بلدة العوجا في الأغوار الفلسطينية فرص استثمار وتنمية مستدامة وتحديات بيئية

09.05.2023 03:53 PM

وطن- حمزة زبيدات: تعد بلدة العوجا واحدة من أكثر القرى الفلسطينية تنوعًا بيئيًا وحيويًا في الضفة الغربية، لما تتمتع به من موقع جغرافي مميز، وتنوع في التضاريس، وخصوبة في التربة، ومصادر المياه المتعددة.

تقع "العوجا" على بعد حوالي 12 كلم شمال مدينة أريحا، لتربطها بشمال منطقة الأغوار، وكذلك على الطريق الذي يربط فلسطين المحتلة عام 1948 شمالاً بمدينة أريحا، ووصولاً الى مدينة بئر السبع جنوباً عبر أحد أهم الطرق "شارع 90"، ما يجعل من القرية ممرًا ضروريًا للآلاف يوميًا، وسوقًا اقتصاديًا حيويًا أيضًا.
كما تمتاز البلدة بتنوع تضاريسها الممتدة من سلسلة جبال شرق رام الله غربًا، والتي يتدفق منها واحد من أشهر ينابيع المياه في الضفة الغربية وهو نبع العوجا الشهير.

وقد شكّل هذا النبع موطنًا لعشرات أنواع الطيور والحيوانات البرية على مدار سنوات طويلة، كما أنه المصدر الرئيس لمياه الثروة الحيوانية في التجمعات البدوية المحيطة، إضافة إلى كونه واحداً من أهم المرافق السياحية والترفيهية لآلاف الفلسطينيين من مناطق الضفة الغربية كافة.

تستلقي القرية على سهل شاسع من الأراضي ذات الخصوبة الزراعية العالية، التي تتنوع فيها أشكال الزراعة منذ مئات السنين، بسبب خصوبة تربتها وارتفاع درجات الحرارة التي تناسب أشكالاً زراعية كثيرة، فضلًا عن العدد الكبير من الآبار الارتوازية الخاصة التي حُفرت ابتداءً من فترة الانتداب البريطاني ثم الحكم الأردني وأخيراً الاحتلال الإسرائيلي.

كما تمتاز بلدة العوجا بأنها واحدة من أكبر القرى الفلسطينية مساحة في منطقة الأغوار خارج حدود مدينة أريحا، والتي تبلغ حوالي 106397 دونمًا، يقع منها 18 ألف دونم في المناطق المصنّفة (أ) بحسب اتفاقيات أوسلو.

هذه المساحة من الأراضي المصنفة (أ)، تعد فرصة هامة للاستثمار في المجالات الزراعية والصناعية، بما أنها الأقل خطورة من جانب الاحتلال؛ وإضافة إلى هذه الأراضي فإن سكان البلدة ما زالوا يصرّون على زراعة آلاف الدونمات الأخرى من الأراضي المصنفة "ج"، لكنهم يواجهون مضايقات مستمرة من قوات الاحتلال، وصعوبة في إيصال المياه لها.

تلك الامتيازات صنعت ثورة حقيقية في بلدة العوجا في العشرين عاماً الأخيرة، حيث تزاحم رجال الأعمال والمستثمرون في المجالات الزراعية المختلفة، وبخاصة الزراعة والصناعات المتصلة بالنخيل والأعشاب الطبية والموز وغيرها من المحاصيل.
هذا النمو كان على ما يبدو فرصة كبيرة لسكان البلدة والمناطق المجاورة بإتاحة فرص عمل للمئات منهم في المجالات الزراعية والصناعية.

وفي المقابل، ثمّة وجه آخر أخفاه بريق التنمية وتهافت المستثمرين والنمو العمراني في البلدة، فهذا النمو، في كثير من الحالات، لم يأخذ في الحسبان الاعتبارات البيئية، بل تجاهلَ تجاهلًا سافرًا الشروط الواجب توفرها في هذه المشاريع لضمان عدم العبث في التميز البيئي للبلدة.

ففي الوقت الذي ازدادت فيه المشاريع الزراعية وتطورت، ازداد الاعتداء على الأراضي الزراعية بتحويل مئات الدونمات الزراعية ذات الخصوبة العالية إلى مشاريع إسكانية وفيلات؛ ما أدى إلى استنزاف كبير في الأراضي الزراعية الخصبة والمياه التي يُفترض استثمارها في المجالات الزراعية والتنموية الأخرى.

على صعيد آخر، حُوّل جزءٌ كبير من المنطقة الجنوبية للبلدة من أراضٍ زراعية عالية الخصوبة إلى منطقة صناعية أنشئت عليها مصانع لتعبئة الإسمنت ومواد البناء وصناعة الطوب، كما توجد كسّارتان تعملان عملًا غير قانوني في الجبل الجنوبي للبلدة.
ونجمَ عن هذه المصانع تراكم كميات كبيرة من الأتربة والغبار في المنطقة، مسببةً تلوثًا ملحوظًا في هواء المنطقة، ما دعا عدداً من السكان إلى رفع الشكاوى إلى البلدية وسلطة جودة البيئة، يتذمرون فيها من تراكم الأتربة والغبار في منازلهم وعلى الأشجار، ما يضطرهم إلى إغلاق النوافذ باستمرار، وأحياناً لا يتمكنون من الجلوس في ساحة المنزل.

هذه الانتهاكات الخطيرة ما هي إلا عوامل تهديد لكل أشكال التنمية آنفة الذكر في بلدة العوجا، ما يعني أن على بلدية العوجا والجهات ذات الاختصاص أن تفعّل دورها أكثر، وذلك بإغلاق المصانع أو الكسّارات التي لا تلتزم بالمعايير البيئية الواجب توفرها، بحسب شروط لجنة السلامة في المحافظة وشروط وزارة الاقتصاد.
كما يجب على البلدية أن تضغط في اتجاه اتبّاع ممارسات وأساليب تقلّل من حجم تلوث الهواء، مثل زراعة الأشجار واستخدام التكنولوجيا التي تقلّل من الانبعاثات الغازية والغبار من المصانع، وكذلك خلق حلول بديلة وأكثر سلامة لطرق نقل هذه المواد من المصانع إلى المناطق الأخرى.

وفي سلسلة من التقارير البيئية القادمة، سنحاول تسليط الضوء على أهم التحديات والمخاطر البيئية في بلدة العوجا، والتي وصل بعضها إلى مستوى الجريمة البيئية، وبالتالي تحتاج إلى متابعة حثيثة ووضع حلول عملية فوراً، بالشراكة مع الجهات ذات الاختصاص كافة.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير