"مقاولو الموت" في قرى غرب رام الله مستمرون في تهريب نفايات الاحتلال

27.05.2022 01:40 PM

وطن- وفاء صالح: يظن الزائر لــ "قرى غرب رام الله" أنه سيستنشق نسيم البحر العليل، لِكون هذه المنطقة تعد الأقرب للساحل الفلسطيني، حيث البحر الذي حُرمت أجيال متعاقبة من الاستمتاع بجماله وهوائه، وفي حقيقة الأمر أن المرء كلما اقترب أكثر هبَّت روائح مكبات النفايات التي تنتشر في المنطقة بكثافة كبيرة.

لم يكتفِ الاحتلال بحرمان الفلسطينيين من نسيم بحرهم، بل سعى أيضًا على مدار سنوات إلى تحويل الضفة الغربية إلى مكب نفايات، مستغلاً غياب السلطة الفلسطينية في القرى التي يصنفها "ج" وعجزها عن فرض السيطرة الأمنية عليها، وضعف نفوس بعض الأشخاص وانتمائهم الوطني، ممن يلهثون خلف مكاسب مادية دون الأخذ في الاعتبار المخاطر الجمة لتهريب النفايات من دولة الاحتلال إلى هذه القرى على الصحة العامة والبيئة بكل عناصرها.

ولعل أبرز أنواع النفايات التي يهرّبها هؤلاء الأشخاص من الأراضي المحتلة منذ عام 1948 إلى الضفة الغربية، مخلفات ورش البناء التي تحتوي على عناصر خطرة ومواد سامة جدًا، أُثبت مرارًا ضررها الكبير عبر الدراسات والفحوصات التي أجريت على التربة والمياه في المنطقة، بعد سنوات من تهريب هذه النفايات إليها.

مجلة "آفاق البيئة والتنمية" تلّقت شكاوى وتذمرٍ من العديد من مواطني قرى غرب رام الله، الذين أبدوا شديد استيائهم، وأكدوا تضررهم الكبير من استمرار هذه الظاهرة لسنوات خلت، رغم زعم بعض الجهات المسؤولة بأن هذه الظاهرة قد انتهت!

بلدية نعلين: قضينا على الظاهرة تمامًا
ولمعرفة موقف الجهات المعنية من هذه الشكاوى، تواصلنا مع مجلس بلدي نعلين، البلدة الأكبر من بين قرى غرب رام الله، حيث تنتشر فيها العديد من مكبات النفايات التي تُهرّب من الاحتلال "خاصة في منطقة وادي نعلين".
وبدوره، أكد يوسف الخواجا رئيس بلدية نعلين أن الظاهرة بدأت في قرى غرب رام الله منذ 17 عامًا، وانتهت تمامًا وجذريًا منذ ثلاثة شهور، رابطًا القضاء على هذه الظاهرة بتوليه منصب رئاسة البلدية، ومشيرًا في الوقت نفسه إلى "الجهود الحثيثة التي يبذلها شخصيًا بالشراكة مع رؤساء المجالس القروية في المنطقة من أجل السيطرة عليها".

وقال الخواجا: "تعاونّا مع بعضنا البعض، ومع الشرطة البيئية وسلطة جودة البيئة، من أجل إنهاء الظاهرة وقد انتهت تحديدًا في قرية نعلين، والمدية، وشقبا، وقبيا، وبدرس، وجميعها تقع غرب رام الله.

وأكد خواجا أنه لم يعد أي مقاول في القرى المذكورة يُحضر شحنات من النفايات، مشيرًا إلى أن البلدية تتابع الملف باهتمام، وهناك مراقب على مدخل البلدة يمنع أي شاحنة محملة بالنفايات من الدخول إليها".

بلدية قبيا: الظاهرة انتهت تمامًا

في السياق نفسه، أيَّد رئيس مجلس قروي قبيا، فايز غازي، الخواجا في تأكيده انتهاء الظاهرة تمامًا، لافتًا إلى أن سلطة جودة البيئة لعبت دورًا فعالًا في الأمر، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، إضافة إلى أنه لم يعد هناك مساحة من الأراضي من أجل استيعاب المزيد من النفايات، خاصة أن الأراضي ارتفع سعرها، وظهر ملاّكها سواء كانوا من داخل أم خارج البلد من المغتربين".
وأكد غازي أن الأهالي في القرية لم يعد بإمكانهم الصمت عن المشكلة وثاروا عليها، لأن الوعي أصبح أكبر خاصة مع غياب السيطرة الأمنية الفلسطينية على المنطقة.

وأضاف: "ضُبطت أكثر من شاحنة محملّة بنفايات الورش ومن ثم سُحبت إلى مركز شرطة شقبا، وتُعامل مع ناقليها وفقًا للقانون.

مواطنون: الظاهرة لم تنتهِ

وخلافًا لتأكيدات الخواجا وفايز، قال نادر خواجا، الذي كان يترأس بلدية نعلين في الفترة ما بين ( 2012 – 2017)، إن الظاهرة لا تزال مستمرة، رغم الجهود المبذولة في سبيل إنهائها، موضحًا: "الظاهرة لم تنتهِ تمامًا من المنطقة الغربية، ولكنها قلّت عن السابق".
وواصل حديثه: "في فترة تقلدي منصب رئاسة البلدية كانت هناك محاكم ضد ناقلي هذه النفايات، وقدمنا مخالفين للقضاء، لكن حاليًا الموضوع خارج عن سيطرتنا - "كونه ليس في المجلس"-.

وأضاف: "نحن المواطنين من حقنا العيش في بيئة نظيفة، لكن يا للأسف متابعة هذا الموضوع لا ترقى إلى المستوى المطلوب".
وعزا خواجا سبب استمرار مثل هذه السلوكيات إلى سعي بعض المواطنين إلى الربح والكسب المادي، بغض النظر عن الأضرار التي تخلّفها على البيئة والإنسان.

أطراف تسعى لاستمرارها
على عكس المتوقع، صرَّح د. أيمن أبو ظاهر، مدير دائرة التوعية البيئية في سلطة جودة البيئة، لــ "آفاق البيئة والتنمية"، أن ظاهرة تهريب النفايات الإسرائيلية إلى مناطق الضفة الغربية قائمة ومتجددة، وهناك أطراف تسعى لديمومتها، لما يعود عليها من أرباح.

ولفت أبو ظاهر إلى أن المقاولين الذين يعملون في تهريب هذه النفايات تطلق عليهم جودة البيئة والخبراء البيئيون اسم "مقاولي الموت أو صناع الموت"، وهم منتشرون على طول الخط الغربي لقرى رام الله، المحاذي لما يسمى بالخط الأخضر، معتبرًا أن الوضع الأمني لهذه القرى يساعد على استمرار هذه الظاهرة، ويزيد بالقول: "هذه الآفة تستبيح الأرض الفلسطينية، وتحولّها لمناطق ملوثة بالكثير من السموم".

فيها معادن ثقيلة جدًا
أخذت سلطة جودة البيئة مرارًا عينات من أنواع مختلفة من التربة من هذه القرى، ومن بقايا "الطمم" التي تُحضر، واكتشفت فيها معادن ثقيلة جدًا، أهمها عنصر الكادميوم وعنصر الليثيوم، وهي معادن ثقيلة ومصنفة معادن غير قابلة للتحلل في التربة، أي أنها تبقى فترة طويلة جدًا، وتستكمل دورتها سواء بواسطة التربة أو بالانتقال إلى مصادر المياه أو إلى المحاصيل الزراعية، تبعاً لحديث مدير دائرة التوعية البيئية.

وعن خطورة هذا النوع من الملوثات على صحة الإنسان، قال ظاهر: "فضلًا عن تلويثها التربة ومصادر المياه، قد تنتقل إلى الإنسان عن طريق المحاصيل الزراعية، "عبر الثمار"، وبالتالي تشكل خطرًا كبيرًا على أجهزة الجسم مثل الكلى والكبد، وقد تزيد نسب الأطفال المصابين بالتوحد.

وفي سؤاله عن تاريخ بدء هذه الظاهرة أوضح أنها بدأت عام 2002، في قرية شقبا، عندما هرَّب أحد الأشخاص كميات هائلة جداً من "النيجاتيف" وهي صور الأشعة المستعملة في المشافي الإسرائيلية، من أجل استخلاص الفضة ومعادن أخرى منها بهدف التجارة.
ويستطرد د. أيمن أبو ظاهر في حديثه قائلًا: "وقفنا على هذه الحادثة منذ البدايات، وعدة مرات ألقينا القبض على أشخاص يهرّبون النفايات من دولة الاحتلال وحوّلناهم إلى القضاء، ولا أخفيكِ أن أحد المتورطين حُكم عليه بالسجن ثلاث سنوات بسبب استمراره في هذا النوع من التعديات".

وتطرّق إلى انتعاش العلاقات التجارية والاقتصادية بين التجار الإسرائيليين والتجار والمقاولين في هذه القرى، قائلًا: "بناءً عليها بدأت تزداد هذه النشاطات، وأصبح تهريب النفايات بمثابة سياسة متبعة وممنهجة وتتم بعلم دولة الاحتلال، إذ ترسل الشحنات مع مقاولين إسرائيليين ويستقبلها المقاولون الفلسطينيون، الذين يفرغونها عبر مكبات عشوائية في هذه القرى، مقابل أرباح مادية".
وبدا صريحاً عندما قال: "في السنوات الخمس الأخيرة تفاقمت هذه الظاهرة إلى حد كبير، خاصة مع ازدياد عدد السكان، وازدياد حجم وكمية المخلّفات التي ينتجونها".

ويرى أن الوضع السياسي القائم وانعدام السيطرة الفلسطينية، يجعل الرقابة في هذه المناطق معقدة.

تعاون مع الأجهزة الأمنية
يخبرنا أبو ظاهر عن إجراءات سلطة جودة البيئة من أجل التغلب على المشكلة، بقوله: "لدينا آليات عديدة، وعلى رأسها التعاون مع الأجهزة الأمنية بجميع أفرعها على نطاق واسع من أجل ضبط الظاهرة، ولدينا تفاهمات واتفاقات عديدة مع الأجهزة الأمنية حول هذا الموضوع بالذات".

وأوضح أن هناك تنسيق عالٍ جدًا بين سلطة البيئة واللجان الأمنية مثل شرطة السياحة والآثار التي أصبحت جهازًا تنفيذيًا مثل شرطة البيئة، وبالتعاون مع الضابطة الجمركية على مداخل القرى، إضافة إلى المعلومات التي ترد من الأجهزة الأمنية الأخرى، ومتابعات تجري أيضًا من خلال تعاون المواطنين، ما يعني أن نافذة الشكاوى مفتوحة مع الناس باستمرار، التي تقوم بدورها بتوجيه جودة البيئة عند نقل أي نفايات.

وحسب كلامه، فإن عدد حالات الضبط التي سُجلّت في السنوات الثلاث الأخيرة نحو 150 حالة ضبط، وغالبيتها كانت العام الماضي، الذي تكثّف فيه بوضوح، نقل النفايات الإسرائيلية وتهريبها إلى هذه المناطق.
وفي ختام حديثه أكد أبو ظاهر اهتمام "جودة البيئة" بإنهاء هذه الظاهرة والسيطرة عليها، ومن سبل ذلك تنفيذ حملات التوعية بين الفينة والأخرى، من أجل توعية المواطن بمدى خطورة هذه الظاهرة، وأثرها السام على البيئة والإنسان.

تعد قرى غرب رام الله الأقرب للساحل الفلسطيني، حيث البحر الذي حُرمت أجيال متعاقبة من الاستمتاع بجماله وهوائه، ولعل الزائر لهذه المنطقة يظن أنه سيستنشق نسيم البحر العليل، وفي حقيقة الأمر أنه كلما اقترب أكثر هبّت روائح مكبات النفايات التي تنتشر في المنطقة بكثافة كبيرة.

لم يكتفِ الاحتلال بحرمان الفلسطينيين من نسيم بحرهم، بل سعى أيضًا إلى تحويل الضفة الغربية إلى مكب نفايات، مستغلًا غياب السلطة الفلسطينية في القرى التي يصنفها "ج" وعجزها عن فرض السيطرة الأمنية عليها، وضعف نفوس بعض الأشخاص وانتمائهم الوطني، اللاهثين خلف الكسب المادي دون الأخذ في الاعتبار المخاطر الجمة لتهريب النفايات من دولة الاحتلال إلى هذه القرى على الصحة العامة والبيئة بكل عناصرها.

ولعل أبرز أنواع النفايات التي يهرّبها هؤلاء الأشخاص من الأراضي المحتلة عام 1948 إلى الضفة الغربية، مخلفات ورش البناء، والتي تحوي عناصر خطرة ومواد سامة جدًا، أُثبت مرارًا ضررها الكبير عبر الدراسات والفحوصات التي أُجريت على التربة والمياه في المنطقة، بعد سنوات من تهريب هذه النفايات إليها.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير