نبيل عمرو يكتب لـ وطن: أما آن لهذه الملهاة ان تتوقف؟

19.06.2016 10:49 AM

إذا كان الانقسام هو بمكانة الاحتلال والاستيطان في حياتنا ، فإن الملهاة وهي كلمة مخففة عن المهزلة، تكمن في الطريقة التي نعالجه بها ، وهي طريقة متكررة على مدى أكثر من تسع  سنوات ...

التنقل من عاصمة الى اخرى، والاقامة في فندق ثم آخر، والشرط الذي لا تنازل عنه هو ان يكون من نادي الخمسة نجوم، ثم الجلوس خلف موائد المضيفين ، والظهور وراء رزمة ميكروفونات للقول اننا قطعنا شوطاً مهما نحو المصالحة ، وسنعقد مباحثات جديدة لتحديد موعد جديد لاجتماع جديد نستكمل فيه ما تبقى من ملفات ، وفي اليوم التالي يخرج الناطقون بجملة واحدة لم تتغير ... " ان هذا الفريق هو المسؤول عن الفشل، ويرد عليه الفريق الاخر بالمثل.

ابطال الحكاية هم المقاولون الذين وصلوا حد الاحتراف ، ويتميزون عن باقي خلق الله بأنهم كلما فشلوا طال عمرهم في المهنة ، ولِمَ لا ما دامت المصالحة اتخذت طابعا سياحيا صرفاً بشهادة الفنادق والمطاعم وشركات الطيران.
قلة قليلة من الفلسطينيين ظلّوا يتابعون هذه الملهاة المتكررة وأنا منهم بكل أسف، أما الغالبية العظمى من الفلسطينيين فقد أدارت الظهر نهائياً لهذه الملهاة ولم تعد تتابع اخبارها من قريب او من بعيد .

لم يفعل الفلسطينيون ذلك تقصيراً منهم في متابعة شؤون وحدتهم، فهم يدركون بالتجربة الطويلة والمريرة، انه بلا وحدة وطنية فلا أمل ببلوغ حل مشرف للقضية الفلسطينية ، إلا انهم وبعد سنوات طويلة من الانقسام الكياني والجغرافي ورؤيتهم لكيفية المعالجة يئسوا من تحقيق نتيجة معقولة وانصرفوا والمرارة تملىء قلوبهم نحو حياتهم الخاصة .

الانصراف الشعبي عن ملهاة السعي العابث تحت عنوان انهاء الانقسام ، ربما يكون هو الاخطر من كل الظواهر التي افرزها ، ذلك أن اليأس من توحيد الوطن والشعب ، لابد وان يفضي الى يأس من التحرير واقامة الدولة ، وهذه علّة لم تصب بها الروح الفلسطينية منذ بداية القضية وحتى في أخطر فصولها ومنعطفاتها ، كما أن الطريقة المأساوية المعتمدة لانهاء الانقسام، أظهرت بكل وضوح ضعف جدارة الطبقة السياسية الفلسطينية في ادارة القضية ، خصوصا ونحن نمر بأهم فصولها والذي من المفترض ان نحصل فيها على دولة تكون تتويجا لنضالات طويلة الامد وتضحيات غزيرة لا حصر لها .

الانقسام المتمادي والخفة في معالجته لو استمر، فسوف يستبدل زخم التقدم نحو الدولة الى التراجع المأساوي بعيدٍ عن بلوغها ، فهل يدرك سدنة الانقسام هذا البعد ، واذا لم يدركوا بعد تسع سنوات من العبث فمن أين نأتي لهم بمصداقية القيادة في أمر الحرية والاستقلال؟

ان الذين يفشلون عادة لا يحصلون على مكافأة الاستمرار في الواجهة، بل يتنحون لافساح المجال لغيرهم لعلهم ينجحون، وما اقصده بغيرهم ليس افرادا فنيين يعيدون دورة الفنادق والعواصم والمطاعم  ، بل طبقة سياسية جديدة لا شرعية ولا مصداقية لها الا اذا خرجت من صندوق الاقتراع الذي هجرناه سنوات طويلة واستبدلناه بخصومات الفصائل .

هذا هو المخرج الارقى والاقرب الى النجاح ، وهو ليس اختراعا فلسطينيا بقدر ما هو السلوك الوحيد للكيانات كي تفرز قيادات افضل.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير