القدس وذكرى رحيل فيصل الحسيني ... وأزمة القيادة

01.06.2023 02:28 PM

كتب راسم عبيدات: أزمة القيادة في القدس جزء من أزمة القيادة الفلسطينية ومن الأزمة العامة للنظام السياسي الفلسطيني المتفاوتة بشكل نسبي بين تلك الأجسام، ولعل الوضع الخاص للقدس من حيث السيطرة الشاملة لدولة الكيان على المدينة، من خلال تواجدها العسكري والأمني والشرطي والاقتصادي والمدني ومحاربتها لكل مظاهر الوجود والسيادة الفلسطينية في المدينة وسعيها لمنع أي شكل من اشكال تلك السيادة فوقية من خلال السلطة ومؤسساتها أو شعبية عبر القوى واللجان والمؤسسات، او تشاركية بين الجهتين، هذا يستدعي السعي لخلق تفكير ابداعي، لكيفية بناء قيادة فلسطينية مقدسية، كجسم علني على غرار لجنة المتابعة العربية العليا في الداخل الفلسطيني.

ولكي ينجح  ويتطور هذا الجسم ويكتسب شرعيته عليه ان يتحرر من قيود الفئوية والحسابات الضيقة فهناك من سيسعى لمحاربته ليس فقط دولة الكيان وأجهزتها والتي ترى في ذلك تحد لسلطتها وسيادتها على المدينة التي تسعى لحسمها بأعلى قدر من "التوحش" و"التغول" ، والهجوم الشامل على المقدسيين العرب فيها، لكي تحقق تغييراً ديمغرافياً وجغرافياً فيها يمكنها ان تروج للقدس على أنها "عاصمتها الأبدية "،كما تقول المتطرفة الوافدة لفلسطين وزيرة المواصلات الصهيونية ميري رغيف والتي رصدت حكومتها 30 مليار شيكل خلال خمس سنوات لتطوير وخلق شبكة مواصلات عصرية في مدينة القدس، تسهم في تهويدها، وتجعل من المواصلات العامة، وخاصة القطارات والسكك الحديدية أساس تلك المواصلات، والتي ستغذيها بقية وسائل النقل العامة الأخرى.

المتطرفة رغيف تتحدث عن القدس بأنها منذ فجر التاريخ" وقبل ثلاثة الآلاف عام كانت عاصمة لليهود ...وهي تعمل مع كل المتطرفين والفاشية اليهودية، لكي تسلب المدينة هويتها وتاريخها وحضارتها وثقافتها وروايتها، وحتى مقدساتها الدينية، المسجد الأٌقصى. وأن "تستلب" وعي سكانها الفلسطينيين العرب، عبر سعي محموم لدمجهم في مجتمع واقتصاد دولة الكيان...وبما يمزقهم ويفكك هويتهم الجمعية، وينفي وجودهم كشعب، وتحويلهم الى مجرد تجمعات سكانية فاقدة لخصائصها القومية والوطنية والثقافية ....وترى في مؤسسات دولة الكيان، مرجعية لهم ...ولذلك نشهد حملة شرسة على المدينة، لكي تحل كل مؤسسات دولة الكيان في المدينة محل المؤسسات الفلسطينية، وأن تمنع تبلور أي شكل من اشكال السيادة الفلسطينية فيها، وتستخدم لتحقيق ذلك جبروت آلتها العسكرية وأجهزتها الأمنية والمخابراتية والشرطية، والمدنية من بلدية ووزارة معارف ورفاه ومواصلات وشؤون اجتماعية وغيرها، ولذلك رصدت ميزانيات ضخمة لهذا الغرض، لما يعرف بالخدمة المدنية والشرطة والمراكز الجماهيرية وخدمات الرفاه الاجتماعي و"أسرلة" التعليم، واختراق "جدار" وبنية المجتمع والعمل على تفكيكها عبر ربط ذلك بلجان اصلاح وأسرية تابعة لها، تقاد مباشرة من قبل شرطتها، وما نشهده حالياً من "اسرلة" للعملية التعليمية بشكل كامل في مدينة القدس، وطرد وازاحة المنهاج الفلسطيني بشكل كامل أيضاً منها له علاقة بالسيادة، فالمنهاج الوطني شكل من اشكال السيادة، ولذلك واضح بانه في ظل سلطة فلسطينية غارقة في الفساد وعاجزة ومتهالكة، فدولة الكيان ذاهبة لحسم الصراع على هذه الجبهة ..وما شهدناه في العديد من المدارس في مدينة القدس من مظاهر انحرافيه، لها علاقة بـ"تخريب" و"كي" و" تجريف" الوعي، يجب ان يدق ناقوس خطر امام الجميع لكي يتحمل مسؤولياته، فنحن لسنا ضد ان يتعلم طلبتنا في المدارس وبغض النظر عن المرجعية التعليمية اللغة العبرية، ولذك لا يجوز بأي شكل من الأشكال " عبرنة" وعي طالباتنا واستلابه، فهذا من شأنه أن يهز قناعات طلابنا بحقوقهم وهويتهم وانتمائهم، ويستدخل ثقافة " التطبيع" في وعيهم وفكرهم، وهنا تكمن الخطورة ،فقدان خصائص وجودنا القومي والثقافي ،وتحقيق حلم قادة دولة الكيان، بتفكيك وعي طلبتنا والسيطرة على ذاكرتهم الجمعية.

صحيح أنه في عهد القائد فيصل الحسيني التي مرت يوم أمس الذكرى السنوية ال 22 لرحيله، شكل قائد جامع وموحد للطيف السياسي والوطني والمجتمعي الفلسطيني في المدينة، وإمتلك " كرزما" قيادية مكنته من لعب هذا الدور القيادي، عبر التواصل مع الجماهير والوقوف على همومها ومشاكلها اليومية، والسعي الى حلها...ولكن حتى تكون المقاربة القيادية عادلة، فلا بد من القول بأن الراحل الكبير فيصل الحسيني، توفرت له مجموعة من العوامل والظروف، سمحت له أن يلعب ويمارس دوره القيادي هذا، فهناك المقر "بيت الشرق"، وهناك الإمكانيات، وهناك القوى والجماهير الملتفة حوله، ولم يكن "جين" الانقسام قد ضرب الساحة الفلسطينية، وكذلك كان  مقر" بيت الشرق"، المقر السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية ، والذي يتمتع بنوع ما من الحصانة، وهذا سهل العمل والتواصل بين القيادة والجماهير، ولكن  من بعد اجهاض الانتفاضة الأولى، والاستثمار السياسي المتسرع لنتائجها، وتوقيع اتفاق أوسلو الكارثي، والذي رفضت دولة الكيان، على الرغم من كل مثالبه وعيوبه وتداعياته الخطيرة تطبيقه، ولتأتي الانتفاضة الثانية، وشن شارون في أيلول /2000،حرب شاملة على شعبنا الفلسطيني ،"السور الواقي"، وما استتبعها من اغلاق للمؤسسات الفلسطينية، بما في ذلك " بيت الشرق" ،كمقر لمنظمة التحرير الفلسطينية، ومن بعد ذلك تشكلت للقدس العديد من المرجعيات الرسمية ،وزارة شؤون القدس، محافظة مؤتمر وطني شعبي، وحدة الرئاسة في مكتب الرئيس، مسؤول القدس في اللجنة التنفيذية للمنظمة...كل هذا الأجسام الرسمية لم يسمح لها بان تعمل أو تمارس سلطتها وسيادتها ودورها داخل حدود جدر الفصل العنصري في القدس، بل سعت وعملت حكومة الكيان وأجهزة مخابراتها، على معاقبة كل من حاول أن يمارس عمل او دور او نشاط للسلطة أو باسمها في مدينة القدس- داخل جدار الفصل العنصري، وهناك من يقود تلك المرجعيات، من تكيف مع سياسة دولة الكيان، وهناك من تمرد على تلك السياسة ،وتعرض لسلسلة من العقوبات، وحتى لا يتصيد البعض ويحمل الكلام معاني ومقاصد  معينه، نحن لا نشكك  في انتماء أحد او وطنيته.

في ظل الوضع المعقد والمركب الذي يعيشه اهل القدس، والاستهداف الكبير لهم من قبل دولة الكيان، على كل الصعد والمستويات، فأنا أرى ان يتشكل جسم قيادي مقدسي علني شعبي، يتولى المسؤولية عن القضايا المدنية والاجتماعية والحقوقية للمقدسيين، على ان تبقى قضية الحقوق الوطنية السياسية من اختصاص الجهات الفلسطينية الرسمية الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية.

نحن ندرك بأنه لن يكون هناك حصانة او حماية لهذا الجسم القيادي، في ظل حكومة يمين متطرف وفاشية يهودية، تريد أن تقصي وتتخلص من أكبر قدر ممكن من السكان الفلسطينيين من المدينة، والاتحاد الأوروبي وأمريكا وما يعرف بالمجتمع الدولي، لا يمكن التعويل عليهم بدعم هذا الجسم القيادي وتوفير حماية له...ولكن لا بد من اجتراح المبادرات العملية، لخلق جسم قيادي يكون عنوان للمقدسيين ويوحدهم ويدافع عن حقوقهم الحياتية والمعيشية والمدنية، لأن القدس مقبلة على أيام عصيبة جداً.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير