اسرائيل تمنع، بشكل منهجي، وصول الفلسطينيين الى اراضيهم خلف الجدار

27.05.2017 06:48 PM

كتبت: عميرة هس

 انتهى الاضراب. ليس الاضراب المشهور للأسرى الفلسطينيين، بل اضراب آخر يتعلق بعشرات آلاف العائلات الفلسطينية، تلك التي تحاصر اراضيها بين جدار الفصل والخط الاخضر – ما يسمى باللغة العسكرية، المنطقة الفاصلة. في نهاية شباط قرر ممثلو لجان الارتباط الفلسطينية في قلقيلية وطولكرم وسلفيت وجنين التوقف عن نقل طلبات المزارعين الفلسطينيين الى الارتباط من اجل الحصول على تصاريح دخول الى اراضيهم (بينما واصلوا تقديم طلبات للحصول على تصاريح عبور اخرى).

الحديث يدور عن اراضي كثيرة، حوالي 137 ألف دونم حسب معطيات الادارة المدنية (94 ألف دونم منها بملكية خاصة). إلا أن الاجراءات الجديدة وتفسير الاجراءات القائمة، قلصت مساحة الاراضي التي يسمح وسيسمح للفلسطينيين بزراعتها. ومنذ نهاية 2016 زادت التقارير حول الصعوبات الجديدة التي تواجه المزارعين لدي قيامهم بطلب تصريح لدخول اراضيهم. وفي تفسيرهم  لخطوتهم الاستثنائية، قال ممثلو لجان الارتباط: "لا نستطيع الموافقة على اجراءات تسهل على اسرائيل السيطرة على آلاف الدونمات، بذريعة أن الاراضي متروكة”.
بعد ثلاثة اشهر لم يستطع المزارعون خلالها تجديد التصاريح، وامام ازدياد التخوف من تلف محاصيلهم، تم طرح هذا الموضوع،  يوم الثلاثاء الماضي، خلال نقاش جرى بين رئيس الادارة المدنية، العقيد أحفات بن حور، ونائب وزير الشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية، أيمن قنديل.
وقد حضر اللقاء ممثلون ومسؤولون من الطرفين، وفهم أحد الفلسطينيين في نهاية اللقاء، بأنه مقابل العودة الفورية للعمل، سيتم تجميد الاجراءات حتى 15 حزيران. وحتى ذلك الحين سيقوم بن حور بفحصها، و(“نأمل خيرا”). في الادارة المدنية لا يتحدثون عن التجميد، وانما عن "اعادة فحص عدة مواضيع تتعلق بأوامر المنطقة الفاصلة".

بدون صدى

هذا الاضراب، بشكل مفاجئ، لم يكن له صدى خارج دائرة المزارعين وعائلاتهم، رغم أنه يتعلق بمصير احتياطي الارض للجمهور الفلسطيني كله. وقد لا يكون هذا الامر مفاجئا، لأنه منذ شهر تشرين الاول 2003 يُمنع الفلسطينيون من حرية الحركة في المنطقة. ففي حينه اصدر الجنرال موشيه كابلنسكي، قائد قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية، أمرا عسكريا يعلن فيه عن اغلاق المنطقة الواقعة غربي مسار الجدار. مواطنو اسرائيل وسكانها ومن لهم الحق في الهجرة الى اسرائيل حسب قانون العودة، والسياح ايضا، يحق لهم الدخول الى المنطقة بحرية. اما الفلسطينيين فيُطلب منهم طلب تصريح بالدخول الى بيوتهم واراضيهم. ودخول الفلسطيني لغير اغراض العمل والسكن، ممنوع هناك. منذ العام 2009 تقوم الادارة المدنية كل بضع سنوات بنشر عدد من الأوامر لإعطاء التصاريح (ليست زراعية فقط) في المنطقة الفاصلة، والتي يتحمل مسؤولية تطبيقها. وفي شباط الماضي نشرت كراسة الأوامر الخامسة. بعض الأوامر ليست جديدة، لكن دمجها مع تلك التي تظهر لأول مرة، ومع التفسير الجديد للأوامر السائدة، جعل جرس التحذير يقرع بقوة.

أحد الأوامر يتعلق بالتقاليد الفلسطينية الخاصة بالفلاحة العائلية الجماعية. ويتبين أن الادارة المدنية لا تعترف بذلك، وتقوم عمليا بفرض تقسيم الارض على السكان بناء على عدد الورثة، حتى لو فضلت العائلات واعتادت على التعاطي مع الارض كقطعة مشتركة. وهكذا، عندما يتعلق الأمر بارض مسجلة على اسم الأب المتوفى أو الجد المتوفى، تفضل العائلات، اذا لم تكن هناك حاجة للبيع، ابقاء الارض كاملة وتدبر الأمر بينها: بعض الأخوة وأولادهم يقومون بفلاحة الارض، آخر يدفع اجرة التراكتور والسائق، وأخرى تساهم في شراء البذور أو أدوات العمل، وآخر يخرج الى السوق ووفقا لذلك يتم تقاسم الغلة. كل عملية رسمية لتقسيم الارض تستغرق وقتا طويلا – يصبح مضاعفا في ظل المنظومة المضاعفة للبيروقراطية الاسرائيلية والبيروقراطية الفلسطينية. كما ان كل تقسيم يكلف المال (رسوم وما اشبه)، ويمكن ان يثير خلافات. لقد تم اقحام أوامر الفصل الاصطناعي، لأول مرة، في كراسة الأوامر الصادرة في العام 2014. وتبين لصحيفة "هآرتس" من خلال الحديث مع المزارعين في نهاية 2016 أن بعض المزارعين عملوا حسب هذه الاوامر. لكنه يتضح ان المستخدمين في لجان الارتباط الفلسطينية لم يدركوا بعد أن هذه أوامر تنذر بالسوء.

لكنه تم اضافة تفسيرات جديدة، غير مكتوبة في كراسة الاوامر الجديدة. ويبدو أنه في النصف الثاني من العام 2016 قرر أحد موظفي دائرة الارتباط والتنسيق الاسرائيلي أن قطعة الارض التي تقل مساحتها عن خمسة دونمات لا تحتاج الى أكثر من شخص واحد لفلاحتها، لذلك تم منح تصريح الدخول لصاحب الارض المسجل، فقط، حتى لو كان مسنا أو مريضا أو لديه وظيفة أخرى ولا يستطيع العمل في الارض. منذ نهاية 2016 زادت التقارير التي تصل الى "هآرتس" حول هذا التفسير، من خلال نشيطات "محسوم ووتش"، و"مركز الدفاع عن الفرد". ومثل أي أمر غير مكتوب، كان يمكن الاعتقاد في البداية أن الحديث يدور عن عدم الفهم أو عن حالات خاصة وموضعية. ولكن الشهادات زادت. وردا على سؤال “هآرتس″، لم تنف المتحدثة بلسان منسق شؤون المناطق أن هذا هو التفسير، وأن موظفي الادارة المدنية يعملون بحسبه.

منذ اصدار كراسة الأوامر في 2014 لم تعد الادارة المدنية تعترف بابن أو زوجة صاحب الارض المسجل وأولادهم كمرتبطين بملكية الأرض. ويحق لهؤلاء الحصول على تصاريح دخول الى اراضيهم “كأجراء” فقط. ويناط عدد "الأجراء" بمساحة الارض (أكثر من خمسة دونمات بالطبع) ونوع المزروعات والموسم. لقد تحول ربط التصاريح بالموسم ونوع المزروعات الى مشكلة ثالثة. فحسب معطيات الادارة المدنية – في نيسان 2016 كان هناك 5.075 تصريح للمزارعين في المنطقة الفاصلة. وفي نيسان هذا العام زادت التصاريح الزراعية الى 5.218 تصريح. يمكن القول إن هذه الزيادة التي تبلغ 143 صاحب ارض، كانت نتيجة لأوامر تقسيم الارض بناء على الورثة. وقد التقت الصحيفة مثلا، مع شخص سجل جزء من الارض بأسماء أولاده، خلافا للتقاليد المعروفة، من اجل ضمان حقهم في الدخول الى الارض. وفي المقابل، حدث تراجع في عدد الحاصلين على تصاريح الدخول "للعمل الزراعي": من 12.282 تصريح في نيسان 2016 الى 9.856 تصريح في نيسان 2017. ويمكن تفسير هذا التراجع الذي يبلغ 2.423 تصريحا، جزئيا، بسبب الاضراب. لكن هذا يتساوق ايضا مع المعلومات التي قدمها المزارعون في نهاية 2016 لصحيفة “هآرتس″ و”محسوم ووتش”. فقد حصل عدد قليل جدا من أبناء العائلات حصلوا على التصاريح كـ “أجراء” لأن شروط الحصول على هذه التصاريح أصبحت صعبة اكثر.

البند الذي ضخم صافرة الانذار ظهر للمرة الاولى في كراسة الاوامر الجديدة. فقد حدد بأن الاراضي التي تبلغ مساحتها أقل من 330 متر مربع لن يحصل صاحبها على تصريح دخول، “لأنه ليست هناك حاجة زراعية مستديمة”. من جهة تلزم الادارة المدنية العائلات على تقسيم الاراضي. ومن جهة اخرى تحدد ان الارض التي تقل مساحتها عن 330 متر مربع "لا تتوفر فيها الحاجة الى الزراعة المستديمة". ما هي السرعة التي ستكتشف العائلات أن لديها مجموعة من قطع الاراضي الصغيرة التي "لا تتوفر فيها الحاجة الى الزراعة المستديمة" بناء على قرار المسؤولين في الادارة المدنية. ولذلك فانهم لا يستحقون الحصول على تصاريح لدخول هذه الاراضي لفلاحتها؟

لهذه الاسباب كلها قرر ممثلو لجان التنسيق والارتباط الفلسطينية الاضراب جزئيا، ومن انتهى تصريحه لن يتمكن من تجديده. يوم السبت الماضي، قبل اللقاء بين رئيس الادارة المدنية ونظيره الفلسطيني، قال مكتب الناطق بلسان منسق اعمال الحكومة في المناطق، لصحيفة "هآرتس" ان العقيد بن حور صادق على استقبال طلبات الجمهور في مكاتب لجنة التنسيق والارتباط الاسرائيلية مباشرة، ولكن ان يكونوا من "المزارعين الذين يملكون خمسة دونمات واكثر" فقط. وقال المحامي علاء محاجنة الذي يمثل عدة مزارعين من قلقيلية، لصحيفة "هآرتس" ان طرح شرط "الخمسة دونمات" هنا ايضا، يدل على ان معيار حجم القسيمة هو الذي اصبح حاسما بشأن اعطاء التصاريح، وليست الملكية.

دور للآخرين

مركز الدفاع عن الفرد يعالج منذ 15 سنة، شكاوى المزارعين الذين لم يحصلوا على تصاريح الدخول الى اراضيهم. وفي أعقاب تدخل المركز (بما في ذلك دعاوى للمحكمة العليا)، كانت الادارة المدنية تتراجع في معظم الاحيان، وتمنح لهم التصاريح. لكن لم يسمع الجميع عن وجود المركز، وعموما لا تتوفر للمركز الموارد الكافية لمتابعة عشرات آلاف الشكاوى، وليس من دوره القيام بمهمات الآخرين.

المحامي الذي قام بتقديم جميع الدعاوى الى المحكمة العليا باسم المركز هو المحامي يادين عيلام. وفي كانون الثاني الماضي بعث برسالة لرئيس الادارة المدنية، العقيد بن حور، تحدث فيها عن المشكلات في مسودة كراسة الأوامر وتفسيراتها. وحذر من وجود "منزلق حاد" يسيء الى اجراءات منح التصاريح وتطبيقها عمليا، خلافا لما وعدت به الدولة المحكمة العليا، بأن يكون الضرر الذي سيصيب المزارعين قليل جدا. وكتب المحامي في التماسه: "يبدو انه بعد اكثر من سبع سنوات، قرر احد ما هنا اعادة قراءة الاوامر وتفسير كل امر فيه بشكل يمس بأكثر ما يمكن بالجمهور المحتاج الى تصاريح الدخول الى المنطقة الفاصلة". وذكر المحامي بشرط "الدونمات الخمس" لإعطاء التصاريح واشار الى المماطلة البيروقراطية المناطة بالحصول على التصاريح وتقديم الالتماسات وايام فلاحة الارض.

حتى المحامي الاسرائيلي يجد صعوبة في فهم الأوامر – كتب عيلم، ولكن ليس قبل ان يذكر بأن الاوامر تنشر باللغة العبرية ولا يمكن للمزارعين قراءتها وفهمها. وتم ارسال نسخة من التماس عيلم الى المسؤولين في مكتب رئيس الادارة المدنية لكنه لم يتلق ردا عليها حتى اليوم.

المحامي علاء محاجنة، الذي يمثل عدد من مزارعي قلقيلية باسم السلطة الفلسطينية، توجه قبل نحو شهر الى قسم الدعاوى في نيابة الدولة وطلب الغاء هذه الاوامر. واعتبر أن أمر الـ 330 متر مربع لا يوجد له أي اساس قانوني وهو مناقض لقوانين الملكية وحق الملكية. وكتب: “يتبين بأن حق الملكية على الارض التي لا تزيد مساحتها عن 330 متر مربع لا يعتبر حق ولا يستحق الدفاع عنه”. وقال في السياق “هذا الامر يخلق نظام ملكية جديد مختلف يسري على مجموعتين قوميتين تخضعان للحكم نفسه، مع كل ما يعنيه ذلك”.

الرد الذي تلقاه المحامي يشبه الرد الذي حصلت عليها “هآرتس″: “بسبب الاعتبارات الامنية الواضحة هناك حاجة الى تقييد حرية الحركة قرب الجدار الامني المتجه الى اسرائيل. الادارة المدنية تهتم بحقوق الملكية للمزارعين الفلسطينيين ووصولهم الى اراضيهم”. كما جاء في الرد الذي تسلمته "هآرتس" ان الاوامر الجديدة تهدف الى توفير افضل رد للسكان الذين يحتاجون لتصاريح دخول الى المنطقة الفاصلة، من خلال الحفاظ على الاحتياجات الأمنية ومنع ظاهرة استغلال التصريح لأغراض سيئة. لا مانع من قيام ابن العائلة بفلاحة عدة قسائم تعود لأقاربه، سواء تواجدوا في الخارج ام من اجل خلق حاجة زراعية من خلال ضم عدة قطع صغيرة. ولكن هذا يحتم على مقدم الطلب اظهر توكيل من اصحاب الأرض".

هناك مئات المزارعين الذين يقفون الآن في الطابور في المكاتب الفلسطينية مع طلبات لتجديد التصاريح كي يتم ايصالها للمسؤولين الاسرائيليين. هل انتهت اسباب الاضراب الاحتجاجي؟ الايام ستجيب على ذلك.

 "هآرتس"

تصميم وتطوير