عندما تتحول الكوفية الفلسطينية إلى رمزٍ عالمي!!

21.12.2023 11:45 AM

 كتب د. محمود الفطافطة: ما أن بدأت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة تأخذ اسبوعها الأول؛ لنجد اقبالاً واسعاً، وغير مسبوق، على شراء وارتداء العديد من الرموز التراثية والوطنية الفلسطينية حول العالم.

ومن أهم هذه الرموز العلم الفلسطيني والكوفية؛ إذ أنهما يُعبران عن الهوية الفلسطينية، والنضال الوطني والتحرري للشعب الفلسطيني.
وما أن بدأت هذه الإبادة المريعة ضد أهلنا في القطاع حتى شاهدنا أعداداً كبيرة من أبناء الدول، سواءً في العالمين العربي والغربي، يتهافتون إلى شراء العلم والكوفية؛ وذلك انطلاقاً من التضامن مع هذا الشعب الذي يواجه ضد أبشع احتلال عرفته البشرية.
وعلى هذا النحو، فقد أصبح العلم الفلسطيني والكوفية الفلسطينية من أشهر الرموز في العالم، حيث رأينا الآلاف من المتضامنين الأجانب في الدول الغربية وسواها يرتدون الكوفية ويرفعون العلم الفلسطيني في مسيراتهم واعتصاماتهم المؤيدة لشعبنا الشعب، والرافضة للمذبحة النازية المتواصلة بحق الأهل في القطاع.
إن هذه الكوفية التي أصبحت رمزاً للقومية الفلسطينية، يعود تاريخها إلى ثورة فلسطين 1936. وفي ذروة ثورة فلسطين الكبرى عام 1936 تنبه الفلسطينيون أن السياسة البريطانية تُميز بين سكان المدن وبين سكان القرى، فكان البوليس يتعمد توقيف لابسي الكوفية، وهو لبس القرويين، واذلالهم؛ فيما يتجنب لابسي الطربوش وهم من المدنيين.
في أواخر شهر آب من عام 1938 جاءت الخطوة الثورية التي ستغير المعادلة، حيث أصدر بعض القادة العسكريين من سكان القرى، وعلى رأسهم الشهيد يوسف أبو درة والمناضل الراحل عارف عبد الرازق، بيانات وُزعت في المدن الفلسطينية تأمر بنزع الطربوش واعتمار الكوفية والعقال بدلاً منها، فقط، لخلق نوع من المساواة الاجتماعية والثورية بين الفلسطينيين. فرد بعض الحكام العسكريين البريطانيين ببيانات أخرى تأمر بمنع اعتمار الكوفية، لكن الغلبة كانت للأخيرة. هكذا انتهى عصر الطربوش في فلسطين، وهكذا صارت الكوفية رمز الثورة الفلسطينية.
ارتبط اسم الكوفية بالكفاح الوطني منذ ثورة1936 في فلسطين، حيث تلثم الفلاحون الثوار بالكوفية لإخفاء ملامحهم أثناء مقاومة الإمبريالية البريطانية في فلسطين، بهدف تفادي اعتقالهم أو الوشاية بهم. ثم وضعها أبناء المدن بأمر من قيادات الثورة آنذاك، وكان السبب أن الإنجليز بدأوا اعتقال كل من يضع الكوفية على رأسه ظنا منهم أنه من الثوار، فأصبحت مهمة الإنجليز صعبة باعتقال الثوار بعد أن وضعها كل شباب وشيوخ القرية والمدينة.
كانت الكوفية رمز الكفاح ضد الانتداب البريطاني والمهاجرين اليهود وعصاباتهم، واستمرت رمزاً للثورة حتى يومنا هذا، مروراً بكل محطات النضال الوطني الفلسطيني. ومع انطلاقة الثورة الفلسطينية المعاصرة في النصف الثاني من ستينيات القرن الماضي كانت الكوفية مقرونة بالفدائي مثل سلاحه، وكان السبب الرئيسي، أيضاً، لوضع الكوفية هو إخفاء ملامح الفدائي.
منذ ذلك الوقت اقترنت الكوفية عند شعوب العالم باسم فلسطين ونضال شعبها، وقوي هذا الاقتران أثناء الانتفاضة الأولى عام 1987، وصولا" إلى الانتفاضة الثانية عام 2000، وحتى الآن ما زال المناضلون يضعون الكوفية للأسباب ذاتها والأهداف التحررية ذاتها التي وضعها من أجلها الثوار عام 1936. ازدادت بروز الكوفية خلال الستينيات مع بداية حركة المقاومة الفلسطينية واعتمادها من قبل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات.
عالمياً اكتسبت الكوفية شعبية بين الناشطين الذين يدعمون الفلسطينيين في الصراع مع إسرائيل وهو رمز التضامن الفلسطيني. وقام الناشطون الأوروبيون بلبس الكوفية.
في عام 2006 ألقى رئيس الوزراء الإسباني (خوسيه ثباتيرو) خطاباً انتقد فيه إسرائيل بشدة ثم قبل كوفية أحد الجمهور وأخذت له صورة وهو مرتديها.
في عام 2007 توقفت سلسلة متاجر الملابس الأمريكية "تجار الملابس في المناطق الحضرية" عن بيع الكوفية بعد قيام "نشطاء مؤيدين لإسرائيل بالشكوى من هذه المواد" وأصدر المتجر أيضا بيانا مفاده أن الشركة لم تكن تنوي أن تعبر عن أي تعاطف أو دعم للإرهابيين ببيع الكوفيات وسحبها.
هاجمت مغنية الراب والهيب هوب البريطانية الفلسطينية شادية منصور الاستيلاء الثقافي على الكوفية ودافعت عنه باعتباره رمزاً للتضامن الفلسطيني في أول أغنية واحدة لها هي الكوفية العربية. وقد ارتدت ثوبا فلسطينيا تقليديا وأعلنت في أغنيتها على مسرح في نيويورك: "يمكنك أن تأخذ فلافل وحمص بلدي ولكن اللعنة لا تلمس كوفية بلدي".
خلاصة القول: مثلت الكوفية الفلسطينية، تراثاً وطنياً ونضالياً للشعب الفلسطيني، سيما لدى الثوار، قادة وجنوداً، ومن ثم ليتمدد هذا التراث على عموم أبناء الشعب الفلسطيني، ويتجاوز ذلك إلى عموم العالم الذي أخذ كثيرٌ من أبنائه، رجالاً وشباباً، ذكوراً ونساءً، يفخرون بهذا الزي الفلسطيني الذي يمثل أعدل وأطهر قضية حق في التاريخ المعاصر.
ورغم الاهتمام للكوفية الفلسطينية، في بعض الفترات، إلا أن أهميتها بقيت محافظة على أهميتها راهناً، وها نحن نجدها تعود إلى صدارة الاهتمام غير المسبوق جراء الزخم الثوري والانتماء القيمي والأخلاقي للقضية الفلسطينية ولشعبها المناضل، وهذا ما نجده بصورةٍ مشرفة ومقدرة من قبل الكثيرين من أبناء العالم الغربي الذين أخذوا يكشفون زيف ادعاءات وخرافات أنظمتهم السياسية بأن المقاومة الفلسطينية هي إرهاب وعنف.
هؤلاء الشباب، وسواهم، يؤكدون أن قضية فلسطين قضية حق وعدالة، وأن ارتداء هذه الكوفية، كرمز لشعب يناضل من أجل تحرير أرضه وحرية شعبه، يُمثل تضامناً واجباً، والتزاماً أخلاقياً مطلوباً نحو شعبٍ لا يزال يدافع عن كرامته وأرضه منذ سبعة وعقود نيف.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير