تحقيق لوطن: السُم المعلّب.. منتجات ملوثة بكتيرياً وكيميائياً في أسواقنا الفلسطينية

15.06.2016 11:42 AM

رام الله- وطن- تحقيق نزار حبش:  قد نكتشف أن الطعام المعلب سلاح أكثر فتكاً من البنادق الآلية، قالها الروائي البريطاني جورج اورويل في اربعينيات القرن الماضي، لكن هذه المقولة تتحقق اليوم في فلسطين.

في هذا التحقيق نكشف لكم بالوثائق والفحص المخبري بعد شهرين من البحث والتقصي عن تلوث أغذية بعض المصانع الفلسطينية والإسرائيلية بكتيرياً وكيمائياً، والأضرار الصحية الناجمة عن التلوث.

معد التحقيق لم يكتف بالكشف عن التلوث، بل تتبع الإجراءات التي اتخذتها الجهات الرقابية بعد مواجتها بالنتائج، خصوصاً وأن المنتجات التي فحصت على مائدة كل مواطن فلسطيني بشكل يومي.

14 مصنعاً فلسطينياً واسرائيلياً خضعوا للفحص المخبري

الثامن والعشرون من شهر نيسان الماضي استعانت وحدة التحقيقات الإستقصائية في وطن، بمختصي وزارة الصحة الفلسطينية في أخذ عينات غذائية، حتى لا يتهمنا أحد بعدم علمية أخذ العينات، استهدفنا ثلاجات الموزعين، اضافة لثلاجات كبرى المحال التجارية في رام الله والبيرة وبيتوتنا، حصلنا بطريقة عشوائية على ست وثلاثين عينة لأربعة عشر مصنعاً غذائياً فلسطينياً وإسرائيلياً منتشرة داخل السوق الفلسطينية.

العينات المستهدفة ركزت على منتجات اللبنة وسلطة الحمص باعتبارهما من اكثر المنتجات استهلاكاً لدى المواطن الفلسطيني.

العينات وضعت في ثلاجات خاصة بعد تسجيلها رسمياً.. توجهنا بها على الفور الى المختبر المركزي التابع لوزارة الصحة.

طلبنا من المختبر المعتمد لدى وزارة الصحة الفلسطينية فحص العينات الغذائية بكتيريا للتأكد من سلامة عملية الإنتاج، وكيميائيا لمعرفة نسب المواد الحافظة المستخدمة، نظراً لحساسية القضية استغرق فحص العينات مدة أطول من المفروض، للحصول على نتائج دقيقة لا لبس فيها.

مدير المختبر المركزي في وزارة الصحة إبراهيم سالم أكد أن التأخير ناجم عن رسوب بعض العينات، لذلك تم إعادة الفحوصات المخبرية مرة أخرى للتأكد من رسوبها 100%.

6 منتجات ملوثة بالبكتيريا
التاسع من شهر أيار أي بعد أحد عشر يوماً من تسليم العينات الغذائية للمختبر، حصلنا على نتائج الفحص الأول من تحقيقنا والمتعلق بالبكتيريا:

بلغ عدد المصانع التي فحصت أربعة عشر، سبعة مصانع فلسطينية وسبعة اسرائيلية، الفحص المخبري أثبت مخالفات في منتجات 6 منها، ثلاثة مصانع اسرائيلية وثلاثة فلسطينية.

كشف الفحص المخبري وجود خلايا بكتيرية أعلى من الحد المسموح به وفقاً للتعليمات الفنية الإلزامية و المواصفات الفلسطينية.

من أخطر النتائج لمنتجات فلسطينية كانت لعينة من الحمص لمصنع نتحفظ عن ذكر اسمه لاعتبارات قانونية، لكنه من أكثر المصانع الفلسطينية انتشاراً، حيث بلغ المجموع الكلي للبكتيريا 590 الف خلية في كل 1 غم من الحمص، بينما الحد الأقصى المسموح به مئة ألف خلية لكل واحد غم من الحمص، أي حوالي ستة أضعاف ما تسمحه المواصفة الفلسطينية الإلزامية البند السادس.

سموم الأفلاتوكسين

أما عن أخطر الكائنات الحية المكتشفة في عينة الحمص الفلسطيني، فقد ظهر في الفحص المخبري وجود 4500 خلية من العفن، في كل 1 غم من الحمص، بينما الحد الأقصى حسب المواصفة الفلسطينية 100 خلية فقط من العفن لكل 1 غم من الحمص.

عينة أخرى من اللبنة لمصنع فلسطيني آخر كانت ملوثة بثلاثة وعشرين ألف خلية عفن في كل 1 غم، بينما المسموح في اللبنة عشرة خلايا فقط حسب الاشتراطات الصحية البند اربعة ثمانية.

وقال مدير عام صحة البيئة ابراهيم عطية، إن العفن خطورته عالية جداً لأنه ينتج ما يسمى بالأفلاتوكسين، مؤكداً أن الأفلاتوكسين بالغ الخطورة وقد يسبب تشمعاً في الكبد أو مرض السرطان.

الخبيرة في الهندسة الغذائية د. كلود الأعمى إتفقت مع الطرح السابق، حيث قالت إننا "نخاف دائما من الأفلاتوكسين وافرازاته، لأنه سام جداً"، مردفة: ممكن يسبب سرطان.

أما عن اخطر النتائج للمنتجات الإسرائيلية حمص يخضع لرقابة وزارة الصحة الاسرائيلية، حيث بلغ عدد البكتيريا الكلي في العينة خمسة ملايين وثمانمئة ألف خليه في كل 1 غم، بينما الحد المسموح به مئة الف خلية لكل 1 غم، أي ثمانية وخمسين ضعفا للحد المسموح به حسب مواصفة الحمص الفلسطينية الإلزامية البند السادس.

التسمم البطيء
الثامن عشر من شهر أيار أي بعد تسليم العينات الغذائية بعشرين يوما، تسلمنا نتائج الفحص الثاني، اي الفحص الكيميائي الذي يظهر نسبة المواد الحافظة في العينات الغذائية.

كشف الفحص المخبري رسوب تسعة مصانع من أصل أربعة عشر، حيث رسب سبعة مصانع إسرائيلية، وهي مجمل المصانع الاسرائيلية المفحوصة، اضافة لمصنعان فلسطينيان من أصل سبعة.

أخطر نتائج الحمص كانت لمصنع فلسطيني نجحت عيناته بكتيريا في الفحص السابق، حيث بلغ مجموع المواد الحافظة من البنزوات والسوربات وهي أكثر المواد الحافظة شيوعا وانتشارا، بلغ 3239، أي أكثر من ثلاثة أضعاف عن الحد المسموح به فلسطينيا، حيث يمنع منعا باتا أن تتجاوز نسبة المواد الحافظة في الحمص نسبة الألف في كل 1 غم.

أما أخطر نتائج اللبنة كانت لعينة اسرائيلية رسبت في الفحص البكتيري السابق، حيث بلغ المجموع الكلي للمواد الحافظة  1492.4، علما أن المواد الحافظة في اللبنة لا يجب أن تتجاوز نسبة الثلاثمائة في كل 1 غم، اي حوالي خمسة أضعاف المسموح فلسطينيا.

وقال مدير عام صحة البيئة ابراهيم عطية ردا على النتائج السابقة "إن تراكمات المواد الكيماوية في جسم الإنسان تخل في نظام الخلية داخل الجسم وبالتالي يؤدي الى أمراض كثيرة أخطرها السرطا".

وحذر عطية من خطورة النتائج السابقة كون بعضها يفوق المواصفة الفلسطينية بخمسة أضعاف.

أما رئيسة قسم السلامة الغذائية في وزارة الصحة سهى عرار، فأكدت أن الإفراط في المواد الحافظة سيؤدي الى تراكمها داخل إعضاء الجسم والتراكم قد يسبب أمراضا في الكبد وأمراضا في الدم.

من جهتها أوضحت خبيرة الهندسة الغذائية كلود الأعمى أنه كلما زادت جرعة المواد الحافظة زادت آثارها السلبية على الجسم.

واتفقت الأعمى مع احتمالية اصابة جسم الإنسان بأمراض خطيرة كالسرطان نتيجة الافراط في تناول المواد الحافظة، مردفة: ممكن أن يسبب أيضاً مشكلات إدراكية للأطفال ومرض الشقيقة (الصداع النصفي) عند بعض البالغين.

وعلق ابراهيم القاضي مدير عام ادارة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد على رسوب المصانع الاسرائيلية بإنه لا يستغرب ذلك اطلاقا، مردفا : هذه ليست المرة الأولى .. هناك بعض السلطات الإسرائيلية منعت أصلا من التسويق داخل السوق الفلسطينية بسبب تلوث منتجاتها.

الجهات الرقابية تخرج عن صمتها
حملنا النتائج وتوجهنا نحو ادارة ومفتشي صحة البيئة التابعة لوزارة الصحة، اجتمعنا مع الكادر الإداري وتناقشنا في النتائج التي توصلنا اليها، فصدر القرار على الفور.

مفتشو صحة البيئة انتشروا في الأسواق الفلسطينية بحثاً عن منتجات المصانع الفلسطينية والإسرائيلية، التي رسبت في فحوصاتنا البكتيرية والكيميائية، ضبطوا البضائع المخالفة تمهيداً لاتلافها، وأنذروا الشركات الفلسطينية والاسرائيلية على حد سواء وإلا سيتم تحويلهم الى القضاء أو وقف استيراد منتجاتهم، حيث حصلت وحدة الصحافة الاستقصائية في وطن على نسخ من الإنذارات.

صحة البيئة لم تكتف بذلك، استدعوا مندوبي الشركات المخالفة الى صحة رام الله والبيرة لمواجهتهم بالنتائج، حاولنا مقابلتهم لإعطائهم الحق الكامل في الرد، لكنهم رفضوا التحدث والدفاع عن منتجاتهم.

كشفنا عن نتائج تحقيقنا لدائرة حماية المستهلك في وزارة الاقتصاد الوطني، فصدر قرار فوري للشروع بحملة رقابية للتأكد من تطبيق التعليمات الفنية الإلزامية الخاصة بالعبوات المعبأة مسبقاً في كافة المحافظات الفلسطينية، كان ذلك بتاريخ السادس والعشرين من ايار الماضي، حيث أصدرت وزارة الاقتصاد بياناً لوسائل الإعلام يحتوي على بعض ما كشفه تحقيقنا عن العبوات الغذائية.

ويؤكد المختصون أن السبب الرئيس وراء افراط بعض المصانع في استخدام المواد الحافظة يعود لعدم تطبيق شروط النظافة الكاملة في خطوط الإنتاج أو سوء عمليات التخزين، غياب النظافة يؤدي الى انتشار البكتيريا، لذا يقوموا باضافة كميات تتعدى النسبة المسموحة من المواد الحافظة، للقضاء على البكتيريا ووقف انتشارها داخل الأغذية.

أرشيف المصانع أسود
لندعم النتائج التي كشفنا عنها حصلنا على  احصاءات وزارة الصحة لمعرفة حجم مخالفات المصانع الغذائية الفلسطينية والاسرائيلية، علما أن الارقام تشمل جميع مصانع الأغذية الفلسطينية والاسرائيلية، ولا تنحصر فقط في المصانع التي تنتج العبوات الغذائية المعبأة كالحمص واللبنة، ونبدأ بالمصانع الفلسطينية: 

بلغ عدد الإخطارات التي وجهتها الوزارة للمصانع الفلسطينية خلال عام 2015 ، 740 اخطارا، بزيادة اثنين وتسعين اخطارا عن عام الفين واربعة عشر.

حولت الوزارة ستة مصانع خلال عام الفين وخمسة عشر الى القضاء الفلسطيني على خلفية تلوث منتجاتها.

اتلفت وزارة الصحة خلال عام الفين وخمسة عشر قرابة 412 ألف كغم من المواد الغذائية الفاسدة المنتجه عبر هذه المصانع، أي بزيادة قرابة ستة واربعين كيلو غراما عن عام الفين وأربعة عشر.

أما فيما يتعلق بمجموع الفحوصات الكيماوية لعينات المصانع الفلسطينية التي رسبت في فحوصات وزارة الصحة خلال عام الفين وخمسة عشر، فقد بلغت 140 عينة غذائية فاسدة  من أصل 929 عينة عشوائية، بنسبة تلوث بلغت خمسة عشر في المئة.

في حين بلغ عدد العينات الراسبة والملوثة في الفحص الميكروبي للمنتجات الفلسطينية  385 عينة خلال العام ذاته، اي أن نسبة التلوث عشرة في المئة من مجموع العينات المفحوصة.

أما المواد الغذائية المستوردة والتي تشمل المنتج الإسرائيلي فقد وجهت وزارة الصحة 171 اخطارا لمستوردي البضائع الاسرائيلية والأجنبية خلال عام الفين وخمسة عشر، بزيادة واحد وعشرين اخطارا عن عام الفين واربعة عشر.

أتلفت الوزارة قرابة 196 ألف كغم من المواد الغذائية المستوردة خلال العام ذاته، اي بزيادة تقارب المئة واربعة كيلو غرامات عن عام الفين واربعة عشر.

رسبت 50 عينة من أصل 315 بالفحص الكيماوي بنسبة تلوث تبلغ تسعة عشر في المئة، في حين رسبت 25 عينة ملوثة من أصل 1461 عينة بالفحص الميكروبي، اي بنسبة اثنين في المئة للتلوث الميكروبي.

توصيات المواصفات والمقاييس
وأوصى مدير عام المواصفات والمقاييس الفلسطينية حيدر حجة بضرورة ضبط الشروط الصحية بشكل متكامل داخل المنشأة الصناعية، واتباع الممارسات والشروط الصحية لضمان أمن وسلامة الغذاء وذلك للقضاء على البكتيريا داخل الأغذية المعلبة وضمان عدم انتشارها، كما اوصى بالحد من استخدام المواد الحافظة وتقليل فترة صلاحية المنتج لضمان سلامة المواطن.

فيديو التحقيق الإستقصائي المرفق يحوي المزيد من المعطيات والتفاصيل ...

تصميم وتطوير