هل سمعت بالفدائي الذي...؟

18.07.2014 02:03 AM

وطن - كتباحمد جميل عزم:  هل سمعتم بالفدائي موسى جمعة الذي مكث تحت أنقاض فندق سافوي العام 1975، ثم عندما جاء ضباط وجنود الاحتلال يتفقدون الموقع انبثق مجددا يطلق رصاصه؟ هل سمعتم بقلعة شقيف، في جنوب لبنان، والفدائيين الذين كانوا يختبئون تحت الأرض حتى يباغتوا العدو في مقتل؟

هل سمعتم بزوربا اليوناني؟ كان إذا داهمته مصيبة رقص، ورقص. ثم تُواجهه مصيبة جديدة، فيرقص. وتناقل الناس نغماته وخطواته، فصار طقساً جماعيّاً للخروج من الكوكب الأرضي نحو العُلا.

في غزة رقص الدّم ورقص؛ فدائي أرسل من تحت الرُكام استغاثة إلى "الضفة"، فماذا يريد؟

تكون ابن ستة أعوام، فتجد متعةً في اللعب في حافلة مهجورة. ولأنّ عند الإنسان استعداداتٍ واهتماماتٍ تتباين، تَشُّدُك شبكة أجهزة الصوت. وتمضي للبيت. وفي غزة، تغازل البحر الأبيض المتوسط، رغم الاحتلال، والبحر مليء بالحلم. تَذهَب ولا تستطيع أخذ الأجهزة فوزنها أثقل منك، ولكن يكون قد مسّك مَسٌّ من حُلُم.

تكبُر ويتغير العالم.. تعيش حروباً يشّنها العدو، وانشقاقات الصفوف بين أبناء الوطن الواحد، والقضية الواحدة فقط. ولكن تعيش أيضاً انتقال العالم من عصر الميكانيك والكهرباء، إلى عصر الديجيتال واللوحات الإلكترونية.

يتعولم الحلم: يقوم المتخصص في شؤون الاتصال والتكنولوجيا، صبري صيدم، الذي أشعر أنّه في كثير من السياقات يفضل هذا التعريف من ضمن تعريفات متعددة لمواقعه السياسية والعامة، بتدريس طلبة الجامعات كيف يحولون أفكارهم إلى مشروعات، ويدعو مخترعين وممولين وأصحاب خبرة وتجربة من فلسطين والعالم ليستمعوا لهذه الأفكار وتقديم النصح والتمويل أحياناً. وفي السياق، باتت هناك كل عام احتفالية في أكبر فنادق رام الله، تسمى "احتفالية الإبداع"، لا تقل ألقاً عن احتفاليات "محبوب العرب" (آراب أيدول) للغناء، إلا أنّها تعرض لأفكار إبداعية واختراعات لشبان وشابات فلسطينيين أمام جمهور حاشد، ولجنة تحكيم، ومستثمرين، ضمن مبادرة عالمية عنوانها "شركاء من أجل بداية جديدة" (PNB)؛ في العام الماضي رأيتُ فيها رجل أعمال هاجر أجداده من فلسطين إلى أميركا اللاتينية، جاء ليتبنى خمسة مبدعين فلسطينيين.

جاء صاحب حلم الحافلة نفسه من غزة، يحمل مشروعه في اللوحات الإلكترونية.
أهالي غزة يترقبون الموت ما بين قصف وقصف. تبحث أمّهات وآباء عن نتائج الثانوية العامة لأبنائهم، إلا أنّ الأبناء قد استشهدوا.

أرسل محمد إلى صَيدَم يقول: "كانت أهم مراحل حياتي لما طلعت على الضفة وقابلتكم وشاركت في احتفالية الإبداع واللي من خلالها حققت حلمي في إنشاء شركة تقنية بتقوم بتصنيع المعدات والأجهزة الالكترونية "شركة مهام" (MHAM)، وأنا شاركت الاحتفالية باسم (Greentech)". ويكمل: أصبح الحلم حقيقة، والإقبال على مشروعي في غزة أكبر مما تخيلت، فأنا الوحيد الذي أقدم هذه الخدمة، أخدم الصناعيين، والتجار، والمزارعين.

محمد مطر، يرسل وصيته متحسّباً من نهاية حياته؛ فمنزله مهدد بالقصف كما غيره، ويقول: "إذا كنا من أهل الجنة، فإنّي أرجو أن لا تنتهي الشركة بنهايتي. أريد أن تستمر في تقديم الخدمة نفسها للمجتمع بعد وفاتي، وذلك بأن يتملكها البنك صاحب رأس المال الذي مولني ولم أسدد له بعد أي دفعة من قيمة القرض، أو تتملكها مؤسستكم الموقرة (PNB)، كونها الجهة التي رأت الشركة النور من خلالها. أرجو اختيار الأنسب قانونيا وإدارياً، مع المحافظة على نفس العاملين فيها (محمود وأكرم)، والمحافظة على خدماتها ذاتها". ويختتم محمد: "وأرجو أن تقوموا بالدعاء لي بالخير كلما حققت فلسطين إنجازاً علميّاً أو تقنيّاً".

تتصل إذاعة بمحمد بعد هذه الوصية، فيخبرهم أنّهُ يفكر الآن في التطوير والانطلاقة الجديد للمشروع. ويعلق صيدم للإذاعة: "عندما تسمع لشاب فلسطيني يقول من تحت النيران أني قد وصلت لخط الموت، أما وأني لم أمت، أعود للحياة من جديد بصورة أقوى وإصرار أكبر، وهذه المحنة لم تزدني إلا تأكيداً على ضرورة التركيز على حيز الإبداع بطاقة أكبر، وسأعود...".  
لعل صبري ومحمد يقولان ما قاله ياسر عرفات يوماً: "الضربة التي لا تقتلني تقويني".
وهو طائر العنقاء.. الفينيق ينتفض من تحت الرماد...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير