أراضي زراعية تغرق تحت سيل من المجاري في الشيخ عجلين بغزة

01.10.2016 06:48 AM

غزة- وطن- تقرير: ابتسام مهدي 

يقف إبراهيم أبو مدين(45 عاما) المزارع من سكان منطقة الشيخ عجلين أمام أرضه الزراعية حائرًا – بعد أن غمرت مياه الصرف الصحي جزءًا كبيرًا منها-  كما أصبح متخوفًا على بئر المياه الوحيد الذي يعتمد عليه لري أرضه إذ كان صالحًا أم لا، فكارثة انهيار البركة جعلته يعتقد أن بئره أضحى ملوثاً لا يصلح للاستخدام الآدمي.

أبو مدين يمتلك خمسة دونمات مزروعة بالعنب والتين، تلِفَ بعضها والمتبقي يتلف تدريجيًا، ينظر إليها بحسرة دون أن يمتلك شيئًا فهو لم يستطع أن يوقف زحف التلوث على أرضه، وأضاف :" تم إبلاغنا بأنه سيتم تعوضينا عن التلف الذي حدث ولكن من سيعوضنا تعبنا ويعيد لنا أرضنا، فنحن لا نعلم متى يمكننا الزراعة فيها بحيث تكون قد تخلصت من ملوثات مياه الصرف الصحي".
وبيّن أن الحادث يعتبر الثاني من نوعه بعد أن انهيار حوض تجمع الصرف الصحي القديم إلى الشرق من الحوض الحالي الذي انهار قبل عشرة أعوام، وهو ما تسبب بحدوث أضرار بالغة في المزروعات بالمنطقة.

فقد ازدادت بالفترة الأخيرة الكوارث الصحية والبيئية في  قطاع غزة بفعل انتشار تجمعات برك الصرف الصحي، وأيضاً استمرار وجودها بين تجمعات سكانية ضيقة ما ينتج عن ذلك انتشار الأمراض الجلدية والصدرية وغيرها، نتيجة تجمع الحشرات والبعوض والذباب بشكل كبير.

بدأت المأساة، منذ الأشهر الماضية، حين انهارت إحدى تجمعات الصرف الصحي " المجاري" بمنطقة الشيخ عجلين جنوب غرب مدينة غزة، مما أدى إلى تلوث نسبة كبيرة من الأراضي الزراعية الموجودة بالمنطقة، سيما أن تلك المنطقة هي زراعية من الدرجة الأولى، وتسكنها عائلات تعتمد على الزراعة في حياتهم اليومية.

وفي بيان لها، بينت وزارة الزراعة في بداية حدوث هذا الكارثة وجوب منع المواطنين من استعمال وشرب المياه الموجودة في منطقة الشيخ عجلين غرب مدينة غزة، بسبب انهيار بركة معالجة المياه العادمة في منطقة الشيخ عجلين، والتي تبلغ سعتها 3 مليون متر مكعب، معتبرة أن ما حدث هو كارثة صحية وبيئية.

الزراعة تتحفظ والصحة ترفض التدخل

وقد ذكرت "الزراعة" في نفس البيان أن أضرارًا جسيمة لحقت بأراضي ومحاصيل المزارعين خاصة محصول العنب الذي تشتهر به المنطقة، إضافة إلى أضرار بالمنشآت والمعدات. كما دعت "الزراعة" المواطنين للابتعاد عن خطر التلوث الذي سببته هذه الكارثة، وفي نفس الوقت رفضت التواصل مع معدة هذا التقرير بدعوى أن الموضوع من اختصاص وزارة الصحة.

وزارة الصحة بدورها نفت أن يكون لها أي صلة بالأمر، سيما أن هذه الكارثة لها اختصاصها وهي بلدية غزة ووزارتي البيئة والزراعة وسلطة مياه الساحل.

وفي سياق الكارثة كشف نزار الوحيدي مدير الإدارة العامة للإرشاد في وزارة الزراعة بغزة، عن انهيار برك الصرف الصحي بمنطقة الشيخ عجلين غرب غزة.

وقال الوحيدي في تصريح مكتوب، إن "برك مجاري الشيخ عجلين انهارت؛ ما أدى إلى غرق أكثر من  100 دونم مزروع فيها عنب وفواكه متنوعة، إضافة إلى خسائر أخرى فادحة؛ بعد أن أصبحت المياه تعلو الأرض بحوالي متر ونصف".

وبين الوحيدي أن المياه التي تسربت نحو الأراضي الزراعية هي مياه صرف صحي "غير معالجة"؛ ما يعني أنها أدت إلى تلوث المزروعات كافة"، موضحا ًأن طواقمه متخوّفة من تلوث الخزان الجوفي بهذه المياه العادمة، وتوّقع أن تكون الخسائر في الأشجار والآليات والمحاصيل والأموال كبيرة جداً.

أعمال الصيانة السبب

وأشار من جانبه حاتم الشيخ خليل الناطق باسم بلدية غزة إلى أن حوض المياه المنهار يتسع لنحو20  ألف كوب من المياه العادمة، وكانت تجري عليه أعمال صيانة من قبل مصلحة مياه بلديات الساحل.

وأكد أن البلدية وسلطة مياه الساحل ووزارة البيئة شكلوا لجنة فنية برئاسة وزارة الحكم المحلي من أجل الوقوف على حيثيات وأسباب هذه الحادثة وحصر الأضرار وتحديد المسئوليات والخروج بالتوصيات والإجراءات المطلوبة والكفيلة بعدم تكرار هذه الحوادث الخطيرة.

وأضاف أن وجود هذه الأحواض يعتبر مكرهة صحية في هذا المكان، ولكن  الحصار الإسرائيلي المفروض على غزة منع من نقلها للحدود الشرقية لمخيم البريج رغم أن هناك مشروع موافق عليه من قبل المانحين، ولكنه معلّق كون إسرائيل ترفض إدخال المعدات أو حتى نقلها لأسباب غير معروفة.

وأوضح أنه وبمجرد أن علمت البلدية بما حدث أرسلت طواقمها لشفط المياه وإغلاق الحوض، ولكن كان تدفق المياه العادمة سريعاً وقوياً جدا مما تسبب في عدم القدرة على تقليل الخسائر، منوها إلى أن هناك 10 أحواض في المكان. 

وأكد أن هذا الحادث له تداعياته السلبية على البيئة الفلسطينية بشكل عام وعلى المياه الجوفية بشكل خاص، وسيتم العمل وبشكل سريع على جمع عينات من آبار المياه الزراعية المجاورة لدراسة تأثير ذلك على المياه الجوفية واتخاذ الإجراءات اللازمة.
ولا يقتصر وجود برك الصرف الصحي فقط بمنطقة الشيخ عجلين جنوب غزة، إنما هناك برك في كل مدينة وقرية في قطاع غزة، ففي شمال القطاع تكثر المستنقعات وعلى مساحات واسعة في بلدتي بيت لاهيا وبيت حانون مما يزعج السكان ويؤرق حياتهم، سيما أنها تؤثر على المزارعين بشكل كبير من خلال امتدادها لأراضيهم الزراعية دون إيجاد حلول لذلك.

أحواض المعالجة

بدوره أوضح" د. عبد الفتاح عزيز "  الخبير البيئي أن هناك تواجد  لبرك الصرف الصحي وأحواض المعالجة في معظم مناطق قطاع غزة وهي التي لا تبعد كثيراً عن السكان وتقع بالقرب من المناطق الزراعية.

وذكر: "برك الصرف الصحي تعد سبباً رئيسياً في تلويث المياه الجوفية وتساهم في رداءة المخزون الجوفي المتردي أصلا".
وحذر " عزيز " من انهيار جدران بعض البرك، الأمر الذي ينذر بكوارث بشرية وزراعية وبيئية كما حدث في عام 2007 في بيت لاهيا شمال قطاع غزة، وقبل شهرين في الشيخ عجلين جنوب غزة.

وأشار إلى أن وجود مستنقعات الصرف الصحي بين المناطق الحيوية يؤدي إلى انتشار البعوض واجتذاب العديد من الآفات الحشرية بجانب تسببها بالإصابة بالأمراض، ناهيكم عن الروائح الكريهة الناجمة عن التحلل اللاهوائي والذي يسبب إزعاجاً وتغيراً في المزاج لدى المواطنين.

أما عن الأضرار الزراعية فأكد الخبير البيئي أن وجود أحواض الصرف الصحي يلوث التربة وينقل الأمراض من بكتيريا وفيروسات للمزروعات والأرض، بجانب تدمير المحاصيل الزراعية كالعنب واللوزيات والفواكه والخضراوات، وقد يصل للخزان الجوفي وخاصة أن التربة الرملية راشحة للملوثات في تلك المنطقة.

أسباب الانهيار وتوصيات اللجنة

ومن جانبه أكد زهدي العزيز وكيل مساعد في وزارة الحكم المحلي على موافقة بنك التنمية الألماني "KFW" على إعادة إصلاح ما هدم من الحوض خلال الفترة المقبلة.

وعن أسباب تشكيل اللجنة فبيّن أنها لبحث حيثيات المشكلة، مضيفاً أن اللجنة أصدرت تقريرها في منتصف شهر يونيو حيث أوصت بتشكيل لجنة مشتركة سلمية دائمة ما بين البلدية ومصلحة المياه، مع التوجه المشترك للدول المانحة لإصلاح الأضرار وتطوير المحطة، والتعجيل في إنهاء المحطة المركزية شرق البريج حتى لا تتحول من كونها مؤقتة إلى دائمة ".
وبين أنه تم تحويل أربعة من موظفي البلدية إلى المجلس البلدي لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم كونهم هم السبب الرئيسي في حدوث الكارثة، ونوه إلى أن خطأً بشرياً كان سببًا في حدوث ذلك.

واستطرد: "بسبب حالة الطوارئ الحاصلة كون المحطة تخضع للتصليحات، تم تحويل جميع مياه الصرف الصحي إلى حوضين، وكان من المفترض أن يتم مراقبتهما حتى لا تصل المياه إلى حد يتسبب في حدوث الانهيار، ولكن انشغال العاملين بأمور أخرى تسبب في وصول مياه الصرف الصحي إلى مستوى أدى إلى انهيار السواتر، ومنها انهيار الحوض وفيضان المياه على المزارع ".
وذكر العزيز أن اللجنة الخاصة بأسباب حدوث الانهيار عملت مع لجنة أخرى موازية لتحديد الأضرار الناتجة، وتم تحديد قيمة الخسائر المادية والتوجه إلى برنامج الغذاء العالمي لتعويض المتضررين.

وتابع حديثه:" ولكن البرنامج لا يقوم بصرف تعويضات بشكل مباشر بل يساعد المزارع على إصلاح أرضه كشرط مسبق للتعويض.
وهنا أبدى الكثير ممن تعرضت مزارعهم للمياه أسفهم على هذا القرار، فأغلب المزارعين لا يمتلكون تكلفة إصلاح ما تم تدميره كما لم يتم حتى اليوم الجلوس معهم للتعرف على إمكانية استصلاح أرضهم أو لا.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير