بعد التوجيهي.. خذ الزُبدة إذا كنت ميّالاً لـــ "تخصص أخضر"

10.09.2022 11:09 PM

وطن- هديل عوني عطاالله

إن كنت طالباً اجتاز "التوجيهي" بنجاح، هذا العام، تهانينا لك، والآن حان الوقت لتفكر ملياً في الخيارات المتاحة لك وفقاً لعدد من الاعتبارات، على رأسها الميول وحاجة السوق، ومن ضمن هذه الخيارات "التخصصات الخضراء" مثل الطاقة المتجددة والعلوم البيئية والزراعة والمياه والتكنولوجيا الخضراء، إذ يجد هذا التوجه تشجيعاً من الخبراء بعد أن بات مطلوباً بشدة في السوق المحلي والعالمي، ولكن قبل أن تُقدم على ذلك، ما رأيك أن تصغي قليلاً لمن خاضوا التجربة وتقرأ ما بين السطور، ففيها ما يستحق أن تعيره اهتمامك.

رونق واضح
لنبدأ بــ د. محمود شتات الباحث المتخصص في الطاقة المتجددة وتحلية المياه، فقبل 23 عامًا عندما لوّح  بيده مودعًا مرحلة الثانوية العامة، حرّكه شغفه كغيره من الشبّان المتفوقين نحو الهندسة، لا سيما أنه كان مميزاً في مادتي الرياضيات والكيمياء والمواد البيئية عموماً.

يقول إن تخصص الهندسة المدنية في الجامعة الإسلامية، في ذلك الحين، كان من أقوى التخصصات في قطاع غزة، وبطبيعة الحال لم تكن تخصصات الطاقة المتجددة متوفرة آنذاك.

"كلية الهندسة المدنية، في ذلك العهد، كان طاقمها التدريسي يزيد على 16 أكاديمياً، جُلهم خريجون من جامعات أميركية وبريطانية، وكانوا يمثلّون نخبة المجتمع في التسعينيات" يتحدث بحنين عن تلك الأيام.
ويعقد شتات مقارنة مع الوضع الحالي بقوله: "أصبح الآن لدينا الكثير من الجامعات ذات الطابع التجاري، مما أثرَّ على جودة التعليم نوعًا وكمًا على الطالب، ولم تعد ترقى إلى المستوى المطلوب، لا سيما مع غياب جهة حكومية تراقب الجامعات، على سبيل المثال كانت دفعتنا بمختلف تخصصات الهندسة لا تتجاوز 130، والذين تخرجوا منها لم يتجاوزا 70 أو 80، فمن استصعبها حوّل إلى كلية العلوم، أما حالياً يمكن أن يصل عدد خريجي الدفعة الواحدة ألف طالب".

ويشير إلى أن الوضع المتردي في جامعات غزة بسبب الحصار وتدني الرواتب، وعدم شعور الأكاديميين بالأمان الوظيفي ونيل حقوقهم كاملة، أدى إلى هروب الكفاءات والقبول بأي فرصة تسنح في الخارج، لتحجز تذكرة دون تردد "على أقرب طائرة".
ويعقّب بأسف: "غزة كانت تصدّر الكفاءات إلى دول العالم والضفة الغربية، فمعظم من كان يُدّرس في جامعتي بيرزيت والنجاح في الثمانينيات والتسعينيات هم من أبناء قطاع غزة".

حسناً، لنُعد إلى لب الموضوع، تحديداً التخصصات ذات الصلة بالبيئة والاقتصاد الأخضر والطاقة المتجددة، يؤكد شتات الحاصل على درجة الدكتوراة في تقنيات المياه والطاقة المستدامة من جامعة "نوتنغهام"، أن لها رونق واضح في السوق العالمي والسوق المحلي، موضحًا: "هذا زمنها، خاصة أن الحديث لا يتوقف عن التغير المناخي ومشكلاته حول العالم، ما يتطلب الكثير من المتخصصين لتخفيض الانبعاثات الكربونية التي تؤثر على البيئة".

وحسب رأيه، أن المعيار الأول لتوجه الطالب نحو أي تخصصٍ هو الشغف، "إذا أحبه سيبذل ما بوسعه حتى ينجح فيه ويتميز ويبدع، وفي حال التخصصات الخضراء أضف إلى الشغف عاملاً لا يمكن إغفاله، أن تتوفر لدى الطالب قدرات فنية وعقلية بمستوى لائق".
مضيفًا: "المجتمع الغزي بدأ في الآونة الأخيرة يدرك أهمية هذا النوع من التخصصات، وإن كان معدل 97 % فما أعلى ما زال يحصر تفضيل جُلّ الناس لكلية الطب".

وبكل صراحة يقول: "ابني مثلا قريبًا يصل إلى مرحلة التوجيهي، دوري أن أوجهه لكن الخيار له في النهاية، حتى لو حصل على 99% ورغب بتخصص يبدو عادياً لعامة الناس سأحترم رغبته".

التركيز على المختبرات
يحكي لنا شتات في هذا التقرير عن قصته مع المنعطف الأبرز في حياته عندما شد رحاله إلى بريطانيا عام  2006 للحصول على الدراسات العليا: "حينها في غزة لم يكن من أحد يهتم بالطاقة المتجددة أو التغير المناخي، إذ اقتصر الأمر على المتخصصين في المياه والتربة، بعيداً عما يخص التكنولوجيا ذات الصلة بوجود مصادر أخرى للطاقة".
ويمضي في حديثه: "في حقيقة الأمر اختياري لهذا التخصص كان محض صدفة، إذ كانت منحة الماجستير التي ظفرت بها من المجلس البريطاني في تخصص الهندسة البيئية والاستدامة، وعندما سافرت إلى المملكة المتحدة كان تخصص الطاقة المتجددة جديداً في جامعة دورهام".

"تُرى هل كان الأمر سهلاً بالنسبة لك؟".. سؤال على المحك، وجاءت الإجابة على لسانه: "كوني خريج هندسة مدنية ليس من السهل أن أكمل في هذا المجال الذي يحتاج في جزء منه إلى فهم عميق لتفاصيل الطاقة الكهربائية والميكانيكية، إلا أن حبي لهذا التخصص جعلني أدرس مواد استدراكية في بريطانيا من تخصصات الهندسة الميكانيكية والكهربائية حتى تميزت بفضل الله في هذا التخصص على مستوى عالمي وفزت بجائزتين دوليتين، الأولى على مستوى بريطانيا في مجال الطاقة المستدامة عام 2015، والثانية على مستوى العالم في دبي في تحلية المياه بواسطة الطاقة الشمسية في 2020.

يتوقف عليك
"ما تقييمك للتخصصات الخضراء الحالية في الجامعات الفلسطينية؟".. سؤال آخر توجهنا به لــ شتات، فقال: "هناك توجه للتخصصات الجديدة مثل برنامج الطاقة النظيفة في جامعة الأزهر بغزة، وعمره 5 سنوات، وقد درّست فيه وتخرّجت أول دفعة منه العام الماضي، وهناك قسم آخر في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية يتوجه نحو التخصص نفسه، لكن للمرة الثانية، المشكلة في الانهيار العام للجامعات، ومَنحاها الربحي حتى تغطي النفقات، والجودة المتدنية لدى الجامعات الخاصة، وكذلك تدني المعدلات التي تشترطها".
وبمشاركته في التحكيم في مسابقات ذات صلة، وجد أن شبابًا سجلّوا "ابتكارات خضراء" مع أن تخصصهم الجامعي بعيد إلى حد ما، ومع ذلك أثبتوا جدارتهم، لأن شغفهم دفعهم للبحث ومواكبة التطورات.

ويُطمئن القلقين من مستقبل هذا التخصص بعد التخرج دون أن يتجاهل الواقع: "نعم فرص العمل محدودة جداً في القطاع المحاصر، وعدد الخريجين كبير جدًا، لكن هذا لا يدعوك لليأس، خذ بنصيحتي ولا تركن لوظيفة بعينها، ضع في أجندتك أن تتوجه لفرص "العمل الحر" الإلكتروني" مع العديد من المؤسسات العالمية، وهذا يحتاج منك أن تطور مهاراتك وقدراتك التي قد لا تعلّمها الجامعة، وخاصة في برامج الطاقة المتجددة والنمذجة، والتغير المناخي".
ويشدد في هذه المسألة أيّما تشديد: "مجدداً أكرّر: الأمر يعتمد عليك كليًا، الجامعة تعطي الأسس للبناء عليها لاحقاً، لكنها لا تعطي كل شيء، وإذا لم تتابع التطورات والبحث أولًا بأول ستصبح مُغيّباً، لا سيما في مجال كفاءة الطاقة وأنظمة التحلية على وجه الخصوص".

ويتمنى من أعماقه أن تركز الجامعات الفلسطينية في تخصصات كهذه على الجانب العملي تماماً كما الشق النظري، لأنه لو تحققت "هذه الأمنية" فذلك أدعى لتحقيق التعبير الشعبي الدارج "طريقك خضرا".
يشرح هذا المِفصل بقوله: "في بريطانيا منذ بداية المراحل التعليمية يعلّمون الطالب أن يعتمد على ذاته ويحصل على المعلومة بنفسه، بعد أن يعطوه تكنيك وفنيات أساسية، بعيدًا عن نظام التلقين، وما يساعد على فتح الآفاق الاهتمام بالمختبرات التي تكتفي الجامعات المحلية بتوفيرها بالحد الأدنى، لما تقتضيه من تكلفة تشغيلية وتوفير مواد كيميائية ومعدات".
وفي المقابل، لا يخفي انبهاره بــ "إنفاق الجامعات البريطانية بسخاء على المختبرات وتوفير مواد كهربائية وكيميائية، نظراً لتوفر الدعم المالي والأكاديمي" تبعًا لحديثه.

هكذا تتفتّح الآفاق
يحكي الباحث الذي اقترب من درجة "بروفيسور" لــ "آفاق البيئة والتنمية" عن موقفٍ فيه من العِبرة ما يجدر بالمؤسسات الأكاديمية التوقف عندها: "سبق أن درَّستُ في جامعات في دول الخليج، ووجدت أن الأجهزة المتوفرة للأبحاث فيها أفضل من مثيلتها في الجامعات البريطانية، لكن الفرق أن في الأخيرة يصمم الطالب وينشئ الأجهزة، كي يعود للأساس العلمي لها، بينما في دول عربية يُستورد من الخارج مثل اليابان وأوروبا".

ويواصل: "وأنا في مرحلة الدكتوراة كان هناك ما يُعرف بــ "الموصلية الكهربائية والحرارية" لبعض المواد التي يجب فحصها في مجال المباني الموفرة للطاقة، فطلبتُ من البروفيسور المشرف توفير الجهاز لإجراء الفحص، وثمنه نحو 10 آلاف جنيه إسترليني إلا أنه لم تكن هناك موازنة لتغطيته، ما يعني أن يتوجب دراسة الأبحاث التي تفيد بكيفية صنع هذا الجهاز".
إذن ما باليد حيلة، لقد انكبّ د. محمود شهرين على البحث الدؤوب، وصنع جهازًا بتكلفة لا تتجاوز 500 جنيه إسترليني.
يبتسم بارتياح، معقبًا: "عصفوران بحجر، وهما فهمٌ علمي أعمق، وتوفير 90% من سعر الجهاز، والأهم أنه تفتّحت أمامي آفاقًا إبداعية للتطوير في جانب الطاقة المتجددة لأجهزة وأفكار أخرى، في سلسلة متواصلة من الابتكار، اختصرها بكلمتين "الشغف والشجاعة".

وفي ختام كلامه، يضع يده على إحدى السلبيات لعالم "التخصصات الخضراء" في غزة، وتتمثل في منع إدخال الكثير من المواد اللازمة والمجسّات والمواد الإلكترونية التي يتطلبها التطوير التكنولوجي في الطاقة الخضراء والطاقة المتجددة.
ونقطة أخيرة يتطرق لها، تتمثل في عدم القدرة على ربط المصانع والصناعات بالجامعات، قائلاً بشأنها: "غزة ملأى بالعقول الفذّة، لكن نفتقد الكثير الكثير من المواد والمعدات اللازمة، لأن بعض هذه المواد صنّفتها "إسرائيل" على أنها "متعددة الاستخدام" وبالتالي تمنع دخولها، هذا برّمته أثرَّ على التطور، لأن الطاقة المتجددة ليست طاقة شمسية ورياح فقط، وإنما تمتد إلى ما يخص الذكاء الاصطناعي الذي يحتاج إلى مواد عدة، مما أثرَّ سلبًا على التطور في هذا الحقل". 

انتبهوا للخطوط العريضة
تدلي د. إيمان أبو جزر بدلوها، وهي حاصلة على الدراسات العليا في الطاقة الشمسية من الجامعة الوطنية الماليزية. تخبرنا أنها حين قررت دراسة الفيزياء بعد إنهائها مرحلة الثانوية العامة، لم يكن لديها أي إرهاصات لوعي بيئي، وقد اختارت الفيزياء كونها مدخلاً لحلول تطبيقية ذات نفع.
"مع اتضاح الرؤية و التعمق في قضايا المناخ، عندما تقدمتُ للماجستير اخترت هذا التقاطع بواسطة تخصص تطبيقات الطاقة النظيفة" تقول د. أبو جزر .
وحسب رأيها فإن التخصصات "الخضراء" بمختلف أنواعها يكمن دورها في خلق الوعي بالمشاكل البيئية الحرجة العالمية والمحلية على حد سواء،  ومنحها الطالب الفهم الصحيح  ليجد حلولًا فعّالة لها.
وعلى أي حال، تنصح أبو جزر الراغبين بالالتحاق بتخصص أخضر أن يضعوا في اعتبارهم ثلاث نقاط، تلخصها لمراسلة "آفاق البيئة والتنمية" على النحو الآتي:
1. الشغف والرغبة في حماية الكوكب الذي نقطنه من تبعات التغير المناخي، وتعميره بموارد نظيفة غير ملوثة ما أمكن.
2. الايمان بالفرصة: إذ يشهد الاقتصاد الأخضر نموًّا متسارعًا عالميًا، لا سيّما في مجال الطاقة النظيفة، ما أدّى إلى توفر الكثير من الوظائف ذات الدخل العالي.
3. القدرة: لا بد من توفر القدرات العلمية وخاصة في مواد كالرياضيات والعلوم، والتحلي بمهارات أساسية مثل التفكير العلمي لحل المشكلات.

وللطلاب الذين يفكرون جدياً في هذا الخيار، تؤكد على هذه التوصية: "مثل هذه التخصصات تحتاج إلى خبرات واسعة في أكثر من مجال علمي، لذا لا بد من الانفتاح على مصادر التعلم المختلفة التقليدية منها وغير التقليدية، ما يعني أنه لا مفر من ممارسة التعلم الذاتي اليومي، من أجل الإلمام بمثل هذه الخبرات".

أكثر إلحاحاً في غزة
من خلال أعمال د. إيمان الاستشارية في "الاقتصاد الأخضر" فإنها تلاحظ بأن الشباب الدارسين لهذا النوع من التخصصات، اكتسبوا المهارات اللازمة لتقييم مدى جدوى أفكارهم الخلاقة الخضراء، وباتت قدرتهم على الابتكار تتقاطع مع فهمهم العميق للمشكلات البيئية وتقييم الحلول الأجدى لتنفيذها، مستدركة قولها: "هذا لا يعني بأن غير المتخصص لا يستطيع تقديم حلول فعالة، ولكن إن حدث سيحتاج إلى مسار طويل من البحث والتمحيص، ومزيد من الوقت والجهد مقارنة بالمتخصصين". 
وبالأرقام تدعم الباحثة في الطاقة الشمسية صحة ما يذهب إليه الخبراء بشأن ترحيب العالم للتخصصات الخضراء على نحو يسترعي الانتباه، فبناءً على تقديرات منظمة العمل الدولية يعمل2.3  مليون شخص في قطاع الطاقة المتجددة. ومن المتوقع أن يتسارع الطلب ليصل إلى 20 مليون وظيفة، منها2.1  مليون وظيفة في مجال طاقة الرياح، و6.3  مليون وظيفة في مجال الطاقة الشمسية بحلول 2030.

وتلفت إلى زيادة الطلب على التخصصات الخضراء لأسباب عدة، منها تعهدات الدول بتخفيض درجة حرارة الأرض بواسطة اتفاقية باريس للمناخ، وارتفاع أسعار الوقود الأحفوري بعد الحرب الأوكرانية الروسية، وزيادة الوعي البيئي، وتداخل التخصصات الخضراء مع التخصصات الأخرى المختلفة، ما يخلق فرص عمل جديدة.
"ماذا عن سوق العمل في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967 على هذا الصعيد؟".. تجيبني قائلة: "أرى أن وتيرة الطلب تتسارع على التخصصات الخضراء في فلسطين مقارنة بدول "الشرق الأوسط"، ويرجع ذلك إلى انخفاض القدرات الإنتاجية للكهرباء من الوقود الأحفوري وما ينتج عنه من أزمة حادة في قطاع غزة، وزيادة الطلب على تقنيات توفير الطاقة في البيوت والمصانع، وشيوع أزمات التلوث البيئي وخصوصا تلوث المياه والتلوث بالنفايات، ما يخلق فرصًا في قطاعات مختلفة".
وجدير بالذكر أنه وفقاً لدراسة سابقة، وُظّف في الضفة وغزة في قطاع الطاقة المتجددة 500 شخص بحلول عام 2018، وتوقعت الدراسة تضاعف هذا الرقم أربعة أضعاف بحلول 2023 .

البنية التحتية للبحث العلمي
يتوسع الوطن العربي في التعليم الأخضر أو البيئي على مستوى جامعات الشرق الأوسط، ومحليًا توجد العديد من البرامج الخضراء في الجامعات الفلسطينية، التي كان خريجوها على قدر من الإدراك للتحديات البيئية، إذ نجحوا في ربطه بالبحث عن حلول ذات بعد تجاري، تقول د. أبو جزر في ثنايا حديثها.
وتضيف: "يظهر ذلك جلياً في أعداد المتقدمين للمنافسات الخضراء المحلية كـHult Prize و Sawa Projectو MOUSTADAMA وكذلك في جودة أفكار المشاريع المقدمة وكفاءة الأنظمة المطبقة في بعض الأحيان، فينافسون بأفكار خلاقة في مجال المياه والطاقة والطعام.

إلا أنها تضع يدها على موطن الضعف، موضحة: "البرامج الخضراء المحلية بحاجة للموارد المالية لتعزيز بنيتها التحتية في الكثير من المعامل والبيئات التطبيقية العملية".
وبدورها تستحث المؤسسات الاكاديمية لتشجيع الطلبة على الانتساب للتخصصات الخضراء، عن طريق توعيتهم بأهميتها وارتباطها بالتنمية المستدامة بعقد جلسات إرشاد.
ومن وجهة نظرها أن ثمة تحول يحدث في وعي المجتمع الغزي، نتيجة تشبع السوق ببعض التخصصات وارتفاع نسب البطالة، مستطردة في السياق: "نلاحظ في السنوات الأخيرة زيادة الطلب على تخصصات كتكنولوجيا المعلومات والتخصصات الخضراء، ومع ذلك نحن بحاجة إلى مزيد من التوعية، بحيث تساهم فيها وسائل الإعلام بالتعاون مع المؤسسات الأكاديمية ومؤسسات المجتمع المدني".

وتشاركنا في جزئية أدهشتها في ماليزيا، ألا وهي البنية التحتية للبحث العلمي، تقول: "استوقفني أن أجندة البحث العلمي للطاقة الشمسية تتوافق فيها الدولة مع الجامعات ومراكز الأبحاث كافة، كما تتكامل الجهود بين الجامعات لتطبيقها. أبهرني حقاً حجم الإنفاق على البحث العلمي وما يتطلبه من معامل متنوعة تحتوي على تكنولوجيات وأجهزة متقدمة لإتمام المشاريع البحثية، فيُسمح لطلاب البكالوريوس الدخول لتلك المعامل لتتسع مداركهم".


إقبال من المعدلات المرتفعة
لم تنتهِ "الزبدة" بعد.. وهذه المرة يضعها بين يديك د.نصر أبو فول عميد كلية الزراعة والطب البيطري في جامعة الأزهر، فهو بكل أمانة، حسب تعبيره، ومن واقع عمله الذي امتد لعقود، يشجع الطلبة على هذا التوجه - شريطة توفر الرغبة والإصرار على النجاح- قائلاً: "معظم الخريجين من الكليات الأخرى يعانون البطالة، إلا أنها تقل بشكل ملحوظ بين خريجي كلية الزراعة مقارنة بالتخصصات الأخرى، الحمد لله معظمهم إما لديهم مشروعاتهم الخاصة أو يعملون في الوظائف العامة، فسوق العمل في هذا الحقل يشهد انتعاشًا  ومستقبله في فرص العمل يدعو للتفاؤل".

يعود د.أبو فول إلى عام 1977 عندما أنهى مرحلة الثانوية العامة وكان معدله 82% يؤهله للالتحاق بكلية الهندسة، إلا أنه نتيجة لما يعرف بالتنسيقات "من تحت الطاولة" وقتئذ، كان نصيبه في كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية، ولم يكن يدرك  ماذا تعني الزراعة والبيئة. ما حدث أنه مضى في طريقه بنجاح وتخرّج بتقدير جيد جدًا مع مرتبة الشرف، ثم واصل الدراسة في نفس التخصص "علوم وتكنولوجيا الأغذية"، وحصل على درجتي الماجستير والدكتوراة من نفس الجامعة.
وبعدها عمل في جامعات الضفة، ومن ثم في جامعة الازهر بكلية الزراعة والبيئة من عام 1993 حتى يومنا هذا.
الكلية المذكورة هي الوحيدة من نوعها في قطاع غزة، وتشمل ثلاثة تخصصات (علوم وتكنولوجيا الأغذية- إنتاج حيواني ودواجن- إنتاج نباتي ووقاية)، وحديثًا دشنّت قسم الطب البيطري، وبموجبها تُدرّس مساقات تساعد على صقل الطالب علميًا وعمليًا وتجعله قادراً على مواكبة سوق العمل.

وحول معايير القبول للطلاب الملتحقين، يقول العميد أبو فول إن كلّيته تقبل فقط طلبة الفرعين العلمي والزراعي، ومفتاح التنسيق 65% ، وأفاد أن معظم الملتحقين معدلاتهم في هذه الحدود إلا فيما ندر، في حين أن الطب البيطري معدله المسموح من 70% فما فوق.

مضيفاً في الصدد نفسه: "يلتحق بالكلية طلبة بمعدل يتجاوز 90% ، بل إنه وصل إلى 96% ، ولعل انضمام أصحاب المعدلات العالية يدل على تغير إيجابي مقارنة بالماضي  طرأ على وعي المجتمع بأهمية الزراعة والمياه والطب البيطري وما يترتب عليها من إفساح لفرص جديدة تلبي الحاجة إلى هذه القطاعات".

ويبدي ارتياحه إزاء الإقبال المتزايد من الطلبة الذكور وكذلك الإناث، ففي كل عام يُقبل حوالي 60 طالباً، منهم ما لا يقل عن 22 طالبة.
ويزيد بالقول: "سوق فلسطين بعامة، وغزة بخاصة، بحاجة ماسة إلى التخصص الأخضر، وحاليًا نعمل مع المؤسسات المحلية والأجنبية على استيعاب أكبر عدد من الخريجين لمواكبة التغير المناخي وتوفير الأمن الغذائي".

المشاريع الصغيرة موفقة
لا تتوفر بين يدي عميد الكلية إحصاءات تشير إلى مدى رواج سوق العمل في هذا الصدد، ومع ذلك يفيد أنه على مدار عام مضى، بدءاً من شهر سبتمبر/ أيلول الماضي سار التوظيف على النحو التالي:
- توظيف عدد من الخريجين في وزارات الزراعة والاقتصاد والصحة.
-توظيف أوائل الخريجين معيدين في الكلية لمدة عام، والعدد قابل للزيادة.
- 18 خريجًا يعملون في الإغاثة الزراعية وكذلك حصلوا على فرص تدريب.
-توظيف مهندسين في مزرعة الكلية على بند العقود.
-توظيف 70 خريجاً من التخصصات الثلاث عن طريق مكتب خلق فرص عمل التابع لمكتب الدكتور محمد اشتية.
-توظيف 14 خريجًا في مؤسسة  CH لمدة ستة شهور.
-توظيف عدد من المهندسين في المؤسسات الدولية والمحلية على بند المشاريع.

(ما هي النصيحة التي لا تنفك عن الهمس بها لطلابك؟).. يقول أ.د.نصر أبو فول: "أوجههم دائماً نحو المشاريع الصغيرة مثل وحدات التصنيع الغذائي والتربية الحيوانية وكذلك المشاريع الزراعية، وألمس استجابة من الخريجين، الذين يتواصلوا معي للاستشارة، وبدوري أقدم الإرشاد والتوجيه دون مقابل مادي، والحمد لله تسلّح الكثيرون منهم بالعزيمة فكُتب لمشاريعهم النجاح".

ومن جهة أخرى، يأمل أن تضع المؤسسات الأكاديمية في حسبانها توفير المنح الدراسية للطلبة لجذبهم إلى هذا النوع من العلوم.
وبحسب تجربته، يؤكد أن الدراسة الأكاديمية بصحبة الخبرة العملية تهيّئان ظروفًا جيدة للابتكار.
ووفقاً لقوله فإن كلية الزراعة في جامعة الأزهر، يتوفر فيها "أحدث الأجهزة العملية بدعم من المملكة المغربية ودولة الكويت ودول أوروبية، كما لديها مختبرات على مستوى عالٍ من التكنولوجيا خاصة في تحليل الأغذية والأدوية والمياه".
وعلاوة على ما سبق، تمتلك الكلية مركز إرشاد وبحث وإنتاج للمحاصيل ومنتجات الألبان والإنتاج الحيواني في مدينة بيت حانون يمتد على مساحة 140 دونما شاملًا التخصصات الثلاث في كلٍ من البحث العلمي والإرشاد والتدريب والإنتاجية.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير