نشطاء البيئة حُرّاس نبلاء لا ينتظرون مقابلاً

02.10.2022 09:36 PM

وطن- معتز الشوا

سمّهم ما شئت، نشطاء البيئة أو حراسها أو "الدرع الحصين" لها، أو أي اسم آخر يروق لك، كل ما يهمّ أن هماً واحداً يجمعهم بغض النظر عن اختلاف ثقافاتهم أو ظروفهم أو تحصيلهم العلمي.

بعضٌ منهم، خلفيته العلمية لا علاقة لها بالبيئة من قريب أو بعيد، إلا أنهم اختاروا بملء إرادتهم حياةً فيها يحرسون الطير والماء والهواء والتراب.

تعاهدوا على حب البيئة والحفاظ عليها، حاملين على عاتقهم مسؤولية توعية المواطنين بالحياة البرية والتنوع الحيوي وضرورة حمايتهما.
هم لا يتقاعسون عن أي نشاط يخدم توجههم، ويسلكون مختلف الطرق للوصول لعامة الناس وأصحاب التخصص، يمكننا القول إن هذه أبرز علاماتهم.                         

أول الحب "عضّة"

فضل نبهان "25 عاماً" من الشباب القلة في غزة الذين ركبوا غمار هذه المهمة، واختاروا طواعية بذل الوقت والجهد من أجل نشر الوعي بالتنوع الحيوي، ليصنع قصة تُوّجت بإنشاء محمية صغيرة فوق سطح منزله تضم العديد من الطيور والحيوانات النادرة.
حب فضل للطيور والحيوانات بدأ بــ "عضة صقر" له قبل 11 عاماً، وكما يقال "لا محبة إلا من بعد عداوة"، فسرعان ما تحوّل ألم العضة لشغف بتربية وحماية الطيور والحيوانات والزواحف.

يقول فضل لمراسل "آفاق البيئة والتنمية": "أقبلتُ بحماس على كل مصادر المعرفة حتى أدخل عالم الصقور بدايةً، ومن ثم الزواحف والحيوانات، واكتسبتُ كماً هائلاً من المعلومات، ومن ثم انخرطت في الحياة البرية، وبدأت أرّبي الثعابين والزواحف غير السامة والحيوانات البرية المتنوعة والطيور المهددة بالصيد أو القتل للحفاظ عليها من المخاطر.
وأضاف: "لقد أصبحتُ مهووساً بالحياة البرية وبتفقّد الأماكن الريفية والحدودية لمراقبة الحيوانات والطيور المقيمة والمهاجرة لغزة، ما دفعني إلى ادخار المال بُغية إنشاء بيئة مناسبة للحفاظ عليها".

وعن الأصناف التي سعى لتكون بحوزته، يعدّد بعض الأسماء: "على سبيل المثال ما يُعرف بثعبان البقلاوية، وبؤ التراب، ورأس أسود، وأفعى الزيتون، وسلاحف، وحيوان الهامستر، وثعالب، وصقر الحوام، وصقر الشاهين، وطائر البوم، إضافة إلى العديد من الحيوانات المحنطة".

يحاول جاهداً تطوير نفسه بالتعلم أكثر حول هذا الجانب، ويهتم بإجراء أبحاث، وعندما يشق عليه الوصول إلى معلومة يسارع إلى الاتصال بأساتذة جامعيين لاستشارتهم الذين يرحبون بمساعدتهم.

أنشطة متنوعة
لِدى فضل قناة في "يوتيوب" وصفحات في مواقع التواصل الاجتماعي، ويواظب على بث مقاطع فيديو فيها، ويسعى إلى توعية عامة الناس بأهمية الطيور والحيوانات والزواحف، وأنها لا تشكل خطراً على حياة الإنسان، وتوضيح دورها البالغ في الحفاظ على التنوع الحيوي.

ويبدى ارتياحه لإقبال وتفاعل المتابعين مع المحتوى الذي ينشره، لافتاً إلى تواصل المزارعين معه عند رؤيتهم لثعبان أو حيوان يهدده الخطر أو يكون مصابًا.

ومن أنشطته التي يعتز بها في هذا الصدد، عقده دورات توعية للعديد من الجهات مثل عمال بلدية غزة وجهاز الدفاع المدني، حول سبل التعامل مع الأفاعي ومعرفة السامة من غير السامة، دون أن يعرّضوا حياتهم للخطر.
ويواصل حديثه بابتسامة إنجاز: "حصلت على ذكر حيوان مهدد بالانقراض اسمه "غراير العسل"، وأحاول الحصول على أنثى له للإكثار منه، لأطلقهم في بيئتنا الفلسطينية، كما أخطط لإطلاق أربع سلاحف بحرية في بحر غزة".
وفي الختام، يتمنى فضل أن تُتاح له فرصة السفر للالتحاق بدورات وكسب خبراتٍ أعمق على يد مختصين بيئيين  إقليمياً ودولياً.
الحيوانات حلٌ لمشاكل الأطفال
أطلق الشاب رشيد عنبرـ (ـ32 عاماً) مبادرة تستهدف الأطفال ليُعزز لديهم ثقافة الرفق بالحيوان، وللوهلة الأولى عند دخولك منزله تظن أنك في زيارة إلى حديقة الحيوان.  

عنبر، الحاصل على شهادة الاقتصاد والعلوم السياسية، لم يجد له متّسعاً في دوامة السياسة المنهكة، ففضَّل أن يتبنى مبادرة ذاتية دون أي دعم أو تمويل، وبموجبها ينّفذ جولات ميدانية لبعض رياض الأطفال والمدارس الابتدائية، كما ينظم بعض المعارض في الأماكن العامة.

يقول: "كثير من العائلات والأشخاص يزورون بيتي، إما بدافع الشغف أو لإنعاش معلوماتهم، وآخرون يفدون لكسر حاجز الخوف عند أطفالهم من الحيوانات".
ويُضيف عنبر: "هناك من يقتل ويسمّم بعض الحيوانات كالكلاب والقطط والثعابين، ظناً منهم أن الأخيرة سامة، ومهمتي أن أشرح للزوار ضرورة الحفاظ على هذه الحيوانات، وأن ثمة طرق رحيمة للحد من انتشارها، بعيداً عن قتلها".
ومن جهة أخرى، يرى عنبر أنه نجح إلى حد ما في تقديم حلولٍ للمشاكل السلوكية والنفسية عند الأطفال، عن طريق إشراكهم بالأنشطة المهارية التي تجعلهم يلمسون الحيوانات والطيور الموجودة والتفاعل معها.
مضيفاً: "لدي رؤية بشأن دمج الأنشطة الترفيهية والتعليمية بواسطة الحيوانات في أنشطة ودوائر التعليم خصوصاً رياض الأطفال والمرحلة الأساسية عموماً".

ويختم عنبر حديثه قائلاً: "آمل أن أكون قد وُفقّت في أن أجد لأطفال غزة ضالتهم فيما يخص التعامل مع الحيوانات والطيور ونسج صداقة لطيفة معهم، وأطمح إلى أن يتمدد هذا الإنجاز الجميل ليشمل أرجاء الوطن".
رصد وتصوير دون دعم

التوأمان لارا وماندي سرداح، انطلقتا من مبدأ "الصورة أبلغ من الكلام"، واتخذّتا من الكاميرا الخاصة بهما سلاحاً لتوثيق الحياة البرية في غزة، وكانت شبكات التواصل الاجتماعي منبراً لهن.
صفحتهم في فيس بوك، تشعرك أنك تدخل إلى معرض أو استديو خاص بالطيور والحيوانات البرية، والزواحف، والأزهار، وبطبيعة الحال ترفدان كل صورة بمعلومة عنها.

تندهش لارا من التنوع الحيوي الذي تغتني به غزة، موضحة في حديثها معنا: "من أكثر المناطق تنوعاً هي وادي غزة، لا أبالغ، إنها كنز مليء بالطيور والزواحف والنباتات".

وعادة، فور وصولهما للمكان المُراد تصويره، تجري ماندي "مسحاً" للمكان بنظرة ثاقبة كالصقر، فلا تنفك عن مراقبة السماء والأرض لعل طيراً أو حيواناً مميزاً يمر في الجوار، وحينها تعطي الإشارة لنصفها الآخر "لارا" لتلتقط صورة مثالية.
تواصلان كلامهما: "يحرّكنا حس المسؤولية، لن نتراجع عن تصوير واستكشاف وتوثيق ما نراه في الحياة البرية، ولن نتوقف عن حثّ الناس على الحفاظ على التنوع الحيوي، رغم النكبات التي تلّم بالبيئة في غزة، في كل مرة تشن فيها "إسرائيل" حرباً على القطاع، وتعدم بطائراتها الكثير من جوانب هذا التنوع الحيوي".
الجدير بالذكر أن الأختين لا تتلقيان أي دعم من أي جهة كانت، إلا أنهما تواصلان المَهمة بالرغم من حاجتهما إلى جهة راعية لهذا المجال لمساعدتهما في وقف التعدي على المواقع البيئية، والحد من جريمة الصيد الجائر للطيور.

شباب يؤمنون بالتغيير
ترى عبير البطمة منسّقة شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية إن لجوء نشطاء البيئة إلى مواقع التواصل الاجتماعي لإيصال رسالتهم، كونها تتناسب مع شريحة واسعة من المجتمع، مكّنهم من بناء شبكة علاقات في مختلف المناطق والتشبيك مع مختلف المنظمات، سواء على مستوى مؤسسات المجتمع المدني أم المؤسسات الرسمية.
وما يعمد إليه الاحتلال الإسرائيلي من انتهاك وتدمير للبيئة الفلسطينية، ببنائه المستوطنات وجدار الفصل العنصري وقصفه غزة، وإلقاء شركاته مخلّفات المصانع السامة في أراضي المواطنين، كل ما سبق يلقي على عاتق كل مهتم وناشط في هذا المجال مسؤولية مضاعفة، تبعاً لقولها.

وتفرح البطمة كلما رأت شباباً من الجيل الجديد يؤمنون بالتغيير ولديهم ارتباط بالأرض، ويصبون جهدهم ووقتهم دون مقابل وبما يتيسر لهم من وسائل وأدوات في سبيل توعية مجتمع، ما زال الكثير من أفراده لا يشعرون بالانتماء والولاء للبيئة، حسب تعبيرها.
وتصف ما يفعله هؤلاء بــ "المهمة النبيلة" وخصوصاً استهداف الأطفال بالحملات التوعوية الهادفة لتربية جيل لا يتخلى عن البيئة، بل يغدو صديقاً وداعماً لها.

تقول البطمة لمراسل "آفاق البيئة والتنمية": "يا للأسف لدينا فئة كبيرة في مجتمعنا الفلسطيني تمارس الكثير من السلوكيات المدمرة والقاتلة للبيئة، منها الإسراف في استخدام المياه وعدم الحفاظ على هذا المورد كما يجب، فضلاً عن إلقاء النفايات في الأماكن التي كان من المفترض أن تكون محميات طبيعية، وليس انتهاءً بالتعديات على الحياة البرية بالصيد الجائر".
"ما الخطى التي يجب ألا يغفلها هؤلاء الشبّان؟" تجيب عن سؤالنا بالقول: "لا بد للنشطاء وشبكات البيئة من الضغط على جهات تنفيذ القانون لإنفاذه كي تُتخذ العقوبات الرادعة بحق كل من يرتكب مخالفة بيئية سواء أفراد أم شركات، بما ينص عليه القانون الفلسطيني".

وعن دور شبكة المنظمات البيئية، تخبرنا في هذا السياق أنه يشمل تنظيم البرامج وبناء القدرات لتعزيز المهارات الخاصة بتنظيم حملات ضغط ومناصرة بيئية، وإعداد مَراجع للنشطاء البيئيين.
وتفيد أن الشبكة تعمل جنباً إلى جنب مع كل الجهات المختصة بالبيئة، وذلك بإطلاق رقم مجاني لاستقبال شكاوى المواطنين البيئية، بحيث تُتابِع مع جهات الاختصاص للوقوف على حيثياتها ووضع الحلول، وكذلك لها جهود في إيقاف أي تعديات على البيئة.

سمّهم ما شئت، نشطاء البيئة أو حراسها أو "الدرع الحصين" لها، أو أي اسم آخر يروق لك، كل ما يهم أن هماً واحداً يجمعهم بغض النظر عن اختلاف ثقافاتهم أو ظروفهم أو تحصيلهم العلمي.
بعضٌ منهم، خلفيته العلمية لا علاقة لها بالبيئة من قريب أو بعيد، إلا أنهم اختاروا بملء إرادتهم حياة فيها يحرسون الطير والماء والهواء والتراب.
تعاهدوا على حب البيئة والحفاظ عليها، حاملين على عاتقهم مسؤولية توعية المواطنين بالحياة البرية والتنوع الحيوي وضرورة حمايتهما.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير