المحامي جعفر الطويل يكتب.. العلاقات الامريكيه الفلسطينيه وما وراء الكواليس

04.02.2023 10:49 AM

منذ انتخاب بايدن كرئيس للولايات المتحده الامريكيه اعادت السلطه الفلسطينيه العلاقات والاتصالات مع الادارة الجديدة سعيا لتحقيق مجموعه من الاهداف والمصالح الفلسطينية التي تضررت وبشكل كبير في ظل ادارة الجمهوري ترامب وفي الوقت الذي تتكثف  الزيارات والاجتماعات الفلسطينية الامريكية الرسمية بعد نحو عامين على انتخاب الادارة الديمقراطية فلا بد من الحديث عن سياقات ومآلات هذه العلاقة وتحديدا في الجوانب السياسية منها والاجرائية. ويمكن القول بأنه عدا عن الدعم اللفظي لحل الدولتين كما تتصوره الادارة الامريكية فلم تبادر هذه الاداره بأي خطوة فعلية لترجمة هذا الدعم " المزعوم" على الارض.

كما ينطبق الأمر على صعيد العلاقة الامريكية الفلسطينية الثنائية إذ لم يحصل أي تطور يذكر ولم تعمل الادارة على تنفيذ أي من الوعود التي قطعتها على نفسها خلال حملتها الانتخابيه ومنها اعادة فتح القنصلية الامريكية العامة في  القدس والتي كانت بمثابة التمثيل الدبلوماسي الامريكي الرسمي للسلطة الفلسطينية.  ولقد كانت ولا تزال الادارة الامريكية تتهرب من هذا الموضوع خشية او عدم رغبة في مواجهة الموقف الاسرائيلي الرافض لهذه الخطوة وقد بالغت في الحقيقه في استخدام " تعبير" لا زلنا نعمل على اعادة فتح القنصلية في القدس كما حاولت اقناع القيادة الفلسطينية والشارع الفلسطيني بأنها فتحت مكتبا للشؤون الفلسطينية يقدم تقاريره لواشنطن مباشرة وليس من خلال السفارة الامريكية التي تم نقلها بشكلٍ مخالف للقانون الدولي وتحديدا لقرارات مجلس الامن الدولي 480/ 481 للعام 1980 الى مدينة القدس. ولا تزال تستخدم الادارة الامريكية تعبيرا يخلو من أي محتوى أو مضمون فعلي بأنها لا تزال تعمل على فتح القنصلية في الوقت الذي تقوم فيه بالعمل من خلال مكتب الشؤون الفلسطينية الخاضع سياسيا واداريا ولوجستيا للسفارة الامريكية في القدس.

وتعمل هذه الادارة على تمرير عمل هذا المكتب من خلال السفارة تحت حجج واهية في جوهرها تخفي فيه عدم القدرة او عدم الرغبة في اعادة فتح القنصلية نظرا لمعارضة الحكومات الاسرائيليه المتعاقبة منذ العام 2019 سواء كانت حكومة نتنياهو او بينيت او لابيد واخيرا حكومة بين غفير / سموترتش.  وعلى صعيد العلاقة الامريكية الفلسطينية فقد قامت ادارة ترامب منذ العام ٢٠١٧ باغلاق بعثة ومكتب منظمة التحرير في واشنطن تحت ذرائع مختلفة منها توجه القيادة الفلسطينية للمنظمات الدولية وتحديدا المحكمة الجنائية الدولية.  وبعد  انتخاب الادارة الجديدة  بقيادة بايدن كان من المأمول ان تقوم هذه الادارة بإعادة الاعتبار للعلاقة الرسمية مع الفلسطينيين واعادة فتح مكتب المنظمة التمثيلي في واشنطن.

الا ان واقع الحال يقول بأن هذا المكتب لايزال مغلقا تحت وطأة القانون الامريكي منذ العام 1987 والذي يعتبر منظمة التحرير منظمة ارهابية وتخلي الاداره الامريكيه  بقياده ترامب عن التوقيع على الامر الاداري الرئاسي الذي يجيز عمل المنظمة وتعليق نفاذ بنود القانون الامريكي عليها. ففى الوقت الذي كان من المأمول ان تقوم الادارة الديمقراطية بهذه الخطوة من باب اضعف الايمان وتوقيع الامر الرئاسي اختارت هذه الادارة استمرار عقاب الفلسطينيين بسبب استمرار توجههم للمحاكم والمؤسسات الدولية في اطار الدفاع عن النفس سلميا وقانونيا ضد اجراءات الاحتلال الاسرائيلي.

وبالاضافة الى هذا لا بد من الاشارة الى العقوبات الشديدة التى فرضها الكونغرس الامريكي وطبقتها اداره ترامب ومن بعدها ادارة بايدن بموجب قانون تيلر فورس حيث ان هذا القانون ينص على منع المساعدات الماديه بكافه اشكالها على كل من منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية نظرا لاستمرار الاخيرة بدفع رواتب الاسرى وذوي الشهداء. كما يعاقب هذا القانون كل من المنظمة والسلطة الفلسطينية بمنع اي نشاطات لها على الاراضي الامريكية تحت طائلة المسؤلية القانونية الشخصية منها والمعنوية. كما يفرض هذا القانون حظرا على دخول المسؤلين الفلسطينيين الى الولايات المتحدة وعدم منحهم تاشيرات الدخول الا في حالات استثنائية خاصه تتعلق بمصالح الادارة الامريكية والامن القومي الامريكي ضمن ظروف مشددة تحظر ايضا القيام باية نشاطات اخرى تخدم المصالح الفلسطينيه.

كما تجدر الاشارة هنا الى ان هناك اكثر من ٥ قضايا مسجله في المحاكم الامريكية ضد السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير وبعض المؤسسات المالية الخاصةعلى خلفية الادعاءات بتمويل عمليات الارهاب والتحريض ضد الاسرائيليين.

وفي الوقت الذي تتجاهل فيه هذه الادارة العمل على اعادة النظر بهذه القوانين والاجراءات الجائرة بحق المجموع الفلسطيني فأنها تقف في المحاكم الامريكية لصالح من يرفع هذه القضايا من المجموعات الاسرائيلية المتطرفة.

وعند الحديث عن المساعدات المالية المقدمة للفلسطينيين تقوم هذه الادارة بدلا من تقديم المساعدات للمؤسسات الرسمية الممثلة الشعب الفلسطيني، بمحاولة الالتفاف على الموسسات الوطنية والاهلية وتقديم المساعدات للمؤسسات التي تعمل في مجال تطبيع العلاقات الاسرائيلية الفلسطينية وتحرم منها تلك المؤسسات الاهلية الفاعلة تحت حجج اسرائيلية واهية بدعم الارهاب مما دفع معظم المؤسسات الأهلية الجدية الى مقاطعة مشاريع الدعم الأمريكي.

كما ان واقع الحال يقول بأن قانون تيلر فورس الامريكي يشترط الغاء او تعديل فوري للقانون الفلسطيني القاضي بدفع رواتب ومستحقات الاسرى وعوائل الشهداء. وتحت وطأة هذا القانون تقوم الادارة الامريكية من خلال موسسة الانماء الدولي USAID باشتراط عدم التعامل مع الحكومة الفلسطينية والحيلولة دون استفادة الاخيرة من اي مساعدات مادية مقدمة لمؤسسات اهلية فلسطينية. هذا في الوقت الذي تقوم فيه الادارة بتقديم فتات المساعدات لبعض من المنظمات الاهلية الصغيرة وبعض المشاريع للقطاع الخاص التفافا على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بدلا من ان تقوم بالغاء هذه العقوبات تحت هدا القانون الجائر.

وعندما رفضت القيادة الفلسطينية التعامل مع الشروط الامريكية المختلفة وتحديدا في موضوع وقف العمل مع المؤسسات الدولية ووقف رواتب الاسرى والشهداء وتحويلها لمجرد اعانات اجتماعية على اساس اجتماعي واقتصادي، امعنت الادارة الامريكية الحالية في اجراءاتها متجاهلة وعودها الانتخابية ومناقضة لموقفها اللفظي بدعم حل الدولتين والسعي لتحقيق المساواة والعدل بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

وفي الوقت الذي تتجنب فيه القيادة الفلسطينية الحديث علنا عن هذه العقوبات الجائرة وعن ظلم السياسة الامريكيه اتجاه الشعب الفلسطيني ككل وانحيازها الكامل لإسرائيل لم يأت حديث الرئيس امام بوتين بفقدان الثقه كاملة في هذه الادارة الامريكية من باب الصدفة او الادعاء. فالحقيقة ان سياسة هذه الادارة هي فعليا امتداد لسياسة ترامب في مجموعة من القضايا الاساسية :

* فرض العقوبات على السلطة الفلسطينية بسبب دفعات الاسرى وعوائل الشهداء ورفض القيادة الفلسطينية الرضوخ لهذه الضغوط.

* عدم فتح مكتب منظمةالتحرير في واشنطن

* التراجع عن فتح القنصلية الامريكية في القدس واستبدال هذه الخطوة بقناع مزيف تحت اسم مكتب الشؤون الفلسطينية والتابع فعليا للسفارة في القدس

* عدم تحديد موقف واضح من الوضع التاريخي والقانوني لما يعرف بالوضع الراهن في المسجد الاقصى تحديدا حيث تبنت هذه الادارة مقولة نتنياهو بأن لليهود الحق في زيارة المسجد رغم عدم التنسيق مع الادارة الشرعيه للمسجد الاقصى من خلال دائرة الاوقاف الاسلامية.

* تقوم الادارة الامريكية  بالضغط على السلطة الفلسطينية بهدف ثنيها عن التوجه للمنظمات الدوليه بما فيها القرار الاممي الاخير باللجوء الي محكمة العدل الدولية لتعريف الطبيعية القانونيه لاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية.

* تستمر الادارة الامريكية الحالية بالاعتراف الذي قام به ترامب تحت اسم اعلان القدس والذي يعترف بالقدس موحدة عاصمه لاسرائيل على الرغم من اختراق هذا الاعلان الفاضح للقانون الدولي وعلى الرغم من تناقضه الصارخ واتفاق اعلان المبادئ الذي يضع القدس قضية اساسية في معرض المفاوضات الفلسطينية الاسرائيليه والذي تم توقيعه في واشنطن 1993.

ان المراجعة المتأنية لهذه المواقف تقودنا دون أدنى شك الى استنتاج مفاده بأن الشعب الفلسطيني وقيادته تخوض معركة حقوقيه ووجوديه ليس قبالة الاحتلال الاسرائيلي فقط إنما ايضا في مواجهة اعتى القوى الدولية ممثلة بالولايات المتحدة الامريكية على الرغم من لجوء هذه الاخيرة الى اساليب التدليس اللفظي في دعم حل الدولتين في الوقت الذي تحاول فيه بشتى الوسائل حرمان الشعب الفلسطيني من ابسط حقوقه حتى وان كان ذلك على المستوي السياسي والقانوني والانتصار لاسراه وشهدائه.

المحامي جعفر الطويل "عضو مجلس بلدية البيرة السابق"

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير