إعادة تدوير "الطبالي" في طولكرم.. مشروع فردي يحصد الثمرتين

09.07.2022 08:30 PM

وطن- ميساء بشارات: "كنت أشاهد عشرات الطبالي الخشبية أو ما يُعرف بـــ "المشاتيح" ملقاة في الوديان، وسرعان ما تغلقها أمام حركة المياه الجارية، عدا عن عشرات أخرى تُرمى في مكبّات النفايات وتُحرق، وفي المقابل لطالما اشتكى التجار في السوق المركزي للخضار من نقص الطبالي، ومن هنا جاءت الفكرة".

هذا مختصر ما جاء على لسان الشاب خالد عودة الله (31 عامًا)، صاحب مشروع إعادة تدوير الخشب والمخلفات الصلبة، وإعادة إنتاجها لاستخدامها مجددًا، وقد نجح في صناعة نحو عشرة أصناف وأحجام من الطبالي وبيعها للشركات وتجار الخضار.
وقبل أن نبدأ بالتفاصيل، فلا بد من التنويه إلى أن مصطلح "مشتاح" المُتداول عبريّ، وليس عربيًا كما يعتقد كثيرون، والكلمة البديلة الأنسب لها "طبالي" ومفردها "طبلية".

أدوات بسيطة ومن ثمَّ مشغل

بالعودة إلى ابن مدينة طولكرم، كانت خلاصة تجربته مفادها أن "البلد مليء بالأفكار الخلاقة التي يمكن أن تصبح مشاريع مستدامة نحمي بها البيئة التي نعيش فيها".
مستدركاً قوله: "لكن الأمر بحاجة إلى النظر جيدًا، والعمل الجاد، وبعض من اهتمام المستثمرين والقطاع الخاص، أو الحكومة لنضمن الاستمرارية والنجاح".

وكما هو معلوم، إعادة التدوير تعني أخذ شيء قديم أو تالف لا يُستخدم، وإجراء بعض التعديلات عليه وتحويله لآخر جديد ومُفيد ومن ثم استخدامه بطرق مختلفة وفعّالة.

فوائد كثيرة لإعادة التدوير؛ على رأسها تحقيق عائدٍ مادي لصاحب المشروع وخلق فرص عمل، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، المساهمة في المحافظة على البيئة وبالتالي التقليل من التلوث، وكمية النفايات.

عملية من هذا النوع تحتاج إلى طاقة أقل من الطاقة التي تتطلبها عملية تصنيع المنتجات الجديدة، وهذا تحديدًا ما شجَّع عودة الله على تنفيذ مشروعه الذي بدأه قبل نحو خمس سنوات بأدوات بسيطة وتقليدية، ليصبح اليوم مشغلًا كاملًا.
كان خالد عودة الله يعمل في مجال الزراعة، وبعد حين لمعت في ذهنه فكرة إعادة تدوير النفايات الصلبة من طبالي الخشب، والنايلون، والمسامير، التي يستخدمها المزارعون والشركات، وجعل منها مشروعًا اقتصاديًا يجلب له دخلاً جيدًا.

ويضيف: "نعيش في وسط زراعي، وبحكم حاجة المزارعين للطبالي، ومن منطلق بيئي كان يجب أن نسعى نحو تقليل النفايات الصلبة لا سيما أنه يصعب تحللها وإعادة تدويرها لإنتاج شيء صالح للاستخدام، وبذلك نخفّف من ضررها على البيئة الذي يتمثل في إلقائها في تجمعات النفايات أو على الطرق أو بين الأودية أو حرقها".

كل شيء لصالح البيئة

بمشاركة شقيقه، يتوجه خالد كل يوم إلى الشركات التي تستخدم الطبالي "المشاتيح" للاتفاق معهم بشأن جمع مخلفاتهم منها، ولاحقًا يجلبها إلى مصنعه البسيط، ليعيد تدويرها بماكنات بدائية".
"تبدأ العملية بفرز الطبالي "المشاتيح" الخشبية التي نجمعها من توالف الشركات، ونختار ما يصلح لإعادة تدويره، لصناعة مشاتيح أخرى بأحجام مختلفة، ومن بقية الخشب نصنع قطعًا صغيرة من أثاث المنازل من مناظر، وزينة، وقوارير، وأخشاب صغيرة نبيعها للأفران" يواصل حديثه لــ "آفاق البيئة والتنمية".

أما المسامير المتواجدة في الطبالي تُجمع كاملة ومن ثم تُبرد، ويبيعها عودة الله سمادًا عضويًا للمزارعين، ليس ذلك فحسب، بل أنه أيضًا بعد جمعه النايلون يرسله إلى مصنع في الخليل كي يعيد تدويره.
ويشعر بالارتياح للنتيجة المُرضية التي حصدها: "من الجيد أننا نتخلص من المسامير التي تملأ جوانب الطرق وتتسّبب بثَقب إطارات السيارات، إضافة إلى تخلصنا من البلاستيك الذي يصعب تحلّله وهو من أكبر السموم التي تضر البشر".
ويُعد الخشب من أكثر المواد القابلة للتدوير أهميةً، إذ يمكن تحويله إلى عدد كبير من المواد الثانوية، ولهذا نجده في العديد من المواد التي نستخدمها يوميًا.

ويسدي المشروع خدمة للشركات والمصانع بتخليصها من مخلفات "المشاتيح"، والتخفيف من عبء إتلافها، بل وأيضًا أصبحت مصدر دخل إضافي لأرباب العمل.

هذا، وحصل المشروع أخيرًا على منحة من لجان الإغاثة الزراعية قدّمت بموجبها آلة لصنع الطبالي بأحجام متنوعة، كما أصبح مصنع إعادة التدوير يضم عاملًا إلى جانب الإخوة الثلاثة.
صوت عودة الله بدا يضخ بالحياة عندما عبَّر عن مشاعره قائلًا: "يحق لنا أن نفخر بنجاح مشروعنا الريادي الذي أضحى مصدر رزق لأربع أسر، وبعد أن كنا نعمل بأدوات يدوية لعام ونصف، أصبحنا الآن نعمل بآلات جديدة وماكينة حديثة لقص الخشب، وانتقلنا إلى "بركس" كامل بعد أن كان مَشغلنا أسفل عريشة".

وتشهد المناظر المنزلية الخشبية، على وجه الخصوص، إقبالًا كبيرًا من الزبائن، كما أن الكرتون انضّم إلى الأصناف التي يعيدون تدويرها فيصنعون منه صناديق للخضار تُباع للمزارعين والتجار.

ويؤكد على نقطة بالغة الأهمية: "نستثمر كل شيء لصالح البيئة، وبإعادة تدوير التالف من "المشاتيح" يكون الناتج "صفر نفايات".
وعن آفاق تطوير المشروع يخبرنا بقوله: "لدينا رؤية للتوسع في جمع الكرتون التالف وإعادة تدويره على شكل قوالب، حتى نلبي حاجة السوق الكبيرة إليه، بدلًا من شرائها من الخارج أو من الأراضي المحتلة".

صفر نفايات
من جانبه، يُشيد عاهد زنابيط مدير عام الإغاثة الزراعية في شمال الضفة الغربية بالمشروع، واصفًا إياه بــ "ناجح بيئيًا واقتصاديًا وزراعيًا".

ويعقّب قائلًا: "يكفي أنه يخلّص المنطقة من تكدّس النفايات الصلبة والمتمثلة في "المشاتيح الخشبية" وما ينتج عنها من خشب ونايلون ومسامير وكرتون".

مردفًا حديثه: "أجمل ما في الفكرة أنها تنتج صفر نفايات، وتقوم على تدوير كل شيء".
وأشار إلى دور الإغاثة في دعم المشروع: "قدمنا منحة لصاحبه لشراء آلة لقصّ الطبالي "المشاتيح" والمسامير، لتصبح المهمة أسهل وأسرع بدلًا من الاعتماد على الأدوات اليدوية".

جدير بالذكر أن دول العالم العربي تعد من أقل دول العالم انخراطًا في هذا النوع من المشاريع، أي إعادة تدوير النفايات والاستفادة منها، بينما انتهجت كثير من الدول المتقدمة سياسات واضحة بشأن إعادة التدوير للتخلص من النفايات، فتُفرز مكوناتها مثل الورق، والزجاج، والقطع المعدنية، والمخلفات الإلكترونية، والنفايات العضوية، والنفايات الخشبية، وتعيد تصنيعها مرة أخرى.
فيما تخلّف العديد من الشركات كميات كبيرة من النفايات، وفي معظم الأحيان لا يعاد استخدامها أو تدويرها، وإنما تُرسل إلى مدافن النفايات أو المحارق، لتشكل مخاطر جسيمة على البيئة، عدا عن أنها تعد خسارة اقتصادية كبيرة لم تُعط الأهمية المطلوبة حتى الآن.

الشاب خالد عودة الله من طولكرم، صاحب فكرة مشروع إعادة تدوير الخشب والمخلفات الصلبة، وإعادة إنتاجها ليتسنى استخدامها مرة أخرى.

عودة الله كان يعمل في مجال الزراعة، وقرر إعادة تدوير النفايات الصلبة من طبالي الخشب، والنايلون، والمسامير، التي يستخدمها المزارعون والشركات من باب الحفاظ على البيئة، وفي الوقت نفسه اتخذ لعائلته مصدر رزق جيد بتنفيذه مشروعًا اقتصاديًا يخلّص الشركات والمصانع من مخلّفات الطبالي "المشاتيح" والتخفيف من عبء إتلافها، فضلًا عن خلق مصدر دخل إضافي لأرباب العمل.
ويأمل إعادة تدوير الكرتون التالف على شكل قوالب، ليلبي حاجة السوق الكبيرة إليه، بدلًا من شرائه من "إسرائيل" والخارج.
وأجمل ما في الفكرة أنها تنتج "صفر نفايات"، وتقوم على تدوير كل شيء.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير