نحو عقد جديد من التعاون الأورومتوسطي
وطن: اجتمع قادة دول حوض البحر الأبيض المتوسط والاتحاد الأوروبي، دولاً ومؤسسات، منذ عشر سنوات في باريس لبحث تعزيز التعاون الإقليمي استناداً إلى عملية برشلونة التي تم تدشينها في منتصف التسعينات، حيث شهد هذا الاجتماع اطلاق الاتحاد من أجل المتوسط.
ويتضح اليوم، بعد مرور عشر سنوات، أن هناك حاجة أكبر للمزيد من التعاون الأورومتوسطي، حيث تشهد المنطقة مرحلة انتقالية شاقة وصعبة. ونقدر أن تنافس القوى في المنطقة وغياب آليات فعالة للحوار والتعاون لن يترتب عليه سوى تفاقم الصراعات الحالية وتأجيج صراعات جديدة. وعليه فان الحاجة ملحة لتعزيز العمل المشترك باعتباره السبيل الوحيد لوضع حد للصراعات، وخلق الوظائف، وتحقيق النمو المستدام لشعوب المنطقة .
وقد كانت هذه المنطقة - الغنية بتاريخها وثقافتها - مهد الحضارات والثقافات النابضة بالحياة، والتي أثرت الحضارة الإنسانية عندما قدمت للعالم الأبجدية، والديمقراطية، والفلسفة، فضلاً عن أول المكتبات والمؤسسات الأكاديمية الكبري في العالم. ومما لا شك فيه أنه لا يمكن تجاهل الثقل الاقتصادي للمنطقة لما تزخر به من ثروات، سواء على صعيد الموارد الطبيعية أو البشرية. وعلى الرغم من ذلك، فقد واجهت هذه المنطقة في السنوات الأخيرة تحديات جمة اثرت سلبا علي فرص استغلال امكاناتها الهائلة.
نعقد اليَوْم في برشلونة المنتدى الإقليمي الثالث لدول الاتحاد من أجل المتوسط على مستوى وزراء الخارجية. ولا شك ان الاتحاد من أجل المتوسط يعد منبرا فريدا للحوار، وهو الحيز الوحيد الذي تستطيع فيه كافة دول المنطقة، شمالا و جنوبا وعلى قدم المساواة، ان تمضي قدما في التركيز على مصالحها المشتركة في تحقيق الأمن المستدام والتنمية البشرية من خلال التعاون في إطار عدد من المشروعات المشتركة.
ويعد التنوع الفريد لمنطقتنا هو جزء من ثرائنا، فلا شك ان هذا التنوع الذي قد يمثل للبعض تحدي يعد في الواقع فرصة يجب استغلالها. وهناك العديد من نقاط التماس التي توحدنا أكثر من تلك التي قد تدفع لتشتيت جهودنا. فعلى الرغم من الانقسامات العرقية والثقافية والدينية، فنحن نسعي جميعا لمواجهة خطر الإرهاب والتطرف، وإيجاد حلول سياسية للأزمات، في سوريا واليمن وليبيا وأماكن أخرى في الشرق الأوسط، للحد من المعاناة والحروب وما خلفته من دمار وخسائر في الأرواح البشرية، كما أننا عازمون على حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي على أساس حل الدولتين باعتباره السبيل الوحيد للأمن والسلام الشامل، كما اننا نتطلع جميعاً إلى التعامل مع قضايا الهجرة بطريقة أكثر استدامة وإنسانية، سواء بالنسبة للمهاجرين الذين يتركون بلادههم أو في المجتمعات المستضيفة لهم، كما نشترك في الاهتمام بالاستثمار في شبابنا، وتوفير فرص التعليم والوظائف الجيدة للجميع.
وقد أثبتت التجربة أن السياسات الوطنية وحدها لم تعد قادرة على التصدي للتحديات الإقليمية الجديدة التي شهدتها المنطقة بشكل فعال، مما يستوجب اتباع نهج إقليمي يتسم بالتنسيق والاتساق والشمول.
ويعد هدفنا الأساسي هو وضع شعوب المنطقة في صدارة تعاوننا الإقليمي، حيث نعمل معاً على الاستجابة لتطلعات الشباب ومنحهم الفرص التي يستحقونها من أجل مستقبل أفضل، وخاصةً أن العواقب الوخيمة للتطرف والفقر والصراع لا يقتصر اثرها على المدى القصير، بل يمتد أثرها المدمر للأجيال القادمة. وعلى الرغم من أننا لا نزعم أننا قادرين على التوصل لحلول لكافة التحديات، إلا أننا يجب أن نكون أكثر جرأة في استكشاف سبل جديدة لمعالجة هذه التحديات المشتركة سوياً.
وفي هذا السياق المعقد، عمل الاتحاد من أجل المتوسط بشكل مكثف في عدد كبير من القطاعات، حيث أنشأنا جامعات أورومتوسطية لتنشئه جيل جديد من الشباب لديه رؤية شامله للمنطقة الآورومتوسطية، كما وفرنا الفرص والتدريب لأكثر من 100.000 شاب وشابة ودعمنا تطوير ما يزيد عن 800 من المشروعات الصغيرة والمتوسطة. وقد اجتمع وزراء الاتحاد من أجل المتوسط في عدد كبير من مختلف القطاعات للعمل سويا في مجالات متنوعة، من ضمنها النقل والموصلات والتنقل، وتمكين المرأة، وتغير المناخ، والطاقة المتجددة، وحماية البيئة، وإدارة الموارد، والربط الإقليمي للبنية التحتية، والتنمية الحضرية. وقد عزز هيكل وأسلوب إدارة الاتحاد من أجل المتوسط، برئاسته المشتركة التي يتولاها الأردن والاتحاد الأوروبي، من مفهوم المسؤولية المشتركة بين مختلف الشركاء، كما كان التزام وتفاني الأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط تجاه قضية وأهداف المنظمة عنصرين هامين لتحقيق ما تم إحرازه من تقدم في العمل الأورومتوسطي من خلال إطلاق مبادرات ومشروعات ملموسة ذات نتائج حقيقية على أرض الواقع.
نحن على ثقة من أن الاتحاد من أجل المتوسط سيواصل جهوده لتنفيذ برنامج أعماله الإيجابي بأسلوب يتسم بالبراجماتية مستفيداً من تنوع الخبرات والثروة البشرية والدعم السياسي المستمر من الدول الأعضاء، وما تراكم خلال الفترة الماضية من دروس مستفادة في العمل الإقليمي. وختاماً، رغم اننا ننظر بواقعية لصعوبة الوضع في المنطقة الا ان هذا لا يعني الاستسلام والرضوخ للفوضى، وكما يقال "فان سلوك كل فرد من شانه ان يؤثر في مصير الجميع" أكثر من أي وقت مضى