اليوم التاسع والخمسون بعد المائة لحرب الإبادة على غزة، 13 مارس 2024

زينب الغنيمي تكتب لوطن :ممرُّ مائي بين قبرص وغزة: ما الهدف؟ مساعدة الفلسطينيين أم مساعدة الصهاينة؟

18.03.2024 12:50 PM

ما الذي تريده الولايات المتحدة الأمريكية من الشعب الفلسطيني بتنفيذ مسرحية الممر المائي، هل فعلا تريد تقديم مساعدات تُسمّى "إنسانية"؟ وما هي طبيعتها؟ هل هي مواد غذائية لسدّ جوعهم؟ أم مساعداتٍ للسكان على الهجرة نحو دول أوروبية؟

هل أصبحت أمريكا فجأةً حنونة وتُشفق على أهالي غزة الذين فقدوا كلّ شيء بسبب العدوان الصهيوأمريكي، والذي نفذته حكومة الحرب الصهيونية ودعمته الإدارة الأمريكية بكلّ قوّتها المادية والعسكرية والمعنوية ومازالت، حيث لم يعد لدى الغالبية من سكان مدينة غزة وشمالها أيّ شيء: لا العائلة ولا الأصدقاء، ولا العمل، ولا البيت، ولا الأمن ولا الأمان. ولم يعد لهم في غزة ما يربطهم بها سوى الألم والحسرة والمرض والفقر والجوع، حتى أنهم فقدوا الأمل في أن يتحقق أيٌّ من أحلامهم وأمنياتهم بالعيش بكرامة، ممّا سيُضطرّهم للبحث عن البدائل للظفر بحياتهم، ولربما ستستقبلهم السفن الأمريكية بالترحاب لنقلهم للخارج ضمن وعودٍ كثيرة لحياة أفضل.

وهكذا يتمّ تفريغ مدينة غزة وشمالها ممن تبقّى من المواطنين الفلسطينيين، ضمن المخطط الصهيوأمريكي، بإجبار السكان على الهرب من القصف المستمر على المناطق بشكل مفاجئ هنا وهناك، أو القتل والخطف والاعتقال من خلال القوات الخاصة الصهيونية التي باتت تتجوّل في أحياء غزة ليلا وفي ساعات الفجر، أثناء انشغال الناس بانتظار المساعدات على شارع الرشيد أو عند دوار الكويت والتي لا تأتي بشكلٍ منتظم حتى.

انتشرت شائعةٌ قوية أن الطائرات الأمريكية ألقت أحذيةً بلاستيكيةً (شباشب) بالمظلّات على شاطئ بحر غزة مساعدةً للناس كي يتمكّنوا من السير بها على رمال شارع الرشيد أثناء النزوح إلى الجنوب. وأنا لا أستبعد صحة الشائعة، خصوصًا بعد أن أرسلت الدول طيلة الشهور الفائتة الأكفان في شاحنات المساعدات لدفن الموتى بدلا من وقف القتل والموت، فلم لا تُرسل أمريكا الأحذية المائية لمساعدة الناس على الفرار من الموت لتفريغ القطاع من سكانه.

وتستمر مهزلة إنزال المساعدات من الجو بالمظلّات، وكما حدث بالأمس فإن الأطفال عِوضًا عن استقبال وجبة طعام أو علبة حليب، تسقط على رؤوسهم الصناديق من الجو لتقتلهم بعد فشل فتح المظلات. واليوم تتكرّر المهزلة بكارثةٍ جديدةٍ بسقوط المظلات بالصناديق فوق المشفى الأهلي المعمداني لتدمُّر ألواح الطاقة الشمسية.

أما ما تحمله المظلات عدا عن فوط الأطفال والفوط الصحية النسائية، وبعض الكيلوات من الطحين والأرز، فقد باتت تحمل وجباتٍ مطبوخة تكفي الواحدة منها لشخصٍ واحد، وقد قال لي السائق اليوم أنه حصل على وجبة طعام أردنية مما تلقيه  الطائرات محتواها المجدرة مع صدر دجاج، وقال إن جاره كانت وجبته عبارة عن كرات من الكفتة مع صوص البندورة ورغيفان من الخبز.

هذا ورغم الصيام خلال الأيام السابقة يستمر الناس يوميًا بانتظار أن تلقي الطائرات فوق رؤوسهم ما يسدّ جوعهم، وغدا سوف يهرعون إلى الشاطئ بانتظار القوارب التي تحمل مساعدات السفن الأمريكية، والتي نأمل ألّا تكون شباشب بلاستيكية، ونأمل أيضًا ألّا تعود القوارب بعد إنزال ما فيها مُحمّلةٌ بالناس لمساعدتهم على الهجرة أو بالأحرى تهجيرهم.

وفي زحمة كل ما يجري في غزة حولنا، حدث ما هو مُهمٌّ، وهو أنني حصلت على علبة حليب لمساعدة التوائم الثلاثة الذين لجأ لي والدهم لمساعدته، وقد أعطتني إياها قريبتي التي بلغت ابنتها أربعة شهور، حيث اعتبرت أن الأطفال حديثي الولادة أحقّ بالعلبة الصغيرة من طفلتها، وغدًا سيتسلم والدهم علبتين أُخريين من أحد الأصدقاء الذي تمكّن من الحصول عليهما. ولعلّ هذا التضامن بين الناس برغم المحنة الشديدة هو ما يدفعني للتفاؤل بأنّ الخير قادمٌ لا محالة.

زينب الغنيمي، من مدينة غزة تحت القصف والحصار

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير