الاهتمام البيئي كأولوية للتنمية وللتقدم الاقتصادي؟ بقلم: الدكتورعقل أبو قرع

06.11.2014 08:27 AM

وطنحين تكون مصادر او عوامل الانتاج، من مياة ومن ارض ومن حيز صالح للانتاج، هي مصادر محدودة، وحين تكون المساحة الجغرافية ضيقة وكذلك متنازع عليها، وحين تكون كثافة البشر في تلك البقعة مرتفعة وربما من اعلى النسب في العالم وخاصة في قطاع غزة، وحين يكون ازدياد البشر وبالتالي نشاطات البشر وما ينتج عن ذلك من نفايات وبانواعها في تصاعد مستمر، وحين يكون كل ذلك متواجد في بيئتنا الفلسطينية، فأن العمل من اجل حماية البيئة هذه الايام وللاجيال القادمة، ومن اجل التمية والبناء والتقدم، ومن اجل الاستثمار الذي يحتاج الى كل ذلك،  يعتبر اولوية وطنية، سواء اكان على الصعيد الرسمي، او من خلال منظمات المجتمع المدني، او من خلال الجامعات والمدارس والبلديات، وصولا الى المواطن الفلسطيني.

وفي العديد من الدول التي نمت وتنمو بشكل سريع، مثل الصين والهند والبرازيل وجنوب افريقيا وتركيا وغيرهما، بدأت هذه الدول تلمس الاثار الكارثية على البيئة وعلى مصادرها، فنفايات المصانع ودخانها والمخلفات العشوائية للبنايات ادت الى تلوث الهواء والمياة والتربة، حتى بات لا يمكن السير في شوارع بعض المدن الصينية مثلا، بدون كمامات، او شرب المياة الا معبأة او بأستخدام الفلتر، والوضع نفسة في الهند والبرازيل، حيث يمكن ملاحظة الاثار البيئية والصحية الوخيمة التي احدثها ويحدثها الاستخدام المكثف للمواد الكيميائية في الزراعة من مبيدات واسمدة وبلاستيك، واصبحت ولاية البنجاب الهندية مثلا، التي تعتبر السلة الغذائية للهند، اي السلة المتوفرة والقادرة لاطعام اكثر من الف مليون انسان في الهند، اصبحت تنتشر فيها امراض السرطان والتشوهات الخلقية والامراض العصبية والعضالة، بشكل يهدد اي تنمية او بناء او تقدم؟ 

وفي بلادنا، سواء اكان في المدن اوفي القرى، ما زلنا نشاهد من يرمي النفايات وبانواعها في الشوارع، وما زلنا نرى رمي النفايات من السيارات، وما زلنا نرى النفايات يتم حرقها في الاماكن العامة، وما زلنا نستخدم المبيدات الكيميائية بشكل مكثف ولا نلتزم بما يعرف بفترة الامان للمبيد، ونقطف المحصول ونبيعة الى المستهلك مع ما يحوية من مواد كيميائية، ، وما زلنا نرى الارقام التي تشير الى التصاعد المستمر في نسبة الامراض المزمنة عندنا، وبالاخص امراض السرطان؟

وما زالت مياة المجاري وليست فقط المياة العادمة المكررة، تصب في المناطق المفتوحة، وربما تستخدم لري بعض المحاصيل التي في المحصلة تصل الى افواة المستهلك، وفي قطاع غزة، اصبحت المياة الجوفية مالحة وربما ملوثة وما زالت التقارير المحلية والدولية، تشير الى ان اكثر من 95% من المياة في غزة هي مياة ملوثة، وبالاضافة الى ذلك ما زالت المستوطنات الاسرائيلية تساهم بشكل او باخر في تلويث وتحطيم البيئة الفلسطينية، حيث ما زلنا نسمع عن مجاري المستوطنات والمياة العادمة تصب في قرى سلفيت وبيت لحم والخليل ورام اللة؟

وفي ظل هذا الواقع البيئي، وفي ظل الحديث عن التنمية وبأنواعها وخاصة المستدامة، وفي ظل الحديث عن التغيرات المناخية وتقلبات الجو وارتفاع درجة الحرارة واحتمال التصحر، وفي ظل الحديث عن الخطط الاستراتييجية وبانواعها، فان العمل من اجل حماية البيئة الفلسطينية وبشكل مستدام، من مياة وخاصة الجوفية، ومن هواء ، ومن تربة زراعية ، ومن منتجات زراعية وغذائية، يعتبر اولوية وطنية تتطلب تضافر الجهود والطاقات على كافة الاصعدة، وتأخذ عدة مسارات ووسائل.

فالمطلوب تفعيل واعطاء الاهمية الكافية سواء المالية او الادارية او الفنية المتخصصة، او حتى من خلال المراقبة والمتابعة ل " سلظة جودة البيئة الفلسطينية"، وبأن تأخذ سلطة البيئة زمام القيادة من اجل لم وحشد وتنسيق طاقات وامكانيات الوزارات والمؤسسات الرسمية العاملة في مجال حماية البيئة، من وزارات الصحة والاقتصاد والمواصلات والزراعة والعمل وسلطة المياة والطاقة، وغيرهما، بشكل يجعل الاستفادة من ادوارهم  من اجل خدمة الموا طن الفلسطينية وحماية البيئة الفلسطينية في الحد الاقصى.

والمطلوب كذلك من سلطة البيئة، الجهة الرسمية او العنوان الرسمي لحماية البيئة الفلسطينية، ان تأخذ دورا اكبر في معرفة اعمال وبرامج وامكانيات المؤسسات غير الرسمية، من منظمات غير حكومية او اهلية او جامعات او مراكز ابحاث او خدمات، العاملة في مجالات البيئة وبانواعها ، وان تعمل على تنسيق وترشيد اتفاقيات ومشاريع وبرامج هذه الجهات مع الجهات المانحة، سواء اكانت دول او منظمات دولية تتبع الامم المتحدة او اوروبا او غيرها من التجمعات الدولية او الدول منفردة، بشكل يتم انفاق هذه الاموال والتي تسجل تحت بند دعم الشعب الفلسطيني في مجال البيئة، في الاطار الصحيح وللاستفادة القصوى، ولكي تصب في  اطار الاحتياجات الحقيقية للبيئة الفلسطينية.

ونحتاج الى تطبيق حازم للقوانين الفلسطينية المتعلقة بحماية البيئة، سواء اكان قانون البيئة الفلسطيني لعام 1999، او قانون الصحة المتعلق بالبيئة، او قانون حماية المستهلك الفلسطيني، بشكل يعطي الغرض من اصدارة، وبأن يتم محاسبة وبشكل رادع من يلوث البيئة بالنفايات الصلبة، او بالمياة العادمة، او من يلوث الهواء بالغازات والمواد الكيميائية، او يلوث المياة الجوفية بالاسمدة، او يلوث المنتجات الزراعية بالمبيدات، وما الى ذلك، وبحيث تطبق القوانين بأيدي الشرطة او سلطة البيئة او البلديات والهيئات المحلية.

ونحتاج الى خطة عمل بيئية وطنية، تعتمد على الحقائق لتحديد متطلبات التدخل، وهذا يعني اجراء الفحوصات لعينات بيئية من خلال مختبرات مؤهلة سواء اكانت تتبع جهات رسمية او غير رسمية، ومن خلال دراسات تقييم علمي وموضوعي للاثر البيئي لمشاريع او لاعمال يمكن ان تؤثر على البيئة، ومن خلال تفعيل المراقبة والمتابعة لقضايا بيئية، ومن خلال تفعيل العلاقة والتواصل مع المواطن الفلسطيني الذي هو الاساس في العمل من اجل حماية البيئة التي فيها يحيا.

والمطلوب النظر الى البيئة الفلسطينية بشكل اوسع ومن خلال اهمية التعاون في مجال البيئة وحل قضاياها مع المحيط العربي الذي نحيا فية، حيث ان مشاكل البيئة لا تعرف الحدود، والاستفادة كذلك من خبرات المنطقة، سواء في مجال المياة او الهواء او التصحر والانتاج الزراعي او التخلص من النفايات، وهذا يعني وجود علاقات تعاون عربية ودولية، والاستفادة من البرامج الدولية وتأطيرها لحماية البيئة الفلسطينية.

ونحتاج الى بناء ثقافة حماية البيئة وبشكل مستدام، وهذا يتطلب التركيز على تنمية الوعي البيئي، في المدارس والجامعات وفي المصانع وورشات العمل وفي الحقول الزراعية، ويتطلب الاستثمار وبشكل عملي في التعليم البيئي وخاصة في الجامعات، بشكل يلائم احتياجات البيئة الفلسطينية، والتعاون مع مراكز الابحاث البيئية في جامعاتنا من اجل ايجاد حلول لمشاكل البيئة المحلية، وكذلك الاستخدام الاكثر للاعلام  وبأشكالة في مجال البيئة، والاهم ترسيخ مفاهيم البيئة واهمية حمايتها وفهمها كاولوية وطنية، ليس فقط تعتمد عليها اي خطة تنمية بشرية او اقتصادية، ولكن لا يمكن العيش حياة سليمة عادية في هذه البيئة اذا كانت ملوثة او غير محمية من التلوث.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير