طلبة مدارس في غزة يطوّعون الذكاء الاصطناعي في مشاريع حياتية

19.11.2022 05:29 PM

وطن- آلاء المقيد: لم يعد غريبًا أن تسمع عن نجاحات وابتكارات تكنولوجية لطلبة المراحل الدراسية المختلفة في قطاع غزة؛ فمنذ سنوات صار "الذكاء الاصطناعي" بيئة تعليمية مريحة وجاذبة لأولئك الذين يملكون ميولًا تقنية وحبًا للاختراعات منذ صغرهم.

ومع التطور التكنولوجي المتسارع، والحلول التي تُقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي لروادها التي كان يُعتقد بأنها مستحيلة، فُتحت الآفاق أمام اليافعين في غزة للتفكير خارج الصندوق، والإجابة عن تساؤلات كثيرة وذلك بابتكارات تخدم البيئة، والصحة، والإنسان، وتمضي في طريقها إلى الحضور العالمي.

وكغيرها من المشاريع التي تشقّ طريقها في القطاع المحاصر منذ ما يزيد على 16 عامًا، تواجه ابتكارات الطلبة معيقاتٍ كثيرة، أبرزها عدم توفر المستلزمات المطلوبة، وارتفاع ثمن بعضها، ما يدفعهم إلى اللجوء لبدائل أقل كفاءة.

"روبوت زرع البذور الذكي"

في زيارة إلى الأراضي الحدودية شرق قطاع غزة، تحسّس الشقيقان ملك وإبراهيم أبو الروس معاناة المزارعين الفلسطينيين، وشغل تفكيرهما البحث عن طريقة تساهم في إنهاء هذه المعاناة وحمايتهم من خطر الاستهداف الإسرائيلي المتكرر لأراضيهم الواقعة بمحاذاة السياج الأمني.

اهتدت ملك (15 عامًا)، وإبراهيم (13 عامًا) من خانيونس جنوب قطاع غزة، إلى ابتكار روبوت "زرع البذور الذكي"، الذي يوفر الوقت والجهد للمزارع، ويضمن إنتاج محصول أفضل؛ نظرًا لمراعاته جميع مقومات الزراعة كوصول الشمس والتهوية، والمسافة بين البذرة والأخرى.

وتوضح ملك لـ "آفاق البيئة والتنمية" أن حب التحدي وعدم القبول بــ "العيش تحت الضغط" دون إيجاد الحلول المناسبة، دفعهما للبحث والتفكير، إلى أن توصلّا أخيرًا إلى "روبوت زرع البذور الذكي".
وتُخبرنا عنه أكثر: "فكّرنا بالظروف غير الآمنة التي يعيشها المزارعون، وعند بحثنا عن الحل وجدنا أن هذا الروبوت يُمكن أن يساعدهم على توفير الوقت والجهد، فضلًا عن حمايتهم من مخاطر العمل في أراضيهم القريبة من المناطق الحدودية".
واستغرقت عملية صناعة الروبوت نحو ثلاثة شهور من الشقيقين، وشهرًا إضافيًا للتجربة العملية؛ للتأكد من قدرته على القيام بالمهام المطلوبة منه على أكمل وجه، وذلك بإشراف والدهما المهندس سعيد أبو الروس.

وعن آلية عمل الروبوت، تحكي لنا أنه يُنفّذ وظائفه بواسطة تطبيق على الهاتف النقال، ويعمل بواسطة الإنترنت أو تقنية "البلوتوث".
ويتلّقى الروبوت التعليمات من التطبيق، ليبدأ بعدها تنفيذ مهامه، فتتم الحراثة بمقدمة الحفر المثبتة في مقدمة الروبوت، بعدها تُنزل البذور بواسطة "مَحقن" مثبت أعلاه، ومحرك "سيرفولي" للتحكم في الإغلاق والفتح، ومسطرة في الخلف لردم التراب، وحساس قياس (ألتراساوند) مهمته توقيف الجهاز في حال ظهور عائق.

وتنوّه ضيفتنا إلى أنهما زودا الروبوت ببطارية ولوحة طاقة شمسية، تسمح له بالعمل المتواصل لـثماني ساعات نهارًا، ومن أربع لـست ساعات ليلًا، مؤكدةً أن التجارب التي أجروها في حديقة المنزل وأراضٍ زراعية حققت نجاحًا دقيقًا.
وفازت ملك وأخوها إبراهيم بالجائزة الكبرى في مسابقة "الأولمبياد الوطني للبرمجة والذكاء الاصطناعي" لعام 2022، والذي يُقام في غزة.

وفي سؤالنا عن سرّ إبداعهما؟ تُجيب ملك بنبرة ثقة ممزوجة بالامتنان: "عشنا برفقة والدي الخبير بعلم الروبوتات، وكبرنا ونحن نرى العديد منها تتحرك بجانبنا وفي منزلنا (..) كنا نعتقد أنها ألعاب، لكنّها تُنفذ الأوامر التي نطلبها منها بدقة دون أخطاء، تطوّر الحبّ داخلنا شيئًا فشيئًا، حتى أصبحنا تلاميذه".
ولا تنسى فضل والدتها، التي تُقدم لهما الدعم النفسي باستمرار، وتساعدهما في إدارة وتنظيم الوقت، والتنسيق بين الدراسة والهواية، وصولاً إلى تحقيق الإنجازات المتتالية.
ويتطلع ملك وإبراهيم لدراسة الهندسة مستقبلًا، على أمل أن يحققا إنجازات أخرى تتصل بصناعة روبوتات ذكية في جميع المجالات، مثل المجال الطبي، وأن يرفعا اسمَ بلدهما عاليًا على المستويين العربي والدولي.
ماذا عن دور وزارة التعليم؟
يقول عماد لبد مدير دائرة "مصادر التعلّم" في وزارة التربية والتعليم في غزة إن "الاهتمام الرسمي بموضوع الذكاء الاصطناعي ودمجه في الأنشطة اللامنهجية لطلبة المدارس في قطاع غزة ظهر منذ نحو ثلاث سنوات، بينما يستحوذ تصميم الروبوتات على اهتمامنا منذ سنوات طويلة".
ويُضيف لبد لـ "آفاق البيئة والتنمية" أن مبحث التكنولوجيا كان يتناول فكرة الروبوت وأساسياته وبرمجته، ثم تطوّر الأمر وأصبح الذكاء الاصطناعي يُشكّل حضورًا متزايدًا في حياتنا، لذا كان لا بد لنا من خطوة متقدمة في هذا الجانب، تبعًا لحديثه.
وفي هذا الإطار خضع 280 طالبًا وطالبة من جميع محافظات قطاع غزة، لدورة تدريبية العام الماضي، تضمنّت أسس الذكاء الاصطناعي، وكيفية العمل بلغة البايثون (لغة برمجة عالية)، ولغة الآلة، إضافة إلى التعرف على أساليب استثمار الذكاء الاصطناعي لتصنيع الروبوت في مجالات متعددة.

هذا العام أيضًا، اُختير 280 طالبًا جديدًا لتدريبهم في ذات المجال، إذ يلتحقون حاليًا بدوراتٍ مكثفة في 14 مدرسة مركزية بمديريات القطاع، مشيرًا إلى أن الفئة المستهدفة تبدأ من الصف الخامس الابتدائي وحتى الصف الحادي عشر.
ويزيد لبد بقوله: "لم نقف عند هذا الحد، بل ذهبنا إلى تدريب 28 معلمًا على موضوع الذكاء الاصطناعي والبرمجيات المرتبطة به، لكن بمستوياتٍ متطورة؛ ليكون لديهم الكفاءة الكافية لإعطاء أفضل ما لديهم للطلبة".

ومع اهتمام وزارته الذي وصفه بأنه "متزايد" بموضوع الذكاء الاصطناعي، تطوّر العمل إلى أن وصل أخيرًا لتنظيم "المسابقة الوطنية للأولمبياد العالمي للروبوت" في مجال "مبدعي المستقبل".

ويُشير إلى أن الوزارة تلّقت أعمالًا متعددة من جميع مديريات التعليم في القطاع (مدارس حكومية وخاصة)، وكانت تخدم مجالاتٍ حياتية مختلفة أبرزها المنزل، والصحة، والإنقاذ، والمجال البيئي.
عُقدت المسابقة في أغسطس/ آب المنصرم، بإشراف وتنفيذ وزارة التعليم واحتضان منظمة "اليونسكو" الدولية، وتأّهل لها سبعة مشاريع رائدة ومميزة - تبعًا لعماد لبد - وكانت فكرتها قائمة على فريق مكوّن من طلبة، ومشرف أيًا كانت صفته (معلّم، أب، مهندس خارجي، إلخ).

ويُقدم المشرف في فترة التدريب، النصائح والإرشادات المطلوبة التي تضمن الوصول إلى ابتكار مرتبط بالذكاء الاصطناعي، والروبوت بمستويات عالية.

وفاز في المسابقة الشقيقان إبراهيم وملك أبو الروس، وجاء فوزهما بعد تصميمهما لـ "روبوت الحديقة المنزلية الذكي"
ويلفت لبد إلى أن العمل الفائز سيشارك في مسابقة عالمية تُعقد بمدينة دورتموند الألمانية في الفترة بين (17 - 21 نوفمبر).
هذا الحضور لفلسطين في مسابقةٍ عالمية يراه لبد "ثمرة الجهد الذي تبذله الوزارة ومن خلفها المدارس والمعلمون والأهالي مع الطلبة الذين يملكون اهتمامات تكنولوجية وميولًا للبرمجيات وتركيب الروبوت".

وبحسب عماد لبد، فإن وزارة التعليم تسعى هذا العام لإنشاء "حاضنات تكنولوجية" تضمّ الطلبة المتميزين في مدارسها؛ لاستثارة طاقاتهم بواسطة المناهج، والمعارض، والمسابقات والمشاريع العلمية.
وفي ضوء ذلك، تأمل الوزارة أن "تُصبح هذه الأنشطة ممتدة، بحيث لا ينقطع الطالب عند مستويات معينة، ولنجد كذلك في جامعاتنا مجالات تعليمية ذات ارتباط وثيق بالذكاء الاصطناعي وعلوم الروبوت" بهذا يختم حديثه.

فارز النفايات الذكي
وفي إنجازٍ آخر تمكنت ثلاث طالبات من مدرسة الفالوجا الثانوية للبنات شمال قطاع غزة، وهنّ تالا عزيز، وسجى القانوع، ورؤى أبو داير، من ابتكار روبوت "فارز النفايات الذكي" الذي يُعد صديقًا للبيئة.
التقت مراسلة "آفاق البيئة والتنمية" بأعضاء الفريق، للحديث أكثر عن مشروعهن وأهدافه، والمشكلة المراد حلّها بواسطة هذا الروبوت.

وتتمثل المشكلة التي يسعى الروبوت لحلّها في تجمع النفايات بأماكن متفرقة، ما يُسبب تلوثًا لكل المحيطين بالمكان، إضافة لما يُعرف بظاهرة "النبّاشين" وهم أشخاص يجمعون النفايات البلاستيكية والمعدنية، وفق ما تورده لنا مشرفة المشروع ومعلّمة التكنولوجيا في مدرسة الفالوجا عزّة مشتهى.

وتتحدث مشتهى عن أبرز ما يُميز المشروع قائلةً: "هذا الروبوت سيُمكننا من فرز النفايات البلاستيكية والورقية باستخدام الذكاء الاصطناعي تمهيدًا لإعادة تدويرها"، مشيرةً إلى رخص ثمنه؛ فهو لا يحتاج لمجسّات تكاليفها المادية باهظة.
وتؤكد أن فرز أنواع مختلفة من النفايات بنجاح، أحد أصعب المشكلات التي تواجهها مَرافق إعادة التدوير، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي مثاليًا؛ لإحداث فرق كبير في فترة زمنية قصيرة.

وبدأ الفريق العمل والبحث المعمق في نوفمبر/ تشرين ثاني 2021 واستمر لأربعة شهور، وواجهن في هذه الفترة صعوبات كثيرة، أبرزها شحّ المعلومات، والأدوات اللازمة لنجاح الروبوت في مَهمته، لكن الإصرار على الإنجاز كان خيارهن الأوحد.
ويكشف الروبوت عبر كاميرا مثبتة فيه، نوعية المادة الملقاة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، إذ يستطيع تصويرها، ثم تصنيفها إما ورقية أو بلاستيكية، ووضعها في المكان المخصص لها.

ميول منذ الطفولة
عند استماعنا للطالبات الثلاث، وجدنا أن فضول البحث عن حلولٍ لمشكلات معقدة أو بسيطة في الحياة كان متقدًا لديهن منذ الصغر، ليُصبح لاحقًا نقطة التقاء جمعتهن في "نادي التكنولوجيا" بالمدرسة.
ووفقًا لحديثهن، فإن ميولهن نحو البرمجة وعوالم الروبوت بدا واضحًا منذ المرحلة الابتدائية، لكنّه لم يحظَ بالاهتمام الكافي، ومع الوقت ومع التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم، أصبحت الأنشطة اللامنهجية تدخل تدريجيًا إلى النظام التعليمي، ما أتاح لهن فرصة ذهبية للبحث عن شغفهن.

ويُجمعنّ أن التنشئة في المنزل، ومن ثم البيئة التعليمية التي يعيش فيها الطالب مع معلميه، تؤثر على طريقة تفكيره وتعاطيه مع الأمور تأثيرًا غير عادي، قائلات: "تلقينا الدعم المطلوب من أسرنا أولًا، ثم من معلمة التكنولوجيا".
ويُعبّرن عن آمالهن بأن يُطوّر مشروعهن ليشمل جميع أنواع النفايات، وأن يصل لمرحلةٍ تُحوّل فيه النفايات إلى سماد يستفيد منه المواطن".

وتُقدر كمية النفايات الناتجة في قطاع غزة يوميًّا قرابة ثلاثة آلاف طن، في حين أن نسبة النفايات التي يمكن إعادة تدويرها نحو 70% مـن إجمالي نفايات القطاع.

من ناحيته يقول أحمد الزيان مشرف المختبرات العلمية في مديرية شمال غزة، وعضو اللجنة الوزارية للذكاء الاصطناعي، إن مشروع "فارز النفايات" ثمرة من ثمرات البرنامج التدريبي للروبوت والذكاء الاصطناعي، المنعقد العام الماضي.
ويشير الزيان لـ "آفاق البيئة والتنمية" إلى أن الوزارة تكتشف كل عام طاقات إبداعية مميزة لدى الطلبة، وهذا ما يدفعها لتطوير البرامج والأنشطة والمشاريع العلمية المتصلة بالمجالات التكنولوجية.

برزت في السنوات الأخيرة العديد من النجاحات والابتكارات التكنولوجية لطلبة المراحل الدراسية المختلفة في قطاع غزة؛ فمنذ سنوات صار "الذكاء الاصطناعي" بيئة تعليمية مريحة وجاذبة لأولئك الذين يملكون ميولًا تقنية وحبًا للاختراعات منذ صغرهم.
ومع التطور التكنولوجي المتسارع، والحلول التي تُقدمها تقنيات الذكاء الاصطناعي لروادها التي كان يُعتقد بأنها مستحيلة، فُتحت الآفاق أمام اليافعين في غزة للتفكير خارج الصندوق، والإجابة عن تساؤلات كثيرة وذلك بابتكاراتٍ تخدم في مجملها البيئة، والصحة، والإنسان.
وكغيرها من المشاريع التي تشقّ طريقها في القطاع المحاصر منذ ما يزيد على 16 عامًا، تواجه ابتكارات الطلبة معيقاتٍ كثيرة، أبرزها عدم توفر المستلزمات المطلوبة، وارتفاع ثمن بعضها، ما يدفعهم إلى اللجوء لبدائل أقل كفاءة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير