رفعت الصباح لوطن: التعليم في غزة يتعرض لإبادة جماعية والمبادرات المجتمعية أصبحت ضرورة لمواجهة الكارثة
رام الله – وطن: في الوقت الذي يستعد فيه آلاف الطلبة في الضفة الغربية لاستقبال العام الدراسي الجديد غدا الاثنين، يعيش طلبة قطاع غزة واقعاً مختلفاً تماماً، حيث يُحرمون من الانخراط في العملية التعليمية بفعل استمرار الحرب وتدمير البنية التحتية التعليمية.
ضربت الحرب مقومات التعليم بشكل شبه كامل، مما دفع نحو تفعيل مبادرات التعليم الشعبي كبديل ضروري يساهم في تقديم الدعم التعليمي، رغم ما تواجهه هذه المبادرات من تحديات كبرى.
وقال مدير عام مركز إبداع المعلم وعضو اللجنة التنسيقية العليا في اليونسكو، رفعت الصباح، ان المنظومة التعليمية في قطاع غزة تعرضت لتدمير شبه كلي نتيجة الحرب.
وأكد الصباح في حديثه لبرنامج "شد حيلك يا وطن" ضمن موجة "غزة الصامدة، غزة الأمل" عبر شبكة وطن، ان نحو 85% من المدارس والمباني التعليمية في قطاع غزة تعرضت للتدمير، مع استشهاد آلاف الطلاب والمعلمين، في حين يعاني الأهالي من ضغوط نفسية واجتماعية هائلة، مما يجعل استئناف العملية التعليمية بشكل طبيعي شبه مستحيل.
وأوضح أن القصف المتكرر خلال الأسابيع الأخيرة دمر العديد من تلك المبادرات، مما أدى إلى استشهاد بعض أفراد طواقمها، وتوقف عدد كبير من الأنشطة التعليمية التي كانت تقام في مراكز الإيواء.
وأضاف الصباح انه مع توقف المنظومة التعليمية الرسمية، لجأ المجتمع في غزة إلى التعليم الشعبي كمحاولة لاستمرار التعليم في ظل الظروف الصعبة، وإطلاق المبادرات، التي تعتمد على الجهود المجتمعية والمدنية، وتشكل اليوم رافداً تعليمياً هاماً.
وتابع "رغم أن هذه المبادرات لم تحظَ بالدعم الكافي، فإن هناك دعوات متزايدة للاعتراف بها رسمياً، وتسجيل الطلبة المنتظمين ضمن هذه الأنشطة حتى لا يفقدوا عاماً دراسياً كاملاً".
وأفاد الصباح بأن وزارة التربية والتعليم بدأت في التعاون مع المؤسسات المجتمعية لإعادة تأطير هذه المبادرات وفتح باب التسجيل للطلاب رسمياً، بهدف الحفاظ على التحصيل الدراسي.
ولفت الصباح ان الخطة تتضمن دمج الصفوف مع بعضها، وتلقين المهارات اللازمة لتعويض الطلاب عمّا فقدوه، خاصة في الصفوف الثانوية، مشيرا ان الوزارة تعمل حالياً على إيجاد آلية تتيح لطلاب قطاع غزة التقدم لامتحان الثانوية العامة رغم الظروف الصعبة.
وتزامن الوضع الصعب في قطاع غزة مع الاحتفال باليوم العالمي لحماية التعليم من الهجمات، والذي يُعدّ تذكيراً بحق التعليم كحق أساسي من حقوق الإنسان، وفي هذا السياق، أكد الصباح أن ما يجري في غزة والضفة الغربية يمثل امتحاناً لقدرة المجتمع الدولي والمؤسسات الأممية مثل اليونسكو واليونيسف على حماية التعليم في مناطق الصراع.
وأشار الصباح إلى أن استهداف البنية التحتية التعليمية في غزة لا يمثل مجرد تدمير المباني، بل هو جزء من عملية "إبادة جماعية" تهدف إلى شلّ كل إمكانية لاستمرار التعليم.
ولفت أن الهجمات على التعليم في الضفة الغربية تتم بطرق مختلفة، مثل الاجتياحات والاقتحامات وإغلاق الطرق، مما يجعل انتظام العملية التعليمية أمراً صعباً للغاية.
وأشار الصباح إلى أن الهجمات المتكررة على المدارس والمبادرات التعليمية لم تؤثر فقط على البنية التحتية، بل تركت أيضاً تأثيرات نفسية عميقة على الطلاب والأهالي، مشيرا ان الأبحاث تشير إلى وجود علاقة وثيقة بين الاضطرابات النفسية الناتجة عن الحرب، مثل الاكتئاب والقلق، وصعوبة التعلم، موضحاً أن هذه الآثار النفسية قد تستمر لسنوات، مما يجعل التدخل العاجل ضرورياً لمساعدة الطلاب على التعافي وإعادة التأقلم مع التعليم.
وأكد أن استهداف إنسانية الناس وتقليل قيمة الفرد الفلسطيني يؤثر بشكل مباشر على ثقة الناس في المؤسسات الدولية، التي يُفترض بها حماية حقوق الإنسان، وان الأموال الضخمة التي استثمرت لتعزيز المواطنة العالمية والتسامح قد ضُربت في قطاع غزة، مما يخلق حالة من الإحباط والتوتر بين الشعوب العربية.
ودعا الصباح إلى ضرورة التنسيق بين وزارة التربية والتعليم والمؤسسات المجتمعية لتقديم خطة طوارئ تعليمية شاملة، تتطلب الظروف المتقلبة في فلسطين، ووضع خطط بديلة وسريعة للتعامل مع الأزمات التعليمية، سواء في غزة أو الضفة الغربية، واستلهام نماذج التعليم الشعبي التي استخدمت في الانتفاضات السابقة، والبحث عن أدوات جديدة للتعليم في ظل الظروف الصعبة.
وشدد الصباح على ضرورة تقديم الدعم لهذه المبادرات ومنحها القوة اللازمة لاستمرار العملية التعليمية، مشيرا ان تجربة غزة أثبتت أن المجتمعات المحلية قادرة على تحمل المسؤولية وتقديم الحلول في ظل غياب الدعم الرسمي، ولكن من الضروري تعزيز هذا الجهد لضمان مستقبل تعليمي أفضل للطلاب الفلسطينيين.