خيار جنين الصعب!

11.06.2016 01:12 PM

وطن- تقرير: عبد الباسط خلف: يتسلح الأربعيني إبراهيم محمود دراغمة بقبعة داكنة، ويغطي يديه بكفوف اصطبغت بلون أخضر، فيما تلاصق أذنه سمّاعة متصلة بمذياع، ويبحث عن ثمار الخيار في حقل بطرف مرج ابن عامر.

يسرد: "قضيت نصف عمري في الخيار، وتنقلت بين طوباس والأغوار وجنين، واليوم أقيمُ في مرج ابن عامر، أنا وعائلتي وجاري. صحيح أن هذا المحصول صعب في قطافه ويقصم الظهر، لكننا نحبه."

تعاون

ويبدأ نهار دراغمة باكرًا، فبعد أن يتطاير الندى يشرع هو وزوجته وابنه شاكر في جمع المحصول الأخضر، فيما يتخصص الصغيران ماهر وحاتم في إحضار الأكياس الفارغة لجمع المحصول، وتزويد العائلة بالماء، وجمع الثمار الكبيرة وفصلها.

يقول: "نعمل على فترتين، تفصلهما استراحة وقت الظهيرة، ونواصل حتى الغروب في أيام اشتداد المحصول، وأحياناً  نشتغل في الحقل 16 ساعة، وما أن نصل البيوت المتنقلة إلا ونأخذ وجبة العشاء، وندخل في غفوة حتى الصباح الباكر من شدة التعب."
والقطاف بالنسبة للفتى شاكر صعب، فهو يحدث غبارًا يتسبب بحكة، ويحتاج إلى وقت طويل في أنحاء الظهر، ويشبه "الدوامة".
يقول دراغمة:" في العادة يطول الموسم لخمسين يومًا وأحيانا شهرين، وينتج الدونم الواحد الناجح  بين 350 و400 صندوقاً. والخيار محصول يحتاج إلى  الماء بكثرة وإلى  الأيدي العاملة الوفيرة."

وبحسب الراوي، فبوسع العامل الواحد، أن يجمع كل يوم بين 15- 17 صندوقًا، ويتقاضى عن كل واحد 10 شواقل، ويضيف:" أتغلب على تعب الخيار بسماع الأغاني والأخبار والبرامج المنوعة، ولا أتناول هذه الثمرة إلا مرة أو مرتين يوميًا، وهو على صعوبته يجعل الأسرة تعمل بيد واحدة، وأفضل من العمل في المستوطنات."

فيما يقول نور الدين خلف مالك إحدى محطات تجميع الخيار للتجار داخل الخط الأخضر:" مشكلة الخيار في تسويقه، فالسوق المحلي لا يستوعبه، ومنذ بداية التسعينيات لم ترتفع أسعار الصندوق الواحد سوى ثلاثة شواقل، فيما تضاعفت أثمان مستلزمات الإنتاج أكثر من 300%، لكن الجيد في الخيار ضمان التسويق بسعر موحد طوال الموسم، بخلاف الأصناف الأخرى المتذبذبة وغير المضمونة."

واستنادًا إلى خلف، فإن الخيار ينتشر في جنين ضمن حقول مرج ابن عامر، وعرابة، وقباطية، والجربا (قرب سهل صانور)، بنحو 5 آلاف دونم، وهو عرضة للكثير من التقلبات والخطر كالطقس وشح المياه أو ملاحقة الاحتلال لمصادرها والأهم تراجع الأيدي العاملة.
يضيف:" كنا نشغّل في السنوات الماضية 30 أسرة بمعدل سبعة أفراد لكل واحدة، واليوم لم نوفر غير نصف هذا العدد؛ لامتناع الكثيرين عن العمل."

أزمة

يتخصص الشابان العشرينيان هشام جمال وأحمد صلاح في نقل المحصول من المزارع إلى نقطة التجميع، لكن حديثهما يؤكد وجود أزمة وخلل في محصول الخيار، فمعظم عوائده تخرج من يد المزارع وتذهب إلى كبار التجار والتجار الوسطاء واليد العاملة، أما صاحب الحقل فلا ينال غير القليل من العائد.
يقولان: التكاليف عالية، والأسعار  قليلة نسبيًا، ويحصل التاجر الوسيط على 3 شواقل بدل كل صندوق يعيد إرساله لداخل "إسرائيل".

حقول

وتفيد أرقام وزارة الزراعة الرسمية بمحافظة جنين بوجود  قرابة 3 آلاف دونم من المحصول، الذي ينتج كل واحد منه بين 3,5- 4 أطنان، فيما تشير التقديرات هذا العام بموسم متواضع بنحو 3 أطنان؛ لعوامل الطقس وشح الأمطار.
ووفق نائب مدير الوزارة في المحافظة م.رائد بشارات، فإن 90% من الإنتاج يذهب إلى الأسواق الإسرائيلية لصناعة المخلل وليس للاستهلاك الطازج، وارتفع سعر الكيلو من 1,8 شيقل إلى 2,2 شيقل في غضون أكثر من عشرين سنة، وهي أسعار يجري التعاقد عليها مع المصانع، والسعر عملياً جيد.

يقول: "الخيار بحاجة لتكاليف مرتفعة، ويتطلب إدارة جيدة ومتابعة من المزارعين، وإذا لم يحسن الفلاح التعامل معه وزادت تكاليفه في المياه والأسمدة والرش وقلّ إنتاجه فسيتعرّض للخسائر، وإذا ما  اعتبرنا أن الخيار بالنظر لبيئتنا وما يحتاج إليه من كميات مياه كبيرة لا تتوفر أصلاً لنا، فالبحث عن بدائل في الزراعة أمر مطلوب."
مؤكداً أن إنتاج الدونم الواحد يصل إلى نحو 6 آلاف شيقل ( قرابة 1500 شيقل فقط صافي الأرباح للمزارع وللعمال الذين يحصلون على ثلث العائد) في غضون أربعين يومًـا.

جدوى

ويتابع: "هناك جدوى لهذا الصنف، وهو يُشغّل عمالة كبيرة أيضاً. وفي حال جرى مقارنة حاجة الدونم الواحد للمياه بين 600-700 متر مكعب والتوجه لزراعات أخرى فإن الأمر قياسي. أما الرقابة على المبيدات المستخدمة في المزروعات والخيار تحديدًا فهو أمر مفروغ منه، فإذا لم تكن لدينا آلية لفحص المنتجات الزراعية التي تدخل للأسواق، ومع غياب قانون يغرم ويعاقب المفرطين في استخدام الكيماويات، ومع عدم وجود جهة تفحص كما في حالتنا الآن فإن 90% من الإنتاج يذهب إلى داخل إسرائيل، وإذا كانت هناك خطورة فهي ستكون على الإسرائيليين."

ولا ينكر بشارات وجود متبقيات في المحاصيل الزراعية، لكنها متفاوتة من مزارع لآخر، والمسألة  لا يمكن الرقابة عليها من الوزارة، التي لا تستطيع مراقبة المزارع عن قرب والتحكم بما يفعله، فهي عربت المبيد (ألصقت عليه بطاقة بالعربية) وختمته، وأوضحت الكميات المسموح بها وفترة الأمان، ولكن بعض المزارعين لا يلتزمون بالتعليمات ولا يراعون القياسات وفترة الأمان، وهناك مبيدات تحتاج لأسبوع لهذه الفترة، فيما الخيار يقطف مرة كل يومين.

يزيد:" دورنا في الوزارة توجيه المزارعين، وحثهم على تجنب المبيدات المهربة وغير المختومة، وبقي علينا بعد تعريب ملصقاتها تحديد سعرها، كما في الأدوية البشرية في الصيدليات، وهو ما نعمل عليه حاليًا."

واستنادا لنائب مدير الزراعة، فإن الرقابة تفترض وجود لجنة من وزارات الصحة والاقتصاد الوطني والزراعة، ووجود تشريع يبين غرامة المخالفين في استخدام المبيدات، بجانب وجود جهات تراقب وتفحص المنتجات ( كل عملية فحص نحتاج إلى 1000 شيقل)، وهي تكلفة عالية لا يستطيع المزارع دفعها، إضافة إلى وجود مختبرات للدولة تأخذ عينات وتفحصها وتغرم أصحاب المنتجات المخالفة، استنادًا إلى تشريع يلزم كل مزارع كتابة اسمه على منتجاته، وفي حال تشوه اسم مزارع  معين في السوق فإن المستهلكين يتوقفون عن شراء منتجاته، وبعدها يجري تعميم أسماء المخالفين، ما يؤدي إلى حماية المنتج والمستهلك فنيًا ومهنياً.
يتابع بشارات:" نحتاج إلى مختبرات لفحص المنتجات الزراعية ومنها الخيار، وفرض ملصق للمنتجات الزراعية يوضح اسم منتجها وعنوانه، ويميزها عن الإسرائيلية؛ لأن الواقع الحالي صعب، ولا تستطيع الوزارة معالجته دون تشريع."

إنتاج

تنتشر في جنين  خمس محطات للخيار، وتتسع الشاحنة الواحدة 94  صندوقًا كبيرًا (مخال متأثراً بالعبرية) زنة كل واحد 400 كيلو، فيما يقيم غالبية العاملين في الموسم ببيوت مؤقتة من الصفيح.

ويسرد  الطوباسي محمود فايز، 47 عامًا:" نتسابق مع الوقت، ولا نهتم بشيء ونحن نعمل إلا القطاف، وننسى ظهورنا مؤقتًا، ونحضر أولادنا معنا، وبسبب وجودنا في جنين لا يقدمون امتحاناتهم النهائية."

ويعمل فايز وأفراد أسرته السبعة في القطاف، ويسكنون في مرج ابن عامر قرابة الشهرين، فيما يقول إن وقت ذروة الخيار من منتصف أيار وبداية حزيران، ويتأثر المحصول بالأجواء وخاصة الحارة منها.

يضيف:" الخيار مثل حبة المنوم، فما أن نصل الفراش إلا نغرق في نومنا، ورسالتي لمن يسمعني أن يلتفت من بيده القرار للمزارعين، ويساعدهم على التمسك بـأرضهم."

اقتصاد

وتعمل هيام ضبابات في القطاف بمعدل 12 ساعة كل نهار، وترى بأن "زغبر" الخيار يضايق من يجمع المحصول، كما أن وجع الظهر، وعدم وجود فترة للراحة في النهار يساهمان في زيادة التعب.

وتعيل ضبابات وزوجها أسرة من 8 أبناء، بينهم أسيل التي تدرس الكيمياء في جامعة النجاح، وفايز على مقاعد التحاليل الطبية في الجامعة العربية الأمريكية، أما رشا فتسعد للثانوية العامة، وتعاني هديل إعاقة تمنعها من مشاركة عائلتها في العمل الزراعي.
تضيف، وهي تغطي وجهها بكوفية لتجنب الشمس وغبار النبتة:" من لا يعمل لا يستطيع أن يعيش، والخيار يساعدنا على سد احتياجاتنا بالرغم من صعوبته."

وتشيع في أوساط المزارعين مقولة أن قاطفي الخيار يفرحون مرتين: حين ينتهون من عملهم اليومي، وحين يتلقون أتعابهم.
يقول الفتى قصي محمود (12 عامًا): أساعد أسرتي في الخيار، وظهري يؤلمني كثيرًا، وأتمنى أن يخترعوا آلة لقطفه.
وينشط قصي أبو ماضي (15 عاماً) في جمع الثمار الكبيرة التي غفل أصحابها عن قطفها في موعدها، ويجمعها في عربة يجرها حصانه، ويقول: نطعم الحبات الكبيرة للأبقار، وهي مليئة بالمياه.

فيما يعمل الشاب صقر منيزل على فترتين: يقطف المحصول صباحًا، ويفرغ الحمولة بعد الظهر في محطة التوزيع، ويقول: الخيار يقصم الظهر، ولكنه موسم جميل.

ويختتم المزارع محمود فايز: "نحن بين خيارين أحلاهما هذا المحصول، وأمرّهما البطالة وانتظار المساعدات... فيما يضع المزارعون أيديهم على قلوبهم ، حين يسمعون عن موجات حر جديدة تضرب المنطقة.
 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير