المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس يقدم قراءة تحليلية عبر "وطن"
تحليل: عجز ميزانية إسرائيل سيتخطى التوقعات مع نهاية العام 2024، وسيستمر لأعوام قادمة
وطن: قال رئيس قسم الميزانيات في وزارة المالية الإسرائيلية، يوغيف غرادوس، إن عجز ميزانية إسرائيل خلال 2024 سيكون أعلى من المتوقع، لكنه استبعد أن يؤثر بالضرورة على السياسة الاقتصادية لإعداد الموازنة.
وصرح غرادوس في فعالية نظمتها صحيفة غلوبس الاقتصادية الإسرائيلية بالآتي: "سواء أنهينا العام بعجز بنسبة 3.9% أو 4.8% من الناتج المحلي الإجمالي، فهذا ليس هو المهم، لكن المهم العجز المستقبلي".
العجز المتوقع في الميزانية الإسرائيلية للعام القادم 2025 عجزٌ تراكميٌ
وفي تعليقه على ذلك يقول المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس إن العجز المتوقع في الميزانية الإسرائيلية للعام القادم 2025، عجزٌ تراكميٌ ناتجٌ عن ترحيل أزمات الحكومة الإسرائيلية المالية من العامين الماضي 2023 والحالي 2024، جراء استمرار عدوانها على غزة للشهر الرابع عشر على التوالي، ويرجح أن يستمر العجز في الميزانية الإسرائيلية لأعوام قادمة.
العجز بلغ مستوى قياسي .. ويُقَدَرُ بـ 230 مليار شيكل (61.63 مليار دولار)
وتسعى وزارة المالية الإسرائيلية لإبقاء العجز معقولا، بحيث تنخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي في الأمد البعيد، وفقاً لرئيس قسم الميزانيات في الوزارة، الذي أكد في تصريحات سابقة أن ميزانية السنتين الماضيتين كانتا تهدفان إلى احتواء عجز بقيمة 30 مليار شيكل (8 مليارات دولار) في حين يبلغ العجز الآن 230 مليار شيكل (61.63 مليار دولار).
مُعضلة الانفاق العسكري
ورغم حصول "إسرائيل" على تغطية مالية كبيرة من الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا في عدوانها على غزة، إلّا أن قيمته لا تكفي لتمويل "موزانة الدفاع" بشكل كامل، وبينما يتركز الدعم الخارجي لإسرائيل على العتاد العسكري والذخائر، تبقى احتياجات الجيش الإسرائيلي بما فيها مُخصصاتُ نحو 100 ألف جندي احتياط استدعتهم حكومة نينياهو للخدمة العسكرية في قطاع غزة ولبنان، أسبابٌ تدفع الحكومة لتغطية الإنفاق العسكري لحربها على حساب وزارات أخرى، كما يوضح المحلل الاقتصادي د. ثابت أبو الروس.
وتشير تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية إلى أن الانفاق العسكري الحالي يُقَدَر بـ 117 مليار شيكل (31.35 مليار دولار)، وإذا اشتدت حدة الحرب قد يزيد الإنفاق 7.5 مليارات شيكل (ملياري دولار) أخرى، ويُشار إلى أن "موازنة الدفاع" في إسرائيل قبل الحرب على غزة ولبنان كانت تقدر بـ 60 مليار شيكل (16 مليار دولار).
أبرزها رفع الضرائب وتجميد مخصصات 10 وزارات وبعض الشرائح المجتمعية.. هل ستحرك قرارات حكومة نينياهو لزيادة الإيرادات الشارع الإسرائيلي ضدها؟
وخلال حديثه لـ"نشرة وطن الاقتصادية"، وتبث عبر شبكة وطن الإعلامية يلفت أبو الروس إلى بعض القرارات الإسرائيلية ذات الصلة، مشيراً إلى حسم نحو 113 مليون شيكل من موازنة التعليم في العام 2025، و 400 مليون شيكل في العام الذي يليه 2026، إضافة إلى حسم نحو 275 مليون شيكل من موزانة الصحة في العام ذاته 2026، ما يعني اتساع العجز المُستقبلي، مؤكداً أن هذه القرارات ستمس بمفاصل أساسية في الاقصاد الإسرائيلي.
وتتجه إسرائيل لتنفيذ رزمة من الإجراءات والقرارات لزيادة الإيرادات، ومن ضمنها فرض الضرائب على الإسرائيليين لتوجيهها إلى الجيش، ومنها رفع ضريبة القيمة المضافة إلى 18% صعوداً من 17%، ورفع ضريبة قيمة المُسقفات "الأرنونا" في القدس وتل أبيب والمدن الكُبرى، وتجميد مُخصصات الشيخوخة مطلع العام القادم 2025، كما يوضح ضيفُنا.
ويُرجح أن رزمة الإجراءات والقرارات الإسرائيلية لزيادة الإيرادات، محلُ توافق بين الاطراف ذات العلاقة، ورُبما لن تُحرك الشارع الإسرائيلي لإعلاء صوته ومعارضة قرارات الحكومة.
وتستند "إسرائيل" في عقدها الاجتماعي إلى ركيزتين أساسيتين هما: "الجيش" ودولة الرعاية الاجتماعية "الرفاه الاجتماعي"، فجيشها لا يُقهر ولا نظير له من ناحية القدرات العسكرية والتقنية في المنطقة، وإلى جانب ذلك تمكنت "إسرائيل" بمساعدة الدول الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، من بناء اقتصاد رأسمالي منتج، فضلاً عن فتح الاقتصاد الإسرائيلي على مصراعيه أمام أغلبية الدول، وهذا من شأنه أن يضفي بعضاً من الشرعية على وجودها في المنطقة، بيد أن هذا الحال لم يدم طويلاً، فقبل السابع من أكتوبر ليس كما بعده.
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة "الإيكونوميست" في وقت سابق، إلى أن دولة الرفاه في "إسرائيل" تلقت ضربة، وبناء عليه، وُضِعت أمام خيارين إما "الجيش" وإما دولة الرفاه.
اقتصاد "إسرائيل" تلقى ضربات قاسية في قطاعات اقتصادية حيوية، ما هي؟
وفي تعليقه على ذلك يقول أبو الروس إن الخطر الحقيقي الذي تواجهه إسرائيل بعد السابع من أكتوبر 2023، يكمن بانهيار الصورة التي دأبت على رسمها بأنها أرضٌ للنماء والازدهار على مدار عقود مضت، وتجلى ذلك بالهجرة العكسية، حيث تشير التقديرات الإسرائيلية إلى هجرة نحو 700 ألف إسرائيلي إلى خارج إسرائيل، عددٌ كبيرٌ منهم لا يفكر بالعودة إلى إسرائيل، وهو الامر الذي يوجه ضربة قاسية لقطاع الاستثمار في إسرائيل، وبناءً على ذلك ستسمتر معاناة الاقتصاد الإسرائيلي لـ10 سنوات قادمة على الأقل.
وحول الخسائر التي تكبدها الاقتصاد الإسرائيلي على مدار أشهر العدوان المُستمر يشير أبو الروس إلى خسائر هائلة لحقت بعدد من القطاعات الحيوية، ومنها السياحة والتقنية العالية، والإنشاء والتعمير، والزراعة، لافتاً إلى تعطل 3 مواسم زراعية مُتتالية، وتعتبر إسرائيل مُصدراً رئيسياً عى مستوى العالم للأزهار والورود، وبتعطل المواسم الزراعية لثلاث دورات مُتتالية، فإن إسرائيل من المؤكد قد خسرت الكثير.
وفي ختام حديثه يشدد ضيفُنا على مخاطر تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل مع الإبقاء على نطرة سلبية للاقتصاد الإسرائيلي، أضف إلى ذلك ارتفاع تكلفة الاقتراض لفترة لا تقل عن 10 سنوات قادمة، وهي عوامل من شأنه أن تلحق أضراراً كبيرة في هياكل الاقتصاد الإسرائيلي.