عبد الرحمن البيطار يكتب حول قرار التقسيم واستغلاله

08.03.2023 12:53 PM

كتب عبد الرحمن البيطار:

ردا على تعليق كتبه  سليمان الفار، ونداء الى اليهود الاحرار من الصهيونية الفاشية والعنصرية للتكاتف لدحر المشروع الصهيوني الاستعماري الاستئصالي الفاشي في فلسطين ولإقامة دولة ديمقراطية واحدة فيها تقوم على اساس إحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وإنهاء نكبته ومعاناته المستمرة منذ العام ١٩٤٨ ، وعلى قاعدة التعايش والمواطنة المتساوية والعدالة ودولة يسودها القانون والقضاء المستقل ، ولا تتغول فيها سلطة على أُخرى، جاء فيه:

اهمية القرار ١٨١ تنبع من كونه القرار الاممي الوحيد الذي خاطب شعب سكان فلسطين بكل مكوناتهم ؛ وبالتحديد الفلسطينيون العرب ( مسلمون ومسيحيون ويهود ) ، واليهود الذين سمحت سلطات الانتداب بهجرتهم الى فلسطين ومنحتهم المواطنة فيها .

نعم ، القرار صدر عن الجمعية العامة للأُمم المتحدة بعد أن أحاله مجلس الامن لها لتقرر فيه وهو بالتأكيد قرار جائر ، وهناك من يشكك من القانونيين بشرعية اتخاذه من قبل الامم المتحدة أساساً ( أي هل القانون الدولي يسمح للجمعية العامة تقسيم دولة قائمة ، واقامة كيانات فيها دون موافقة سكانها ) .

وبالرغم من ذلك ، ولأن القرار صدر ، وأُنشئت دولة "اسرائيل" بموجبه ، فإن أهميته تبقى قائمة ، وتَنبع من أنه القرار الأُممي الوحيد الذي قررت الجمعية العامة بموجبه فيه تقسيم بلد ما (أي فلسطين ) ، وهو بلد اعترفت به عُصْبِة الأُمم في العام ١٩٢٠ ، بعد انقضاء الحرب الحرب العالمية الاولى والاعلان عن تأسيس نظام دولي جديد ، ووضعته تحت الانتداب البريطاني لتؤهل سكانه ( فلسطينيين عرب ويهود ) من جهة لأن يحكموا انفسهم بأنفسهم بعد انهيار الإمبرطورية العثمانية وزوال الحكم العثماني عنه ، ومن جهةٍ اخرى لأن يكون وطنًا قومياً لليهود المهاجرين اليه .

أن تكون فلسطين وطناً لليهود المهاجرين اليه لا يعني أن يتم إلغاء الدولة القائمة (فلسطين ) وأن يقيموا دولة لهم فيها محل الدولة القائمة، ولكنه يعني أن يُمنحوا حق المواطنة فيه .

إلا ان سلطات الانتداب البريطاني في فلسطين ، رأت في العام ١٩٣٧ بعد ثورة الشعب الفلسطيني العربي في العام ١٩٣٦أان الحل للمشاكل التي اندلعت بين الفلسطينيين العرب ، سكان البلاد الاصليين ، وبين اليهود المهاجرين إليها ، يَكمن في إقامة دولتين في فلسطين ،( مشروع بيل ) واحدة على ثلث أرض فلسطين ، والثانية على باقي ارض فلسطين ، وعلى يتم توحيده مع شرق الاردن ( الذي كان واقعا في ذلك الوقت تحت الانتداب البريطاني ايضا ) تحت حكم الامير عيد الله في ذات الوقت .

لقد فشل هذا المشروع وتخلت عنه بريطانيا في أيار ١٩٣٩ قبل اشهر قليلة من نشوب الحرب العالمية الثانية ، وسحبته من التداول ، ووافقت على بقاء فلسطين كيانا موحدا ، وعلى وضع سقف للهجرة اليهودية الى فلسطين قدره (٧٥٠٠٠) مهاجر يهودي ، بمعدل (١٥٠٠٠) يهودي في العام …علىان  يقرر سكان فلسطين ( الفلسطينيون العرب ، واليهود المهاجرون اليها وكان عددهم في ذلك الوقت قد بلغ نحو ٣٠٠،٠٠٠ او اكثر قليلً ) بعد عشر سنوات مصيرهم بأنفسهم .

القرار ١٨١، مهم لأنه قرار الشرعية الدولية الذي بموجبه سمحت الشرعية الدولية إقامة دولة يهودية في فلسطين على ٥٥٪؜ من مساحة فلسطين ( حوالي ١٥٠٠٠كم مربع ) لكل سكان تلك المساحة ، وكان عددهم في ذلك الوقت ( نوڤمبر ١٩٤٧) (٤٣٥،٠٠٠) فلسطيني عربي و ( ٤٩٥،٠٠٠) يهودي ، ولكل من يرغب ان يهاجر اليها من يهود العالم .

ودولة فلسطينة ( مساحتها نحو ١١،٠٠٠ كم مربع ) بكان عدد سكانها في ذلك الوقت قد بلغ نحو ( ٨٠٠،٠٠٠) فلسطيني عربي ، و (١٢،٠٠٠) يهودي )، هذا مع وضع القدس وضواحيها ( سكانها : ١٠٥،٠٠٠ عربي فلسطيني ، و١٠٠،٠٠٠ يهودي ) تحت الولاية الدولية ، وعلى أن يُقام إتحاد إقتصادي بين الكيانات الثلاثة .

أهمية قرار التقسيم تنبع أيضا في أنه يُحدد لأقرب متر مربع حدود الدولة اليهودية ، ولأنه جعل من نفسه جُزْءاً من القانون الأساسي للكيانات الثلاثة التي أقامها في فلسطين ولم يسمح للمجالس المنتخبة فيها بإجراء اي تغييرات في البنية التشريعية الناظمة والحاكمة لكل من تلك الكيانات سن قوانين او تشريعات تتناقض أو تتحالف مع الاحكام الواردة في قرار التقسيم إلا بموافقة الجمعية العامة للامم المتحدة ، بناء على طلب دولة عضو فيها تقوم بإبلاغ الجمعية العامة بحصول انتهاك ما ،…

وأهمية قرار التقسيم تكمن أيضًا في أنه ضمن حقوق الملكية وحماها لجميع مواطني كل من الكيانات الثلاثة التي اقامها في فلسطين ( وكانت ملكية يهود فلسطين في حدود الدولة اليهودية التي قضى القرار بإقامتها في فلسطين نسبة ضئيلة ) ، وضمن كذلك حقوق المواطنة والمساواة ، واستقلال القضاء وسيادة القانون ،…وحرية العبادة …الخ .

وأخيراً ، فإن أهميته تنبع أيضا في أنه الأساس الذي استندت إليه الوكالة اليهودية ، باسم الحكومة اليهودية المفوضة المؤقتة التي انشأتها في حينه ، في إعلان إنشاء دولتها في فلسطين ضمن الحدود المرسومة في قرار التقسيم ( وبمساحة نحو ١٥،٠٠٠ كم مربع ) ، أنه الأساس الذي بموجبه جرى قبول عضوية "إسرائيل" في الأُمم المتحدة ، وجرى بموجبه أيضا إعتراف الدول بها ، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد السوڤييتي وغيرها من الدول ،..وهي الحدود الشرعية التي لم تعترف الامم المتحدة لإسرائيل لها بها حتى الآن .

أن تطالب "إسرائيل" بقرار من الامم المتحدة بالغاء قرار التقسيم ١٨١ يعني قانونياً ان تطلب الغاء الاساس القانوني الدولي الذي سمح بإقامتها ،… وحلَّل شرعيتها ..

اما قرارات الأُمم المتحدة رقم ٢٤٢ و ٣٣٨ وغيرها ، والتي صدرت بعد العام ١٩٤٨ ، فهي قرارات تغاضت عما ورد في قرار التقسيم من احكام ومُقتضيات ومن ضمنها اقامة الدولة الفلسطينية ، ووضع القدس وضواحيها تحت ولاية دولية ، وتعاملت مع الصراع على انه صراع بين دولة "اسرائيل" ودول عربية محيطة بها وعدوانية تجاهها ، ولكنها لم تلغِ قرار التقسيم ولم تخاطب الفلسطينيين العرب ، ولا حقوقهم ، وانما وأُكرر ، مرة أخرى أنها تعاملت مع الصراع على انه صراع عسكري قائم بين دولة اسرائيل الديمقراطية المسالمة ، والدول العربية الدكتاتورية المحيطة بها تملك نوايا عدوانية تجاه دولة عضو في الامم المتحدة اسمها "اسرائيل".

إن النكبة الفلسطينية ، يا صديقي سليمان ، لم تتكرس بإقامة دولة "إسرائيل" في فلسطين في العام ١٩٤٨، على مساحة ٧٨٪؜ ( اي على مساحة تتجاوز المساحة التي خصصها القرار لها ) ، ولا بالتطهير العرقي الذي مارسته كل من المنظمات الصهيونية المسلحة قبل ١٥ ايار ١٩٤٨ تجاه الفلسطينيين العرب من سكان فلسطين ، ومارسه جيش الدولة الصهيوني الذي أنشأته "اسرائيل" بعد الاعلان عن تأسيسها في أيار ١٩٤٨ فحسب ، وإنما تكرس ايضا من خلال إلغاء فلسطين والفلسطينيين وأي ممثل رسمي لهم في العامين ١٩٤٨ و ١٩٤٩ ، وإبقاء التغييب قائما واقعياً و عمليا عن مسرح الاحداث في فلسطين وفي الاقليم وفي العالم طيلة الفترة الممتدة من العام ١٩٤٩ وحتى العام ١٩٦٤ وعمليا حتى العام ١٩٦٧ ، وهي الفترة التي استغلتها "اسرائيل" والحركة الصهيونية في تمكين نفسها بأقل قدر من التحديات .

سيكتب التاريخ يا سليمان، أن الهزيمة التي الحقتها "اسرائيل" بجيوش ثلاثة دول عربية في حزيران ١٩٦٧ ، قد وضع أيضا حجر الأساس لتفكيكها وإنهاءها .

فكل ما عملت "إسرائيل" على تكريسه في العامين ١٩٤٨ / ١٩٤٩ بعد توقيع إتفاقيات الهدنة مع الدول العربية الاربعة ( مصر ، لبنان ، الاردن وسورية ) من حيث تغييب فلسطين والفلسطينيين وأي ممثل رسمي لهم من ساحتي فلسطين والاقليم من جهة ومن ساحة العمل الدولي من جهة اخرى ، ومن تعريف صراعها على انه مجرد صراع بينها كدولة شرعية قائمة في منطقة الشرق الاوسط وبين الدول العربية المحيطة وغيرها والتي تضمر نوايا عدوانية تجاهها ، وهي الدولة المحبة للسلام ، والتي استقبلت وحَضَنَت يهود العالم الذين تعرضوا للإضطهاد الوحشي على يد النازية والفاشية الاوروبية خلال الحرب العالمية الثانية قد قَلَبته رأسا على عقب حرب / عدوان حزيران ١٩٦٧ الصهيوني ، فبعد هذه الحرب ، وبنتائجها فقد عادت فلسطين الى الخارطة ، وعاد الفلسطينيون الى ساحة الصراع داخل فلسطين وخارجها ،( وتوحدوا داخل فلسطين بعد ان تم تقسيمهم هوياتيا ومواطنة ، و…الخ) ..وعاد لهم ممثلا ، نجح في انتزاع اعتراف دولي بشرعية تمثيلهم ..

المشهد القائم حالياً يلخص محاور الصراع في فلسطين وفي الاقليم وفي العالم ايضا …ويعكس طبيعة الصراع ، ومداه .

يقيم في فلسطين اليوم ؛ نحو ٦،٧ مليون فلسطين عربي ، و نحو ٦،٧ مليون يهودي إسرائيلي ، وهناك في الشتات نحو ٦،٧ مليون فلسطيني منهم نحو (٤) مليون في الاردن .

أما "إسرائيل" التي أنشأها العلمانيون الصهاينة كدولة ديمقراطية ليبرالية تتمزق اليوم واقع تحت وطأة صراعات عميقة داخلية تهدد طبيعة كيانها ، وتفتح آفاق تحولها لدولة صهيونية قومية دينية متعصبة متطرفة متخلفة.

انا لا ادعو الى تقسيم فلسطين عندما ادعوا للتمسك بالقرار ١٨١ ، ولكني أرى أن القرار ١٨١ يُشكل مدخلاً يخدم المطالب الوطنية الفلسطينية عندما تكون محكومة بالمعايير الناظمة للشرعية الدولية في العصر الحالي من حيث أنه يحدد حدود دولة الكيان الذي تحاول القوى الصهيونية فيه شرعنتها الى خارج حدود قرار التقسيم أي الى خطوط هدنة ١٩٤٩ ،( اي حدود ٥ حزيران ١٩٦٧) لا بل وتؤسس لمزيد من التوسيع والشرعية من خلال سعيها المضطرد لإنجاز عمليات الضم الزاحف والاستيطان المنفلت من اي قيود في أراضي الضفة ، واخيرا من خلال البدء بإطلاق العنان لحملة تطهير عرقي جديدة بدأت معالمها تتضح مع تبني حكومة نتنياهو الأخيرة سياسات واجراءات عنصرية فاشية إستئصالية للشعب الفلسطيني المَزروع في وطنه، وما حصل في حوارة قبل ايام ليس الا تمريناً أوليا لتلك القوى الصهيونية الفاشية الإستئصالية ولما تسعى لتحقيقه في قادم الايام .

التمسك باحكام القرار ١٨١ هو تكريس للانسجام مع ما تمليه الشرعية الدولية في الموضوع الفلسطيني ، ويفتح الباب لإنشاء دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين تقوم على قاعدة إحقاق الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني الذي اضطهدته الصهيونية الإستعمارية العنصرية الفاشية بوجهيها العلماني ( ١٩٤٨- ١٩٧٨) ، واليميني المتطرف ( (١٩٧٨- ٢٠٢٢) واليميني الديني القومي الفاشي المتطرف الحاكم حاليا.

أما دولة فلسطين الديمقراطية الحُرّة ، فستحققها نِضالات الشعب الفلسطيني المُتحد مع نضالات اليهود داخل فلسطين المُستعدين للتحرر من الصهيونية الفاشية العنصرية الإستئصالية ، والمستعدين في ذات الوقت للانخراط في النضال مع الشعب الفلسطيني لاجل اقامة فلسطين حرة من الصهيونية الاستعمارية الاستئصالية ، والفاشية والعنصرية ، وهي دولة تُقر بحقوق الفلسطينيين الوطنية وبضرورة احقاقها كأساس لاقامة الدولة الحرة الديمقراطية المنشودة وبالتعايش مع المناضلين اليهود اللاصهيونيين المُعادين للإستعمار الإستئصالي ، والفاشية والعنصرية .

العزيز سليمان، إنّي أنتهز هذا الرد على تعليقِك لتوجيه نداء الى اليهود الأحرار من أغلال الصهيونية الإستعمارية الإستئصالية الفاشية داخل فلسطين وخارجها لأن يضعوا أيديهم بيد الفلسطينيين العرب ، وكل الأحرار في هذا العالم لأجل إنجاز مهمة تحرير فلسطين وشعبها، ويهود فلسطين والعالم ، والانسانية جمعاء من شرور هذا المشروع الصهيوني العنصري الإستعماري الفاشي الذي نجحت الحركة الصهيونية بتآمرها مع قوى الإمبريالية العالمية في إقامته في فلسطين في العام ١٩٤٨ ، ونجحت في سياق ذلك من تشويه وعي يهود فلسطين ويهود العالم وخداع الرأي العام العالمي وتجنيدهم لدعم مشروع عنصري استعماري فاشي ولاإنساني أيضا .

المستقبل يصنعه الاحرار ، وسيصنعه في فلسطين شعبها المُناضِل الحر ، والأحرار من الصهيونية الفاشية العنصرية الآستعمارية اليهود وغيرهم من ابناء المجتمع البشري في هذا العصر. هذا هو رأيي.

 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير