علي دراغمة: بدت أجهزة الأمن الفلسطينية راضية لما آلت إليه الآراء حول مظاهرة رام الله التي سار بها عدد من الشبان والفتيان في جنازة رمزية لشهداء مجزرة قلنديا، التي ارتكبها جيش الاحتلال الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى مطالب المتظاهرين بوقف المفاوضات الثنائية بين الفلسطينين والاحتلال.

وقال مدير العلاقات العامة والاعلام في شرطة رام الله الرائد أشرف مطلق: كنا نقدم لهم زجاجات ماءالشرب وهم يلقونها علينا مع الشتائم" متسائلاً : ما هي القضية الأساسية التي خرجت من أجلها التظاهرة؟ هل هي لشتم الرئيس ورجال الشرطة من قبل بعض الأخوات؟.

وقد خلقت مظاهرة رام الله الكثير من السجال نتيجة ما تناقلته وسائل الإعلام المحلية بين مؤيد ومعارض لها.

الناشط الحقوقي ماجد العاروري قال: "المظاهرات لا تناقش من منطلق الحقوقيين إن كانت قانونية أو غير قانونية، إن كانت شرعية أو غير شرعية، إن كانت مطالبها محقة أو غير محقة".

وأضاف العاروري أن الذي يناقش دائمًا هو استخدام السلطة للقوة في تفريق المظاهرة؟ وهنا يطرح سؤالين: الأول، هل كان من الضروري استخدام القوة أم لا؟ إذا كان ضروريًا فإن من المبرر أن تستخدم السلطة القوة. والضرورة تكون عادة لحماية حقوق أخرى مثل ممتلكات عامة أو ممتلكات مواطنين اعتدى عليها المتظاهرين؟ أو حياة أشخاص قد تتعرض لخطر، أو غير ذلك من الحقوق الأساسية التي قد تم، وتكون عادة مبنية على قضايا ملموسة وليست ألفاظ أو مسبات، فمثل هذا الاعتداء ما دام لم يعرض أرواح أو ممتلكات أشخاصاً للخطر لا يعطي مبرراً لاستخدام القوة.

وطرح العاروي السؤال الثاني الذي يناقش إذا كان استخدام القوة مبالغا به، وهناك مجموعة من المعايير المتعارف عليها دوليا، والتي تؤكد على أن استخدام القوة، يجب أن يكون منسجمًا مع العنف الذي استخدمه المتظاهرين، وأن يكون تدرجيًا، أن يبدأ بالتحذير ، وأن لا ينتهي بإطلاق الأعيرة إلا إذا كان ذلك لا بد منه لحماية أرواح، كأن يكون أحد الأشخاص عرضة لموت وشيك بسبب عنف أحد المتظاهرين.. ويجب أن يسبق ذلك استنتفاذ كل الوسائل السلمية لفض المظاهرة... القاعدة إذن هو مراقبة مدى التزام السلطة بمبادئ استخدام القوة التي منحها القانون حق هذا الاستخدام، ولكن وفق قيود ذكرنا محدداتها، ولا يرصد سلوك المتظاهرين إلا بهدف فحص انسجام استخدام القوة مع سلوكهم.

أما ألفاظهم وشعاراتهم لا تكون عرضة للتقيم، لا من قبل مراقبي حقوق الإنسان ولا من قبل السلطات العامة، إلا إذا برز مخالفات حقيقية للقانون كالتحريض على ارتكاب جريمة أو حرق ممتلكات عامة أو غير ذلك من الأفعال المجرمة بالقانون، تقوم السلطات بإحالة مرتكبيها للقانون، والقضاء هو من يبت بذلك، ولا ضير أن يتم ذلك بعد انتهاء المظاهرة.

القاعدة إذن أن تتمتع الأجهزة المدربة على مواجهة الجمهور بضبط النفس، وليس أن يقيم أخلاق المتظاهرين، وضبط النفس هو واجب حدده القانون على المكلفين بإنفاذ القانون، أي القوى الأمنية، وليس منة يجب أن يشكروا عليها، فهي القاعدة الأساسية في السلوك، وليست منة، وأحيانا عدم استخدامهم للقوة لحماية الأرواح والممتلكات يكون تقصيراً منهم وليس فضلاً.

هذه المبادئ التي أقرتها الأمم المتحدة فيما يتعلق باستخدام القوة والتي يجب أن يكون على أساسها تقيم منظمات حقوق الانسان أو ووسائل الإعلام لأي تجمع سلمي. فأحيانا جماعات تخرج بمظاهرات سلمية قد لا تكون مقبولة لقيم المجتمع، ومع ذلك ضبط النفس واجبا، وهذا لا يبرر استخدام القوة من أجهزة الأمن.

من جانبه، وصف الإعلامي محمد دراغمة مظاهرة رام الله بالقول" بكل ما فيها من صبيانية، هي صورة مصغرة عن العمل السياسي الفلسطيني الذي يتسم بالصبيانية، فأداء المتظاهرين لا يختلف عن أداء السياسيين، ولا عن أداء النقابيين، راجعوا تصريحاتهم ومواقفهم، وستعرفون أن الصغار هم صورة عن الكبار".

مضيفا " الصبيانية هي عنوان العمل السياسي والنقابي الفلسطيني في هذه المرحلة، تتساوي في ذلك السلطة والمعارضة والنقابات، والدليل في عناوين الأخبار اليومية".

في حين قال الإعلامي عماد الأصفر بعد أن أشبع الموضوع نقدا وتحليلا وتشخيصا واستغلالا من قبل كافة الأطراف ،لا بد من استخلاص عبر في الاتجاهين:

أن التظاهر وحرية التعبير حق يجب احترامه من قبل السلطة لدافعين اثنين الأول قانوني أخلاقي والثاني مصلحي فمنع الاحتجاجات يزيدها اشتعالا.

احترام هذا الحق لا يجب أن يكون موسميا بل سياسة ثابتة راسخة الأركان تستند إلى دليل إجراءات عمل بدءا من تنظيم المسيرات ومعرفة من المسؤول عنها وانتهاءا بإتباع قواعد الاشتباك حسب تدرجاتها إن دعت الحاجة.

لا ضير في الاستعانة وبشكل رسمي بمراقبي حقوق الإنسان لتوثيق شهادات ميدانية عن كل فعالية حس الجماهير صادق دوما ولكن سلوكها غالبا ما يكون غوغاءيا خاصة في ظل غياب قيادات توجيهية وشعارات سياسية ذكية يكون مجرد رفعها قادرا على إحراج الطرف الآخر وإرضاء ضمير ورغبات المحتجين .

إن غياب هذه الشعارات الذكية المحرجة يجعل المحتجين يندفعون إلى أساليب استفزازية أملا في الحصول على مظلمة يتغنون بها ويتباكون حولها، ألم تلاحظوا أن كل التظاهرات ومهما كان هدفها تنتهي بنقاش حول حرية الرأي وحق التظاهر وسلوك الشرطة والأمن وأما هدف المسيرة الأصلي فإنه يغيب وكأنه كان مجرد وسيلة لإثارة الرأي العام حول الحريات ودور الأمن وليس حول وقف المفاوضات مثلا.

إن شعارات تخوين الأمن لا تتفق إطلاقا مع المطالبة بجهاز أمني حرفي مهني بعيد عن السياسة كما نريد وكما يجب أن يكون، لا فرق بين متظاهر ومتظاهرة فالشتائم سواء استهدفت الآلهة أو رجال الأمن او السياسيين هي الأصل بغض النظر عن صدورها من قبل ذكر أو أنثى أو من قبل فتاة محجبة أو تلبس الفيزون ترتاد المقاهي أو تمارس حريتها من وراء حجاب.

وقال "رجل الأمن يجب أن يكون مدرباً وقادرا على ضبط النفس وإلى أبعد حد وأن يتعامل على قاعدة أن الانتقادات مهما كانت قاسية لا تطالبه شخصيا وإنما تطال دور النظام السياسي وهو نظام قادر على الدفاع عن نفسه ويملك من أدوات ووسائل الدفاع أكثر مما يملك المتظاهرون".

مضيفا "يجب أن يؤمن رجل الأمن بأن مظاهرات أخرى قادمة قد تكون للمطالبة بحق من حقوقه وحقوق أبناءه وأن أحداً من أفراد أسرته قد يشارك فيها، يملك رجل الأمن أيضاً الحق في اللجوء إلى القضاء ضد متظاهر أو أكثر وبشكل شخصي ان تعرض لاعتداء جسدي أو معنوي.

وأخيراً "أعتقد أن التغطية الإعلامية المنصفة لكل شأن من الشؤون التي يجري التظاهر بشأنها قادر على إيصال الرسائل بشكل أجدى وأكثر فعالية وإن التوسع في مناقشة هذه القضايا على أوسع نطاق وبمشاركة عدة توجهات يتبعها خبراء قادرون على عرض حلول وبدائل وإعلاميين قادرين على انتخاب أفضل البدائل وإثارة النقاش حولها مع صناع القرار قادر على صياغة رأي عام".

إن إيمان المحتجين بأن الرسائل السلمية لا تصل ولا تناقش بجدية ولا تتحول إلى قضايا رأي عام يدفعهم إلى درجات قصوى من الاحتجاج والاستفزاز.
تصميم وتطوير