خواطر في الاستدامة والبيئة من رحلاتي في هولندا

02.03.2023 07:18 PM

وطن- عمر عاصي

وجدت في رحلتي الأخيرة إلى هولندا عددًا لا بأس به من الكُتب تتحدث عن "السياحة المُستدامة" وتتناول الاستدامة والبيئة من كُل زاوية، ابتداءً من شراء الحقائب إلى اختيار وسيلة السفر وحتى اختيار المبيت والطعام وأماكن الترفيه، والحق أنني لا أعرف كُتبًا عربية "عملية" أعطت هذا الموضوع حقه، ما حمّسني للشروع في تدوين خواطر رحلتي لتصبّ في هذا الباب، فالسياحة المستدامة ليست بعيدة عنا، إلا أنها تحتاج شيئًا من التأمل والتفكر، وربما البحث في رحلاتنا وتخطيطها، كي تكون ذات بصمة بيئية أقل، وذات منفعة اقتصادية على المجتمع الذي نحلّ عليه، ولا شك أنها تدفعنا للغوص في التنوع البشري والتعرف على الشعوب والحضارات البعيدة عنا.

هل تغرق أمستردام؟ 
غالبًا عندما نسمع عن هولندا باللغة العربية، قد لا يستدعي شيء في الأذهان عن معنى التسمية، بينما في اللغة الهولندية والألمانية مثلًا فإن تسمية "نيدر لاند" تأخذك إلى طبيعة تضاريس هذا البلد فهي تعني "الأراضي المُنخفضة"، ولعل هذه الوقفة اللغوية مهمة، بل ومهمة جدًا في عصر التغييرات المناخية والاحتباس الحراري، حيث تُعد العاصمة الهولندية أمستردام من المدن المهددة بالغرق مع خطر ارتفاع مستوى مياه البحر بسبب ذوبان الجليد وهناك من يتوقع بأن ذلك قد يكون في عام 2100.
من المثير أن نجد في المكتبة العربية كتابًا يُدعى "آثار الأدهار" من عام 1875، لمؤلفه سليم جبرائيل الخوري يذكرّنا بأن أمستردام فيها تُرع كثيرة جعلت المدينة تتّقسم إلى 90 جزيرة يعبر بعضها إلى بعض بواسطة 380 جسرًا وأعظم جسورها جسر نهر أمستل الذي يبلغ طوله 330 مترًا وعرضه 70 مترًا وهو مؤلف من 35 قنطرة، كما يذكرّنا الكتاب بأن بيوت أمستردام قائمة على أوتاد لصيانتها من فيضان المياه إذ أن أرضها واقعة تحت مستوى سطح البحر.
كذلك نجد أن فرج جبران (توفي عام 1960)، في كتابه "تعال معي إلى أوروبا" يحكي لنا أن هولندا هي "دولة على الماء"  وأن معظم أراضي هولندا الشمالية كانت جزءًا من البحر في يوم من الأيام، وأن الهولنديين ينظرون إلى البحر نظرة عدو قديم ما من عداوته بُد، وما من صداقته بدّ، فالبحر- كما يصف - يتهدّد الهولنديين كل لحظة باستعادة الأراضي التي انتزعوها منه خلال كفاح مرير، ومع ذلك فإن الهولنديين "لا يكفّون عن الجهاد ضد البحر منذ أقدم العصور وأعظم شاغل لهم اليوم هو إتمام تجفيف المنطقة البحرية المعروفة بخليج الزيدرزي".
ما ذُكر في هذه المراجع التاريخية، يُذكرّنا بأن حكاية "غرق أمستردام" ليست قصة من مسلسل رعب الاحتباس الحراري، حيث يبدو أن المسألة قديمة جدًا ولا يزال الهولنديون يعيشونها حتى اليوم، بينما هم يخططون لابتكار منازل عائمة لا تخشى الغرق.
متحف التوليب
قد نستغرب أحيانًا لماذا يجب أن يكون هناك متحفًا بأكمله مُخصصًا لزهرة مثل التوليب في بلد مثل أمستردام، لكن عندما نقرأ عن "هوس التوليب" في مرحلة معينة من التاريخ البشري الذي بدأ عند سلطان عثماني وانتهى بمملكة بأكملها كما هو الحال في هولندا، فإن وجود هذا المتحف يبدو ضروريًا، بالأخص أن اقتصاد التوليب أصبح في مرحلة ما أقوى من اقتصاد العقارات وقد تطورت "زراعة أزهاره" في هولندا تطوراً لافتًا، وكان له آثار اجتماعية واقتصادية كبيرة على البلد، وبالتالي فإن المتحف هو ليس عبارة عن الزهرة فحسب وإنما عن كل الحكايا والمؤثرات التي كانت حولها.
بالعودة إلى "فرج جبران" وكتابه "تعالى معي إلى أوروبا"، نجده يحدّثنا عن الهولنديين بنكهة مختلفة تجعلنا نفهم "هوس التوليب" أكثر، فهو يرى أن المرأة الهولندية تُبالغ في نظافة منزلها مبالغة غير مألوفة تسترعي نظر كل غريب يزور هذه البلاد، ويضيف أن الهولنديين يحبون الزهور والورود وقد بلغ بهم الأمر إلى أنهم يبيعونها على عربات متنقلة، يصيحون بأسماء أنواعها المختلفة ليشتري كل راغبٍ ما يشاء وهم يقبلون عليها إقبالهم على الطعام، ولا يعدّونها من الكماليات، فالمنزل الذي يخلو من الزهور يُعد ناقصًا من عنصر هام من عناصر الحياة.
وهذه المقدمة جيدة، لفهم مرحلةٍ "مثيرة" في تاريخ هولندا تُعرف بـأزمة جنون التوليب الكبرى ( Tulpenmanie) حصلت في ثلاثينيات القرن السابع عشر، فقد ارتفعت فيها أسعار التوليب إلى أسعار خيالية جعلت جمهور العامة يرغب بجني أرباحٍ سهلة منها إلا أن ذلك ساهم في انهيار الاسعار بمفاجأة مماثلة لمفاجأة ارتفاعها وتركَ ذلك آثاراً مُدمرة على العديد من أفراد المجتمع الهولندي.
وبحسب بعض المؤرخين فإن سعر البصلة الواحدة من التوليب وصل إلى ما يُعادل عشرة أضعاف الدخل السنوي لحرفي ماهر
ولنتخيّل مثلًا، كيف يُمكن أن يبدو متحف مشابه في فلسطين، مُخصصًا للبرتقال في يافا، يسرد اقتصاديات البرتقال قبل النكبة وأصناف البرتقال وتاريخ الحمضيات، وكل ما كُتب فيه من شعر وأدب، لا شك أنه سيكون مُلهمًا.

الدراجات الهوائية في أعرق المكتبات الهولندية
إلى جانب أنها بلد الأراضي المُنخفضة، تُعرف هولندا بأرض الدراجات، فعدد الدراجات الهوائية في مدينة مثل أمستردام يفوق عدد السكان أنفسهم، ويصل عددها إلى أكثر من 880.000 دراجة، وثقافة الدراجات الهوائية متوارثة، ولعل ما يُسهلها أن هولندا سهلية التضاريس.
ما يلفت الانتباه، أن ثقافة الدراجات لا تنحصر في الشوارع، فمثلًا عند زيارة واحد من أعرق وأقدم متاجر الكتب في أمستردام مثل متجر Scheltema الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى 1853، نجد في الطابق الثالث زاوية كاملة للكتب المتصلة بخرائط طرق الدراجات الهوائية كما نجد كُتبًا كاملة عن تصميم الدراجات الهوائية وحكاياها.
الحقيقة أنني لم أصادف أعجب من هذا، إلا زاويا كُتب القطارات في ألمانيا، فكثيرًا ما يجد السائح في متاجر الكتب الألمانية زوايا كاملة لكتب ومجلات حول القطارات، ولا أقصد هناك كتب متخصصة للمهندسين، بل كتب لعامة الشعب من المهووسين بالقطارات وركوبها، بل حتى دعاة عدم السفر بالطائرات، لأسباب بيئية مثل تقليل الانبعاثات الكربونية أو حتى لأسباب نفسية كالخوف من ركوب الطائرة.
قد لا تبدو هذه المعلومات مُهمة، ولكن الأكيد أنها مُهمة ومهمة جدًا لمن يظن أن إقناع الناس في بلادنا بركوب الدراجات لا يحتاج إلى أكثر من استيراد دراجات أو تعبيد طرقات، فهو قبل كُل هذا يحتاج إلى "ثقافة ركوب دراجات" التي نجدها في الأدبيات والمكتبات قبل الشوارع والطرقات!

متاجر الأجبان
صناعة الأجبان في هولندا والاحتفاء بها، ذكرّتني بصناعة المُخللات في تركيا وصناعة زيت الزيتون في بلادنا فلسطين، فالمخللات في تركيا لها خُبرائها ومحلاتها وأعلامها، ومن زار إسطنبول على سبيل المثال سيجد محلات تقدم أشكالاً وألوانًا من المخللات التي لا تخطر على بال، أما صناعة زيت الزيتون في بلادنا فيذكرّني كيف يُمكن لبلدة صغيرة مثل "بيت جالا" أن تتحول إلى علامة تجارية ويُباع زيتها بأسعار غالية. 
في هولندا، وفي مدينة مثل أمستردام ما إن تنزل من محطة القطارات المركزية في المدينة وتمشي في الشارع الرئيس حتى تجد أن محلات بيع الأجبان مُنتشرة في كُل شارع وزقاق وكُلها تتنافس في جعل واجهاتها الأجمل لجذب الزبائن، وهي حقًا تجذب الآلاف من السياح لدرجة أنك يندر أن تجد برنامجًا أو كتاب دليل سياحي يخلو من الأجبان وكأن تذوقها وشراءها فرض على كُل زائر، وبعض محلات الأجبان تقدم مئات الأصناف، فكيف يتدبر السائح أمره بين كل هذه الأصناف؟
أعجبني جدًا، أن الكثير من هذه المحلات تجعل السائح "يغرق" في عالم الأجبان فتتيح له أن يتذوق ما يُحلو له من خلال العيّنات التي توضع أمام كل صنف وقد تجدهم يضعون لك شيئًا من مربى التين أو صلصة أخرى كي تجربها كما يحب الهولنديون تجربة تذوقها، فيما تجد بعض المحلات تبيع ساندويشات جبنة بكل فخر واعتزاز.
أثارني متجر للأجبان، يدعى Lutjewinkel 1916 وسط أمستردام، وهو من المتاجر التي تتيح للزائر أن يجرب ما يحلو له من الأصناف، والمهم رُبما أن تصميم المتجر لافت، ويشعرك أنك تدخل إلى عالم فخم من الأجبان يتكون من طابقين والأجبان فيه تفتح الشهية، وقد تأكل وتأكل حتى تخرج شبعاناً، وربما المهم هنا أكثر، أن تسمية هذا المتجر الفاخر وهي Lutjewinkel يرجع إلى اسم قرية صغيرة في شمالي هولندا والتي تحولت مع الوقت إلى "علامة فاخرة" في مجال صناعة الأجبان، وكم من قرانا يُمكن أن تتحول إلى علامات تجارية فاخرة لتنهض بالصناعات الزراعية المختلفة من التين والزيتون والعنب والنخيل.

 

لاهاي - دِن هاخْ
في المدن الأوروبية، كثيرًا ما يشعر الشرقي بالاغتراب، فكل شيء في المدن مختلف عمّا يعهده الواحد منّا في رحلاته، ولكن من الأمور الجميلة، أن تجد نفسك في فندق، هو أشبه ما يكون بضيافة عند عائلة هولندية، وهي ليست ضيافة بالمعنى الشرقي، ولكن بالمفهوم الأوروبي هي ضيافة وبخمس نجوم، الخدمة والنظافة والجودة وحتى طعام الإفطار "الأوروبي" مع الجبنة الهولندية الذي تحضرّه لك العائلة، يجعلك تشعر أنك "ضيف" ولست "زبونًا" في فندق.
في عالمنا المعاصر مع انتشار مصطلحات مثل السياحة المستدامة والبيئية، هناك دعوات كثيرة للبحث عن بدائل "أكثر استدامة" من الفنادق "الضخمة" التي تمتلكها شركات عابرة للحدود وغالبًا تذهب أرباحها إلى كبار رؤوس الأموال واستفادة المجتمع المحلي منها متواضعة، وبالتالي فإن الفنادق الصغيرة مثل فندق Residenz Stadslogement‏ في مدينة لاهاي (دِن هاخ) الذي ليس فيه أكثر من خمس شقق وتديره عائلة هولندية صغيرة، يُمكن أن يعد من البدائل الممتازة التي تدعم المجتمع المحلي، وهو يحظى بتقييم ممتاز في مواقع السياحة والسفر.

الحدائق الحضرية
عادة ما ننبهر كثيرًا بحدائق "مُنسقّة" على أكمل وجه في المدن الأوروبية، فبعضها تُصنف أنها فرنسية وبعضها إنجليزية وهناك حدائق يابانية وغير ذلك، لكن الحقيقة أن الكثير من هذه الحدائق تشعرك كأنها "غير طبيعية".
وإذا تأملناها وفقًا لاعتبارات الاستدامة، سنجد أن هذه الحدائق "المُبهرة" في شكلها قد لا تكون مستدامة، بينما حدائق أخرى غير لافتة هي أكثر استدامة.
في هولندا، وفي مدينة لاهاي تحديدًا، وجدت اهتمامًا بديعًا بما يُعرف علميًا بـنظم التسبيخ غير المركزية Decentralized composting systems وهي نظم يعتمدها السكان لإعادة تدوير النفايات العضوية (كبقايا الطعام) بأنفسهم أو بتعاون مع البلدية، وكثيرًا ما تكون هذه النظم داخل ما يُعرف بالحدائق المُجتمعية community garden!

هذه الحدائق المجتمعية، قد تكون حديقة المجمع الإسكاني وتحتوي على الكثير مما يجب أن تحتويه حديقة مستدامة - حتى لو لم تكن أجمل حديقة - ففيها مساحات للزراعة يستفيد منها السكان وفيها فنادق للحشرات مًعلّقة على الأشجار، وفيها خزانة لطيفة لتبادل الكتب، كما فيها ألعاب يستمتع بها جميع الأطفال معًا، وفيها منظومة تسبيخ Composting  يحوّل السكان بواسطتها نفاياتهم العضوية إلى أسمدة لفائدة الحدائق ومنها يُنتج الطعام، ويوجد في مدينة لاهاي عدد كبير من هذه النظم، ولديهم خريطة لمواقعها يمكن الاطلاع عليها هنا.
فنادق الحشرات
عندما نسمع بكلمة هوتيل/فندق يُمكن أن نتخيل كل شيء، إلا أن يكون هناك فندق للديدان وقد تجد في أثناء تجوالك في مدينة لاهاي العديد منها، مثل "فندق الديدان" على طرف ساحة Bonbonplein‏، وعمومًا فإن هذا المصطلح بدأ ينتشر في زماننا هذا، بل إنك لو دخلت مكتبة من المكتبات في هولندا مثل "مكتبة ماسترخت" ستجد أنهم يبيعون إضافة إلى كتب الطبيعة فنادق للنحل (bienenhotel) وهناك فنادق للفراش وفنادق للدعسوقات.
المثير في مدينة لاهاي، أن هناك عددًا لا بأس به من فنادق الديدان Wormenhotel، وقد يستغرب البعض لذلك ولكن السبب أن ديدان التسبيخ (ديدان الكومبوست) تقوم بوظيفة بديعة في الحيز العمراني من ناحية إدارة النفايات، فالديدان يمكنها أن تعيد تدوير النفايات العضوية وهي النفايات التي تتسبّب بالروائح الكريهة عادة وكذلك بإنتاج غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري، لكن الديدان النشطة (صنف خاص) تهضم النفايات العضوية وتحولّها إلى سماد يعد من أفضل الأسمدة العضوية الطبيعية، ويمكن إضافته للتربة محسنًا أو للنباتات غذاءً، فهو يحتوي على كل العناصر التي تحتاجها وأكثر، وللعلم فسماد الديدان يعد من أغلى الأسمدة في المشاتل.

التنوع الجيولوجي ومحكمة العدل الدولية
أكثرنا لا يعرف لاهاي، إلا عندما تُذكر محكمة العدل الدولية في النشرات الإخبارية، وهذه المحكمة لمن لا يعلم موجودة عند قصر السلام في المدينة، وهو من أشهر وأبرز القصور في المدينة وربما عالميًا.
وأهم معلومة لا بُد أن نذكرها هنا، أن لاهاي لا تُلفظ بنفس الطريقة عند أهل المدينة ولا في هولندا، فإن بحثت عن لاهاي في هولندا لن تجد شيئًا غالبًا، لكن لو بحثت، على سبيل المثال، عن "دِن هاخ" سوف يعلم الجميع عمّ تتكلم، وكي تجد مرادك في البحث بمحطات القطارات والحافلات لا بد أن تبحث عن den Haag.
حين زرت القصر - الذي لم أدخله - لم يثر اهتمامي في القصر إلا شيء واحد لطيف جدًا لعُشاق الطبيعة والتجوال، حيث نجد عند مدخل القصر شعلة "السلام" وحولها حجارة غريبة الأشكال والألوان، والمثير أن كل حجر من هذه الحجارة جيء به من دولة من الدول - كما فهمت - وبالتالي فإن كل حجر يمثل دولته. 
يا للأسف وجدت أن الحجر الذي يمثّل فلسطين متواضعًا، علمًا أن لدينا حجارة بديعة أكثر، مثل الحجارة التي تشبه البطيخ وكَتب عنها الكثير من الرحالة الأوروبيين في زيارتهم لوادي سياح في جبل الكرمل.
وعمومًا فإن للحجارة مع فلسطين بلد أطفال الحجارة، بُعد خاص كان يُمكن رُبما تجسيده هنا، وقبل أن أختم حديثي عن هذا المكان، فلا بُد من الإشارة إلى أن شجرة "الآمال" عند مدخل القصر هي من أكثر ما يتحمس له الأطفال في زيارتهم للمدينة.

حياة بلا بلاستيك في "ماسترخت"
لعلّنا ونحن نتجول في أسواق بلادنا فلسطين، أو حتى في المجمعات التجارية التقليدية حول العالم، لا نتخيّل إمكانية عيشنا بلا بلاستيك، فالبلاستيك في كل مكان (ويلّوث مُدننا وقرانا وأنهارنا والبحار أيضًا) ولكننا خاضعون لسُلطته، وبالكاد نستطيع تخيّل الحياة من دونه.
في مدينة ماسترخت الهولندية، وجدت متجرًا يعج بالزوار وكانت واجهته جذابة جدًا فقصدته لمعرفة حكايته، واتضح أنه من المتاجر التي تزوّد روّادها بمنتجات متلائمة مع الطبيعة (بعيدًا عن البلاستيك)، والمثير أنك تجد في بعض زواياه ما يُذكرّك بمتاجر بلادنا القديمة لما فيه من سلال و"خيش" وقد تحوّلت إلى تحف تراثية عندنا، بينما اليوم تكاد تكون موضة بيئية.
هذا المتجر يُدعى Dille & Kamille وقد أُسس على يد عائلة عام 1974، وبعد ما يقارب 50 عامًا أصبح يمتلك أكثر من 42 متجرًا، كلها تتخصص في بيع المنتجات الصديقة للبيئة (وفق معايير المتجر) بل ونجد فيها مقهى يقدم مشروبات الأعشاب وغيرها من الأطعمة الصحية، واللافت- مرة أخرى - أن المتجر كان يعجّ بالزبائن، بشكل نفتقده في متاجر (الأغذية العضوية) في بلادنا.


فالز
لعلّ رياضة المشي الطويل (hiking)، من أكثر أشكال الرياضة صداقة للبيئة، فهي لا تحتاج إلا قدمين قويتين ونَفس طويل والمشي لساعات في الطبيعة.
ولمن يعرف بلدة فالز فإن لرياضة المشي الطويل في محيطها له نكهته الخاصة، كيف لا وهي تقع على الحدود مع ألمانيا وبلجيكا!، ويمكن للمتجول في غاباتها أن يعبر الحدود بين الدول الثلاثة وهو لا يدري في أي دولة هو، حيث الحدود على الخرائط فقط، وفي النقطة المسماة نقطة التقاء الدول الثلاث (het Drielandenpunt) يُمكن للسائح أن يتأمل أي كارثة سبّبتها الحدود الخرسانية بين الدول، فالطبيعة لا تعرف الحدود غالبًا، ويكفينا أن نستحضر ونحن هناك، كيف ساهم جدار الفصل العنصري في تدمير الطبيعة الفلسطينية وما تسبّب به من آثار بيئية لا تُقدّر بثمن.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير