الأكياس البلاستيكية مع منال البطمة تذهب إلى الفن بدلًا من الحاويات

19.07.2023 03:33 PM

وطن- حسناء الرنتيسي

"من قال إن الحلي يجب أن تكون من الذهب، بالمهارة والحنكة والحب الكيس بيقلب ذهب".. حقاً ليس هناك ما يلّخص درجة إيمان "منال البطمة" بفكرة إعادة تدوير الأكياس البلاستيكية؛ أكثر من تلك العبارة.

فمنذ طفولتها، وجدت منال نفسها مشدودةً للبيئة وكيفية الحفاظ عليها، ولطالما حاولت البحث عما يحميها ويقلّل من الأعباء عليها بالسيطرة على ممارساتها الفردية، بدءًا بالامتناع عن إلقاء النفايات على الأرض، ثم أخذت آفاقها تتطور، وقررت أن تنفع الناس في هذا الشأن بأن تكون طرفًا فاعلاً يسعى بكل الطرق لتقليل استهلاك الملوثات التي ينتج عنها أضراراً على مختلف الصعد.
هي التي تضع لمساتها في كل مكان حولها، حبًا واعتزازًا بما تصنعه، فتتزين بعِقد من نسج أناملها، وتتسوق بكيس حاكته من البلاستيك، وفي ذلك كله، يحركها دافع التخلص من البلاستيك، وفق شعار لها "بنصير أحلى وبنخلّي البيئة أحلى".
ابنة بلدة بتّير ذات الطبيعة الخلابة – قضاء بيت لحم- بتعريف موجز "مهندسة معمارية تعمل في مكتب هندسي خاص، بدأت رحلتها مع مشروعها "تروشيه" منذ عام 2019". دعونا نتعرف عليها أكثر في هذا الحوار الممتع.

حياكة نظيفة وصبورة

أصرّت منال على التمسك بدورها الإيجابي والتأثير في المجال البيئي حتى وصلت إلى مرحلة إعادة التدوير، ولكن كانت المواد البلاستيكية بمنأى عن خطتها، فقد بدأت بإعادة تدوير الورق والعلب الفارغة، وعمل الكمبوست، وما شابه.
تتحدث لــ "آفاق البيئة والتنمية" عن مرحلة ما قبل جائحة كورونا بقليل، قائلة: "خضعتُ لإجراء جراحي في قدمي ألزمني الجلوس في البيت فترة لا بأس بها، وبما أني محبة للحركة والإبداع لم استسلم، بل واصلتُ تطوير موهبتي وتغذية شغفي بحماية البيئة، إلى أن لفتت انتباهي أكياس البلاستيك وإمكانية صنع أشكال مختلفة منها، كالطائرات الورقية وتجديلها (...)".
وبما أن لديها خلفية بسيطة عن "الصوف والكروشيه"، فقد خطرت ببالها فكرة "دمج البلاستيك في الصوف" لصنع قطع فنية يمكن استخدامها في المنزل بعدة طرق، وفي الوقت ذاته تعطي منظرًا جميلًا وجذاباً.

تحكي لنا البطمة بابتسامة وادعة: "راقت لي الفكرة، وقررت تسمية منتجي المكون من الكروشيه والبلاستيك "تروشيه"، شعرت أن المشروع يمكن أن يُطبّق في كل منزل، فأكياس البلاستيك المتراكمة والمزعجة التي تٌلقى في القمامة ويستغرق تحللها وقتًا طويلاً، هي الطريقة التقليدية للتخلص منها، لكن دمجها سيجعل لها قيمة من جهة، ومن جهة أخرى سيقلل منها وبذلك تكون وسيلة للتخلص من هذه الأكياس في كل بيت أو منطقة أو تجمع يطبق الفكرة للخروج بمنتجات فنية ناعمة كسلّة تسوق أو علبة مناديل أو ميداليات أو أقراط وعقود زينة للفتيات".

"قوار الصبر" من أعمالها التي كانت محظوظة بلمسة أناملها السحرية حيث نَسجت غرز الآنية من الأكياس البلاستيكية واحدة تلو الأخرى، "حتى صار الصبر يمشي في عروقها"، حسب تعبيرها.

صاحبة القصة التي تصنع بـ "طولة الروح" كما في التعبير الدارج- من مئة كيس بلاستيكي كيساً مستداماً، باتت مهمتها واضحة، فهي تحوّل الأكياس البلاستيكية التي تُستخدم لمرة واحدة إلى منتجات مستدامة عن طريق إعادة التدوير بحياكة خيوط الأكياس البلاستيكية بصنارة الحياكة وتحويلها إلى منتجات جديدة تقوم بدور جديد.

استخدمت منال الطاقة البشرية النظيفة لتشجع الناس على أن يحذو حذوها؛ بدلاً من استخدام الماكنات التي تعمل بالوقود الأحفوري، وبهذه الطريقة نجحت في تحويل أكياس النفايات البلاستيكية الخطرة إلى قطع فنية تقلّل من التلوث.

سوق هذه المنتجات ضعيف

منال البطمة لا تطمح من وراء مشروعها إلى الحصول على مصدر دخل، إنما هي هواية ابتكرتها لتغذية شغفها بالحفاظ على البيئة، كما تقول.
وتشير إلى أن تخصصها يلعب دوراً طفيفاً في عملية دمج الألوان، مستدركة قولها: "لا يُشترط لمن يرغب بتنفيذ الفكرة أن يكون مهندسًا، يكفيه أن يكون محبًا للبيئة وحريصًا على حمايتها، ومهتمًا بتخليصها من ملوث تطول حياته، كالبلاستيك وأكياسه المزعجة".
علمًا أنها في "تروشيه" تستعين بالأكياس البلاستيكية في منزلها، وتلجأ إلى أخذ المزيد من تلك الأكياس من منازل ذويها وجيرانها، وبهذا حققت واحداً من أهدافها: "منازل عدة تخلو من الأكياس البلاستيكية".
وتذّكرنا بوضوح: "الانتماء الأول لنا نحن البشر هو بيئتنا ونباتنا، وإذا لم نحافظ عليه سنخسره، ومن المؤسف أننا الآن نرى نتائج سلوكياتنا الخاطئة، التي قادتنا لبيئة متعَبة وغاضبة".

وعن الجهد الذي يتطلبه إنجاز قطع "تروشيه" الفنية، تخبرنا: "الحركة اليدوية تأخذ وقتًا طويلاً، وتحتاج للدقة، فضلًا عن ذلك أن تسويق هذه المنتجات يتطلب جهدًا مضاعفًا باعتبارها منتجات حديثة الظهور، وتريد من يقدّرها ويدرك مغزاها، ويجد فيها لمسة جمالية وضرورة في الوقت نفسه من منطلق أهميتها للبيئة أولاً، قبل أن تكون ضرورة للاستخدام المنزلي أو التزيين".
وتأسف لغياب ثقافة الاهتمام بالبيئة في المجتمع الفلسطيني، مما يجعل سوق هذه المنتجات ضعيفًا، وغالبًا لا تُقيّم ماديًا بما يتناسب والجهد المبذول لإنتاجها، في حين يباع منتج التطريز على سبيل المثال بأسعار جيدة كونه جزءًا من ثقافة أصيلة في المجتمع، ولا يتطلب جهدًا للإقناع".

مجرد إعجاب بالفكرة

تساهم الأحوال الاقتصادية والأعباء المادية كثيراً في تفضيلات مشتريات عامة الناس، إذ يفضلّون شراء المواد الغذائية أولاً، بينما المقتنيات الفنية ذات الطابع البيئي خصوصًا؛ تكون في ذيل أولوياتهم، حسب رأي البطمة.
عرضت منتجاتها في أكثر من مكان، وكان منها "معرض صفر نفايات" الذي رأت فيه المكان الأفضل للعرض، فمن اسمه يوحي بأن من سيأتي له سيكون مَعنيًا بالمنتجات الصديقة للبيئة، وأنه يعرف جيدًا الغاية من الفعالية، وبالتالي لا يحتاج للإقناع لفهم الرسالة، "المعرض كان جميلاً وحقّق هدفه".

كما أنها شاركت في "معرض الروزنا" في بيرزيت، وفي معرض لحاضنة الأعمال في بيت لحم للمشاريع الريادية.
وتعقيبًا على مشاركاتها في هذه المعارض واطلاعها على تقييم الزوار للمنتج، ترى أن الناس تنظر إلى أصل المنتج، وأنه كان كيسًا بلاستيكيًا بلا قيمة، ودمجه في الصوف أعطاه مظهرًا جماليًا، لكنه لم يساهم في رفع قيمته المادية، مع أن الجهد المبذول في إنجازه كبير.

أما عن حماس المؤسسات لمنتجات من هذا النوع، فتؤكد أنه لا يعدو كونه إعجابًا بالفكرة، أي أنه حماس لا يرقى لمستوى الدعم وتبني تطوير الفكرة وتعميمها، تقول البطمة: "إحدى المشاركات من المؤسسات المنظمة والمشاركة في معرض بيئي أبدَت إعجابها الشديد بالفكرة، وتوقعتُ بناء عليه أن نكمل العمل معًا في إطار الشراكة للخروج بمنتج يلبي رؤية وتطلعات الطرفين، لكن خطوة واحدة في هذا الجانب لم تحدث".

وتشير إلى جهودها الفردية التي تبذلها لنشر الفكرة، ومنها تشبيكها مع مؤسسة بهدف التدريب في مخيم شعفاط تحديدًا في إحدى المدارس، إلا أن المشكلة كانت في عدم تقدير الوقت المطلوب للتدريب على منتج "تروشيه"، موضحة: "طلبت المؤسسة إنجاز التدريب في خمس ساعات فقط، وكأنه نشاط يجب أن يُنفّذ بأي طريقة بغض النظر عن الفائدة المتحققة، بَيد أنه يحتاج إلى ساعات متقطعة تُعطى فيها الخطوات بالتفصيل، ليتسنى متابعة استفادة المتدربات مرة بعد مرة، وهكذا لم تتحقق المنفعة المرجوة بالتوسع في نشر الفكرة، وبما يؤدي لإفراغ تجمعات كبيرة من الأكياس البلاستيكية والسير بها نحو قطع فنية مميزة، رغم استعداد المتدربات لتنفيذ أفكار جميلة".

وتؤكد منال أن التجمعات مناسبة لنشر ثقافة الاهتمام بالبيئة، وضرورة حمايتها من العبث والاستهلاك المفرط للملوثات التي لا حصر لآثارها الكارثية، وتخص بالذكر المدارس كونها المرحلة الأولى في تعلم أساسيات الحياة، بحيث يتوجب أن تتضمن البيئة وحمايتها، لأنها تمّس حياة الأجيال الحالية واللاحقة، إذ لا تقل أهمية عن تعلّم الحروف الأبجدية والحساب وغيره.
ومن جهة أخرى، سألناها عن أهدافها في الوقت الراهن، وكان الجواب واضحًا ودقيقًا: "أرغب في تطوير نظام لجمع وفصل المخلفات، وتقليل كمية النفايات الخطرة الملقاة في المكبات، وتوعية المجتمع باستخدام المواد المعاد تدويرها، مع إنتاج منتجات جديدة من كلٍ من الأكياس البلاستيكية المستعملة، والأقمشة المستخدمة".
وفي الوقت نفسه، شددت البطمة على أهمية استخدام الأكياس المستخدمة، التي تتوفر حتمًا بكميات كبيرة في كل منزل، في حين أن الأكياس الجديدة ستفاقم تلويث البيئة وتدميرها، لأن الهدف هو التخلص من الأكياس القديمة، لا شراء المزيد".

رؤية مستقبلية

تخطط منال للصعود درجة أخرى في سلّم أهدافها، بإدخال أداة "النول" في مشاريعها القادمة، بغرض تسريع العمل وإنتاج المزيد من القطع الفنية بوقت وجهد وسعر أقل، وبالتالي خفض أكبر لاستهلاك أكياس البلاستيك من جهة، ومن جهة ثانية خفض السعر لتحقيق انتشار أكبر للمنتج بما يصب في "الهدف الأم" بمختلف الطرق.
ومن المنتجات التي تسعى لإضافتها "الدّعاسات" أمام المنازل، وفي المطابخ، وما يندرج في إطارها، باستخدام "النول" الذي تأمل أن يساعدها في تحقيق مرادها.
ولتنثر عبق رسالتها تنشط في تصوير الفيديوهات ونشرها مجانًا في منصة يوتيوب، وبما أن المردود المالي آخر همها، فهي لا تتردد في تقديم الكثير من الهدايا لمن يقدّر قيمتها ويشاركها الشغف وحب الطبيعة والحرص عليها.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير