طلبة فلسطينيون يواجهون التصحر بملابس من قشور البرتقال
وطن- عبد الباسط خلف
انهمك خمسة من طلبة الجامعة العربية الأميركية في جنين في تنفيذ فكرة تخفف من وطأة التصحر، بموجبها يحوّلون قشور الفواكه إلى ملابس، عبر استخراج مادة السليلوز الموجودة في قشور الفاكهة.
ستة أشهر بذلوا فيها قُصارى جهدهم حتى تدخل مبادرتهم حيز التنفيذ. والفريق مكون من سائد حنني الذي يدرس هندسة الكهرباء والمقيم في بلدة بيت فوريك، وليث نزال وأنوار غنام اللذان يدرسان هندسة الحاسوب، وأحمد أسعد المتخصص بالترجمة، وثلاثتهم يقيمون في جنين، إضافة إلى يزن حمد المتخصص في هندسة الكهرباء ويقطن في قلقيلية.
جدير بالذكر أن منظمة الأمم المتحدة، كرّمت أخيرًا الفريق الفائز على مستوى الوطن العربي في مسابقة مكافحة التصحر وتخفيف حدة الجفاف في المنطقة العربية، وذلك في مؤتمر أقيم بالعاصمة اللبنانية بيروت.
يخبرنا سائد حنني عن هذه الفكرة بقوله: "إن التحدي العالمي الراهن يتمثل في قطع الأشجار للحصول على الخامات المختلفة والأخشاب، باعتباره أحد أهم مسببات التصحّر".
"لكن لماذا قشور الفواكه؟.. السبب بالمختصر لأن قشور البرتقال والليمون خصوصًا، تحتوي على نسبة كبيرة من السليلوز تصل إلى 50%، ما دفع هؤلاء الشباب إلى التفكير بآلية لتحويل بقايا الفاكهة إلى منتج يمكن الاستفادة منه، بدلًا من إلقائها في القمامة.
حرير صناعي
يقول حنّني لـــ "آفاق البيئة والتنمية" إن النسيج المستخلص من الفواكه يمتاز بجودة عالية مُنَافِسة للقطن، ويُطلق عليه "الحرير الصناعي"، يسمى "الرايون" وهو نسيج مخلوط لا يُنسج بألياف واحدة، وله مزايا القطن الخالص والحرير، ويُستخدم على نطاق واسع في إنتاج الملابس والمنتجات الطبية والصحية.
ويؤكد أن استخلاص السليلوز من القشور ليست عملية كيميائية بل تكميلية، يجري بواسطتها إضافة مادة كيميائية للحصول على النسيج.
وينقسم النسيج المتوافر عالميًا إلى ثلاثة أنواع، أولها الصناعي المعتمِد على البلاستيك في إنتاجه، والذي يحتاج إلى 400 عام للتحلّل في التربة، فيما يُتخلّص سنوياً من 64 مليون طن من الملابس الصناعية التي تصل مكبات النفايات، وهذا يثبت حجم الدمار الذي تتسبّب به صناعة الملابس للبيئة.
أما الصنف الثاني فيُستخلص من الأشجار، ويمثل كارثة أخرى للبيئة، أما الثالث هو الطبيعي المصنوع من القطن، والذي يتحلّل بسرعة، لكن القميص الواحد يحتاج 2600 لتر من المياه للحصول عليه؛ كون نبتة القطن من أكثر الأنواع استهلاكًا للمياه.
وأوضح حنني أن دولًا عديدة في القارة الأفريقية تعاني شح مياه، ومع ذلك تزرع القطن، الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه.
حماية 120 مليون شجرة
عملَ الفريق ستة أشهر في مختبرات "الجامعة العربية الأمريكية"، بمساعدة مختبرات الجامعة عمومًا، لا سيما من الموظف الفني فيها الشاب محمد برغال.
ونجح الطلبة الخمسة في الحصول على نسيج السليلوز الطبيعي من قشور البرتقال، موثقين ما توصلوا إليه بإشراف كلية العلوم، بعد التحقق من أن نتاج عملهم مطابق للنسيج الطبيعي، وبالإمكان صناعة الملابس منه.
وهكذا تسنى لهم المشاركة في منافسة طلابية عالمية في الأعمال، وكانوا على قدر التحدي المتمثل في توفير مواد طبيعية من العدم، بحيث تصلح لنسيجٍ عالي الجودة لصناعة الملابس.
والمثير للاهتمام أن المشروع سيحمي 120 مليون شجرة سنويًا باستخراج السليلوز من قشور البرتقال المطابقة للمادة المستخرجة من الأشجار.
عائق وإنجاز وأمل
بالعودة إلى سائد حنني، يقول إن النسيج مُربح اقتصاديًا، بعد دراسات جدوى أجراها مع فريق الباحثين، إلا أن الأمر لم يخلُ من الصعوبات، إذ يتطرق إليها في سياق حديثه: "واجهتنا مشكلة ارتفاع أسعار المواد الكيميائية، التي يتطلب استيرادها 158 ضعف سعرها العالمي، ورأس مال كهذا بطبيعة الحال نعجز عن توفيره، لذا بدأنا في البحث عن مستثمر يتبنى الابتكار، لكن أحد المستثمرين طلب أن يكون له 50% من الشركة".
ووفق حسابات الفريق، يحتاج كل متر مربع من القماش 2,5 كيلو من قشر البرتقال، تلك المعطيات مكّنتهم من الفوز على مستوى الوطن العربي في مسابقة مكافحة التصحر وتخفيف حدة الجفاف في المنطقة العربية، التي نفذّتها منظمة "الإيسكوا" في الأمم المتحدة.
وحملت المسابقة عدة أهداف، أبرزها رفع وعي الشباب بمحاربة التصحر وتعزيز دوره، وفيها طُلب من كل فريق تقديم فكرة للحد من مشكلة التصحر وتخفيف حدة الجفاف، وقيَّمت الأفكار لجنة مكونة من خبراء وأكاديميين وممثلين عن المؤسسات الشبابية المهتمة، فيما أنتج كل فريق فيديو يترجم الفكرة التي عُرضت على اللجنة في مؤتمر خاص استضافته بيروت.
الفريق الفلسطيني خاض عدة جولات، نافس فيها 8 فرق على مستوى الوطن العربي، واجتازها بنجاح ليظفر بالمركز الأول "أفضل فكرة تحارب التصحر والجفاف".
ويعرب حنني عن أمله في الانتقال إلى مصر للاستفادة من خصوصية تجربتها في هذا الجانب، باعتبارها من أكبر مصدّري القماش، وتضم مصانع لعصير البرتقال، إذ تُعد خامس دولة عالميًا تعصر نحو 70% من برتقالها داخلها.
وبحسب الفريق، يحتاج استخلاص النسيج من القشور خمسة أيام، بعد نقعها في محاليل خاصة، والاستغناء عن البروتين والصبغات والروائح، وهي عملية يمكن أن تكون مجدية في حال توفرت قشور برتقال وفواكه، ورأس مال، فيما يمكن استخدام فضلات القشور بعد استخراج النسيج، مادة كيميائية مماثلة للصودا الكاوية التي تدخل في صناعة الصابون.
فكرة تخفف من وطأة التصحر تبادرت إلى أذهان خمسة من طلبة الجامعة العربية الأميركية في جنين. على يدهم أضحت الفكرة ابتكاراً تُحوّل بموجبه قشور الفواكه إلى ملابس، عبر استخراج مادة السليلوز ذائعة الصيت الموجودة في قشور الفاكهة.
قشور الفواكه عمومًا، والبرتقال والليمون على وجه الخصوص، تحتوي على نسبة كبيرة من السليلوز، تصل إلى 50%، وبدلًا من التخلص من بقايا الفاكهة في القمامة، ارتأى الفريق تحويلها إلى منتج يمكن الاستفادة منه.
خاص بآفاق البيئة والتنمية