بطولاتنا الهزلية- كتبت: ناديا حرحش

05.01.2016 09:55 AM

لا أعرف لما فقدت الإحساس بمتابعة الأخبار . أم لم يعد هناك أخبار أصلا غير تلك المتكررة. أتابع بين كتاباتي ، فأجد أنني كتبت بالأعوام السابقة في نفس التوقيت ما يجري اليوم. وكأن الامور كالمياه الراكدة . لا تتحرك ولا تلبث حتى تصبح مستنقعا للضفادع.

الموت لم يتوقف وأصبح الشهيد رقما . يموت فننتظره فنزفه. نصنع منه بطولة وهمية نشبع فيها جوعنا نحو وجبة دسمة . نتغذى على المآسي ولم نعد نفرق . نصفق للموت ولا نعي . لا يوجد حسابات واضحة او موجودة اصلا لكل ما يحصل. ننتظر بجبن شهيد جديد او قتيل من جهتهم ليطفيء جماح جوعنا ولو للحظة عابرة.

نتحصن في بيوتنا من الموت العبثي وندعو للموت المجاني امام قبضات الاحتلال الغاشمة التي لا ترحم. قبضات الاحتلال المنتظرة الانقضاض على نفس فلسطيني يقدم لها بأي لحظة.

وتنطلق الفصائل في موسم انطلاقاتها. أصبحت هذه الانطلاقات هي المقدسة . كم هو المقدس من صنيع الانسان ولقد عشنا وهم الوهيته منذ نشأنا على هذه الارض. إسرائيل تقنص أبناءنا وتقتلهم بدم بارد والفصائل المختلفة تختلف إذا ما كانت انطلاقتها حافلة بالشعارات التي تبث الحياة بها .

قد تكون نعمة وجود المحطات الفضائية الكثيرة التي تلهينا عن الواقع المرير. ولكن في لحظة مرور الريموت بين المحطات ترى القيادات المختبئة في جحورها منذ اشهر رجعت للظهور . يتكلمون عن بطولات وانجازات . لا افهم من المنفصم . نحن ام هم؟ ايعقل اننا نعيش في واقعين مختلفين ؟ ايعقل انهم يروا ما لا نراه ؟ ايعقل انهم يعقلوا ما لا نعقله؟

اهي نرجسية ؟ ام فوقية لم يعد الواحد منهم يستطيع النظر الى الاسفل. يتربعون على عروش خاوية .لا نرى منهم الا نعال احذيتهم المتدلية فوق رؤوسنا ولا نسمع الا صدى اصواتهم المزعجة. ويهللون ويكبرون عن بطولات والجنازات تمر بينهم ويشدون على ايدي ذوي الشهيد ويرسلون كم علم للتأكد من رفع علم الفصيل….

وكأن العبثية في القيادة الفلسطينية بكل شقوقها مستفحلة. فما تلبث تلطم على وجهك من هزلية فصيل حتى يخرج عليك بمهزلة جديدة.

الكل يستعرض بطولات على حساب الوطن.

يبيعون ويشترون بالوطن والمواطن يقتل ويؤسر ويجوع…

لم استطع النظر في مواكب الشهداء الخارجة من الثلاجات . لا أعرف ان كان المشهد مهيبا ، ولقد تجمد الدم في من ذرفه وحياته فداءا لوطن مفقود. لعائلات تعيش مرارة الثكل مرارا . أقحمناهم في عوائنا الأرعن نصفق نهلل نحتفل بالموت في عزائنا .. ونرجع الى بيوتنا … نغير المحطة عن ذلك المشهد المهيب…. ونترك ام ، اب، اخ، اخت، حبيب، زوجة…ذلك الشهيد الفقيد وسط خسارة لن تعوض . وسط نحيب لن نسمعه نحن المصفقون المهللون رافعوا الاعلام المختلفة لانتصارات مرجوة لن تتحقق.

فكيف تتحقق وفي هذا الوطن الشهادة مجانية ؟

يموت شبابنا وابناؤنا وآباؤنا وجداتنا والقادة منا يخرجوا ليقدمونا أرقاما في سوق العطاءات والعطايا ليعيش ابناءهم ويفرحوا بالوطن المشهود.

وأن لم يعجبنا هذا الفصيل بقواده المتمركزون في أعالي العروش بنعالهم المتأرجحة على رؤوسنا من السماء . نستغرب لما يتقدموا خطوة ..لما لا نسمع عن خطة…لما هذا الصمت المدوي محدثا كل هذا الفراغ….

يخرج علينا الفصيل الآخر من خبايا أنفاقه المهدمة على رؤوسنا ورؤوسهم ليزف لنا بطولة أريد لنا ان نشاهدها كأفلام رامبو. ما الذي أرادوه ببث شريط رحلة الأسر الخاصة بشاليط؟

أهو فراغ خاوي حقيقي من أي إنجازات حالية فخرجوا علينا ببطولة تلهينا ؟ ما هذه العبثية بنا؟

بعد رؤية شاليط ستكون رحلة الأسر للجنود الاسرائيليين المرتقبين استجمامية . لربما كان هذا هو المقصود ؟؟ أن يذهب الاسرائيلي بنفسه الى حضن المتوسط على الشاطيء الاخر؟

يا جماعة الخير ….. إرحمونا ….

والمصيبة اننا تحولنا الى شعب محلل . لا نكتفي بالتهليل او النحيب. ولا اعرف ما الذي غاب عني في كل تلك التحليلات الجهنمية عن حنكة المقاومة وعسكرتهم وأعمال الكوماندو التي قاموا بها قبل التسليم وبعده واثناء رحلة عذاب الاسير التي لا ريب انه لم يضار به الاسر ولم يكن بخاطره اصلا الرجوع. فالرجل كان في رحلة استجمامية . يلعب بها مع المقاومة لعبة الاستخباء.

يا له من شريط عبثي لفراغ أكيد بالقيادة الاخرى .

أعرف اني بهذا اخرج عن السرب…. ولكني مللت الغناء على نفس اللحن من الانغام التي لم تعد تبث الا ألحان جنائزية صارت ترافق ماهية الحياة .

ما يؤرقني أننا كشعب نعوم على عومهم فينا ..بينما هم في زوارق ويخوت . لم أستطع ان ارى بطولة في شريط سيرة اسير كان محمولا على كفوف الراحة .بينما اسرانا يضربون عن الطعام من سوء احوالهم… واسيرهم كان في حفلة شواء مع المقاومة.

نتغنى في انفصامنا باخلاقنا الاسلامية بحسن التعامل مع الاسرى … ثم نهلل لقتلهم وكأننا نتعطش لدمهم .

نتراوح من مكان عبثي الى آخر… بلا أي تفكير عاقل .

نتشفى في فسادهم .. ونخرج بتحليلات وتمحيصات عن الفساد ومسكه عندهم… وزير استقال بسبب التحرش الجنسي … يا له من فاسق …بيستاهل. انها دولة فاسقة… ووزير يقدم للمحاكمة للفساد.. نعم انها الدولة الفاسدة…

وفاسدينا ومفسدينا بدولتنا العتيدة منطلقون لا يحاسبون … بل يؤجرون ويرقون … نسمع في كل لحظة بلا حياء عن مصيبة في تفشي الفساد في سلطتنا من كل انحائها .. ولا نتوارى عن الشماتة بهم… لنشمت … ولكن اليس من الاجدر كذلك ان نتعلم منهم ؟ سيادة القانون واحترام الانسان عندهم ولهم. ان الفاسد عندهم مهما علا شأنه يحاسب. ونحن عندنا كلما فسد الفاسد صلحت مكانته!!!

كفانا هزلية بأنفسنا وبأرواحنا ….

كفانا بناء انتصارات وهمية ….

كفانا هباءا ومواتا مجانيا بأرواح غيرنا ….

لنتعلم بناء الوطن منهم على سبيل هزلية قدرنا المحتم …

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير