الوراثة آخر المتهمين في "متلازمة داون"

25.02.2016 10:09 AM

وطن- خنساء الزبير: تعرف أحياناً بـ«تثلث الصبغي 21»، ويعود الاسم إلى أول طبيب تعرف إلى تلك الحالة، وهو الطبيب البريطاني «جون لانغدون داون»، وهي حالة تحدث بسبب خلل جيني يؤدي إلى اضطراب بالتطور العقلي والمظهر الخارجي للطفل، ويختلف شكل الطفل الخارجي والمشاكل الصحية المرتبطة بالحالة من طفل لآخر، فبعض الأطفال من تلك الفئة يحتاجون إلى رعاية صحية مستمرة، فيما يتمتع بعضهم الآخر بصحة جيدة.

يرث الطفل في الحالة الطبيعية 46 صبغياً، والصبغي بنية خيطية من الأحماض النووية والبروتين الموجود في نواة معظم الخلايا الحية، حيث تحمل معلومات وراثية في شكل الجينات، وتأتي للجنين 23 من تلك الصبغيات من الأم و23 من الأب، أما في حالة الطفل من فئة متلازمة داون، فيوجد لديه كروموسوم زائد - أي مجموعها 47 بدلاً عن 46 -، وبالتالي تصبح لديه مواد جينية زائدة، وهي التي تعطي للطفل المظهر الخارجي والتأخر النمائي، حيث يرتبطان بالمتلازمة ولم يتوصل العلماء حتى الآن إلى الأسباب وراء الإصابة بالمتلازمة، وبالتالي لم يتوصلوا بعد إلى طرق يمكن من خلالها الوقاية من التعرض إلى حدوث الخلل الجيني، ولكن اتضح جلياً وجود ارتباط بين ولادة طفل من تلك الفئة وبين عمر الأم، حيث وجدوا أن المرأة في عمر الـ35 عاماً فما فوق تكون أكثر عرضة لإنجاب طفل لديه المتلازمة، فعلى سبيل المثال المرأة في عمر الـ30 عاماً تكون لديها احتمالية 1 من 1000 في إنجاب طفل مصاب بالمتلازمة، وتزيد الاحتمالية لتكون 1 من 400 عندما تبلغ المرأة عمر الـ 35، أما في عمر 40 فإن الاحتمالية تزيد لتكون 1 من 100، وفيما يتعلق بالناحية الوراثية فالأمر لا يثير القلق، فإن كان أحد أفراد العائلة قد أصيب بالحالة فليس بالضرورة إنجاب أطفال يعانون الحالة نفسها، حيث يعتقد العلماء أن نسبة 5% فقط ربما يكونون ورثوا الحالة من آباء أصحاء، أما نسبة 95% من حالات المتلازمة تحدث عشوائياً نتيجة مشكلة تحدث أثناء إنتاج البويضة لدى الأم أو الحيوان المنوي لدى الأب، فلا يوجد أي تدخل لجينات الأم أو الأب أو لصفاتهما الجسدية في إصابة الطفل بالحالة، وفي الأغلب لا يحمل الوالدان لصفة ذلك التشوه الجيني دون أن يصابا أنفسهما بالحالة، وفي حالات نادرة تنتقل الجينات - التي تجعل الطفل عرضة للحالة - من الأجداد، ولكن لا توجد أدلة قاطعة، وعموماً فإن هنالك بعض الفحوص الدقيقة التي تكشف عما إذا كان الشخص يحمل عامل الإصابة بالمتلازمة في الحمض النووي لديه أم لا.

توجد بعض الصفات الجسدية الظاهرة المشتركة بين أطفال فئة متلازمة داون، مثل تسطح خلفية الرأس، وميل العينين إلى أعلى، وصغر حجم الأذنين، وكبر حجم اللسان (عرضه لا يتناسب مع الفم)، إضافة إلى ضعف العضلات الذي يظهر بوضوح لدى الأطفال في سن صغيرة، ولكنها حالة تتحسن مع الوقت، وتحدث تأخراً في الجلوس والحبو والمشي فقط لدى الطفل مقارنة بأقرانه من العمر نفسه، ويولد الطفل بحجم متوسط، ولكن معدل النمو يكون بطيئاً بالنسبة إلى عمره، وربما يعود السبب إلى ضعف العضلات الذي يؤثر في مقدرته على الرضاعة بصورة جيدة، وكذلك المشاكل الصحية المتعلقة بعملية الهضم لديه مثل الإمساك وغيره، ويعاني الطفل أيضاً من تأخر الكلام والقيام بالعناية الذاتية مثل تناول الطعام، وارتداء الملابس بمفرده، واستخدام المرحاض، وعموماً يعاني الطفل مشاكل في التعلم، ولكن يمكن تعليمه المهارات المختلفة التي يختلف معدل التطور بها من طفل لآخر، لذلك يصعب مقارنة طفل لديه متلازمة داون بطفل آخر سليم أو حتى من الفئة نفسها، حيث إن المقدرات التعلمية والاستيعابية تختلف من طفل لآخر من أولئك الأطفال.

يستخدم نوعان من طرق الفحص للكشف عن متلازمة داون لدى الجنين، أحدهما استنتاج ما إذا كان الجنين معرضاً للإصابة بمتلازمة داون، وهو فحص زهيد التكلفة وسهل الإجراء، ولكنه لا يعطي إجابة قاطعة، ويجرى ليساعد الأبوين على اتخاذ القرار بشأن إجراء فحوص أخرى أكثر دقة، أما الفحص الآخر فهو فحص تشخيصي يعطي نتائج دقيقة بنسبة 99% ليبين ما إذا كان الجنين قد أصيب بالمتلازمة أو بإحدى الحالات الأخرى المرتبطة بخلل الكروموسومات، وتكمن خطورة هذه النوعية من الفحوص في تعريض الأم للإجهاض أو أحد المضاعفات الأخرى، لأن الفحص يجرى داخل الرحم، لذلك تتم تلك الفحوص عند الضرورة كأن تكون المرأة في عمر 35 عاماً فما فوق، مع وجود تاريخ عائلي للخلل الجيني أو لمن كانت نتائج الفحوص الأولية لهن غير طبيعية.

ينصح المختصون ذوي الأطفال من فئة متلازمة داون، بتكوين روابط اجتماعية مع بعضهم بعضاً لتبادل الخبرات والتجارب، والتفاهم حول وضع الأطفال، الأمر الذي يساعدهم في اجتياز مرحلة التفكير في أسباب المرض والخوف على مستقبل أبنائهم، إلى مرحلة التفكير في كيفية تنمية مهاراتهم الذاتية، وإعدادهم حتى يتمكنوا من الاستقلالية ولو بشكل جزئي، ويوصي المختصون كذلك بإلحاق الأطفال من تلك الفئة بمراكز خدمات التدخل المبكر في أسرع وقت ممكن، حيث تقدم لهم الخدمات المناسبة في مجال تنمية المهارات الجسدية، وعلاجات المهارات الوظيفية، والنطق والكلام، إضافة إلى تنمية المهارات التعليمية (محاولة التعلم) في مرحلة مبكرة من عمر الطفل، ورغم أن إلحاق الطفل من تلك الفئة بالمدارس العادية، يعد أمراً في غاية الصعوبة، إلا أن بعض الدراسات تقول إن وجوده وسط أقرانه من الأطفال الذين لا يعانون تلك الحالة - مثل مدارس الدمج - يفيدهما معاً الطفل المصاب والسليم، وفي الآونة الأخيرة أصبح الكثير من الأطفال من فئة متلازمة داون يدرسون بمدارس الدمج، ويمارسون الأنشطة المختلفة مثل كثير من أقرانهم، وبعضهم استقل جزئياً بحياته، ورغم بقاء أطفال بمنازلهم إلا أنهم تمكنوا من القيام بمهام وظيفية تتناسب وإمكاناتهم، مما ساعدهم على الانخراط في المجتمع دون معاناة كبرى تواجههم.

يعد الطفل من فئة متلازمة داون منذ التعرف إلى المرض وحتى عهد قريب، أن حالته غير قابلة للشفاء، ولكن في السنوات القليلة الماضية كشــــفت مختـــبرات عدة عن دواء فعال يستهدف المسارات الكيميائية داخل الدماغ لدى الشخص المصاب فــــــي محاولة لإعادتها إلى طبيعتها، واثنتان على الأقل من التجارب السريرية الـــــجارية تبحث في تأثير الدواء على الأشخاص من تلك الفئة، كما تم التوصل إلى فاعلية أخرى لذلك الدواء وهي احتمالية مقدرته على تصحيح عجز التعلم والذاكرة بالدماغ.

تمكنت الأبحاث من خلال التجارب على الفئران، من تعديل حجم المخيخ لدى الفئران التي تم تعديل أدمغتها بحيث تكون مصابة بمتلازمة داون، وذلك من خلال حقن تلك الفئران بمادة كيميائية تحفز مسار النمو العصبي المهم والذي ينسق نمو المخيخ، ويوجد المخيخ بقاعدة الدماغ، وهو الجزء المسؤول عن الوظائف الحركية، والتعلم الحركي، والتوازن، وفي حالة الأشخاص المصابين بمتلازمة داون فإن حجم تلك المنطقة من الدماغ يصغر عن الحجم الطبيعي بنسبة 40%، وباستعادة الحجم إلى طبيعته يأمل الباحثون في أن يكون ذلك خطوة في كشف الطرق التنموية التي تحدث داخل الأشخاص من تلك الفئة والتي تؤدي إلى إحداث التشوهات الدماغية لديهم.

مشكلات صحية

يعاني معظم الأطفال من فئة متلازمة داون مشاكل خلقية بالقلب مثل حالة ثقب القلب وغيرها من الحالات غير الطبيعية ببنية القلب والتي يولد بها كثير من الأطفال، كما أنهم معرضون للإصابة بارتفاع ضغط الدم الرئوي الذي يتسبب في كثير من الأحيان بتلف دائم بالرئتين، لذلك يجب عرض الطفل من فئة متلازمة داون على الطبيب لفحصه؛ كما أن هنالك احتمالية بالإصابة ببعض المشاكل السمعية نتيجة احتباس السوائل بالأذن الداخلية أو بسبب بنية الأذن نفسها، وكذلك ربما يتعرض الطفل إلى مشاكل بصرية مثل الحول، أو قصر النظر، أو طول النظر، واحتمالية كبيرة للإصابة بـ«إعتام عدسة العين»؛ ويحتاج الطفل أيضاً إلى فحص حالة الأذن والأنف والحنجرة من قبل طبيب متخصص، وفحص من قبل مختص السمعيات بالإضافة إلى فحص النظر، حتى للكشف عن المشاكل التي يعاني منها الطفل والتدخل المناسب لعلاجها أو السيطرة عليها حتى لا يؤثر ذلك في مهاراته اللغوية والتعلمية؛ ويتعرض الأطفال من تلك الفئة إلى بعض الحالات الصحية المتكررة مثل مشاكل الغدة الدرقية، والمعدة والأمعاء، وصعوبات بالتنفس مثل حالة الشخير وانقطاع التنفس أثناء النوم أو الربو، كما يكون الطفل كذلك عرضة للبدانة، والالتهابات، وسرطان الدم الطفولي؛ و تجدر الإشارة هنا إلى أن الطفل ربما تكون لديه مشكلات بالعمود الفقري العلوي لذلك يجب تقييم حالته قبل مشاركته في الأنشطة الرياضية أو البدنية عموماً، ومن الجيد أن معظم هذه الحالات قابلة للعلاج.

 

تصميم وتطوير