المحامي طارق طوقان يكتب لـوطن: جدول رسوم القضايا والأخذ بالأسباب!

25.06.2022 04:06 PM

 

ليس خافيا على أحد حجم الأزمات المتلاحقة التي يعانيها المجتمع الفلسطيني منذ فترة، من موجات غلاء ووباء فضلا عن الاحتلال أعظم بلاء، لكن المشكلة الأعظم والأزمة الأخطر هي غياب التخطيط والدراسات المسبقة في مواجهة كل ما سبق وفي مجال التشريع والتنظيم، ولعل هذا ما نراه ونلمسه يوميا من قرارات تتعلق بشؤوون المجتمع، ولعل أخر هذه القرارات وأوضح مثال عليها، ما أقره مجلس الوزراء مؤخراً وفي جلسته المنعقدة يوم 20/6/2022، من تعديل لجدول رسوم المحاكم النظامية بقانون رسوم المحاكم النظامية رقم 1 لسنة 2003، مما أدى إلى رفع رسوم التقاضي بشكل كبير ومبالغ به في العديد من القضايا التي يتم رفعها أمام المحاكم النظامية الفلسطينية، ان لم يكن أغلب هذه القضايا.

بداية فإن مسألة تقدير رسوم التقاضي وتكلفة الأعباء المالية المتعلقة باللجوء إلى القضاء، هي من المسائل ومن الأمور التي يحرص المشرع على ايلائها عناية فائقة ونظرة ثاقبة ولا تتخذ فيها القرارات جزافا، فقد يكون هدف المشرع مثلا تشجيع المواطنين على اللجوء إلى الوسائل البديلة لحل النزاعات، وأقصد هنا الوسائل الرسمية والقانونية من مثال التحكيم والوساطة وليس الوسائل غير القانونية أو العشائرية أو استيفاء الحق بالذات، أو قد يكون هدف المشرع وصانع القرار تخفيف العبء عن المحاكم وأن يفكر المرء مرات ومرات قبل أن يقوم بتسجيل شكاوى كيدية أو قضايا صورية! أو قد يكون هدف المشرع هو تجنيد المال الضروري لتطوير مرفق العدالة من خلال جعله أكثر احترافية وأكثر تخصصاً!

فهناك أسباب عديدة قد تدفع المشرع إلى اتخاذ مثل هذا القرار السابق ذكره أعلاه، ولكن بعيدا عن أي مناكفات أو تجاذبات يحق لكل مواطن أن يسأل الحكومة عن أسباب هذا القرار المذكور أعلاه، وعن الدراسات التي سبقته أو بررت اصداره، أو في أبسط الأسئلة كيف تم اتخاذ هذا القرار؟  فحق التقاضي هو من الحقوق التي كفلها القانون الأساسي الفلسطيني، وحق المواطنين في الوصول إلى العدالة هو حق كفلته الشرائع الوطنية وتحض عليه الشرائع السماوية والوضعية، والأصل أن الحكومة تشجع المواطنين على اللجوء إلى المحاكم النظامية والتقاضي من خلال النظام القضائي الرسمي والأصل أن الحكومة والدولة تعمل على تخفيف الأعباء المترتبة على ذلك، ومراعاة الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية التي يعيشها المواطنون، ضمن سياسة الحكومة التي تقوم على تحقيق المصلحة العامة وتعزيز صمود المواطنين، خاصة في ظل الظروف التي سبق ذكرها ويمر بها الشعب الفلسطيني من بلاء ووباء وغلاء.

وقد رشحت أخبار صباح هذا اليوم تفيد بأن الحكومة قررت ايقاف العمل بهذا القرار وأن يقوم وزير العدل بالتواصل مع نقابة المحامين ومجلس القضاء والأطراف المعنية بخصوص مراجعة القرار بالشكل الذي يحقق مصالح المواطنين ويحترم المبادئ الراسخة في القانون، مما يدعو البعض إلى الظن والتساؤل هل كانت هذه المبادئ وهذه المصلحة غائبة عن ذهن من أعد ووافق على القرار قبل اصداره؟ وهل كانت نقابة المحامين مثلا في إجازة والآن تقرر مشاورتها بعد عودتها من اجازتها؟ والسؤال الأهم ماذا لو بقي هذا الجدول وبقيت الحكومة مصممة على موقفها بخصوص رفع هذه الرسوم، ما الذي فعلته الحكومة حتى تضمن مسألة سيادة القانون واحترام قرارات السادة القضاة وتنفيذ الأحكام الصادرة عن محاكمنا الفلسطينية، فليس من المعقول أن نزيد تكلفة الوصول إلى قرارات وأحكام قضائية، للأسف قد تبقى حبيسة أدراج دوائر التنفيذ وأدراج مكاتب الشرطة، وفي بعض الأحيان وأيضا للأسف قد تذهب، أي هذه القرارات وهذه الأحكام، أدراج الرياح! ولا يتوقف هذا النهج على القرارات الفردية أو القرارات الشخصية بل رأيناه مثلا في قرارات قضائية لها سياق عام وتم أخذ القرار بها من أعلى المحاكم ولكن وللأسف لم يتم تنفيذها من قبل السلطة التنفيذية.

في الختام، وفي ظل غياب المجلس التشريعي، صاحب الولاية العامة للتشريع وللرقابة والمسائلة، فليس هناك من مندوحة ولا مناص عن ضرورة وأهمية إيجاد وتبني آليات لضبط العملية التشريعية، ولعل من أهم هذه الآليات وجود مذكرات مبررات واسباب صدور التشريع والمذكرات الايضاحية والتفسيرية في حالة القوانين والتشريعات الأساسية، وأيضا القيام بعملية تقييم الأثر التشريعي سواء عند عملية تحضير القوانين أو الأنظمة أو القرارات التنظيمية، بالإضافة إلى أهمية عملية التشاور والمشاورات مع الجهات ذات العلاقة ومؤسسات المجتمع المدني من نقابات وجمعيات تخصصية حين تحضير مشاريع القوانين والأنظمة والقرارات، لما لهذه الممارسات والتي تعتبر ممارسات فضلى في عملية التشريع من ضمان لجودة التشريعات وضمان لتطبيق هذه التشريعات بشكل سليم وفعال ومنسجم مع باقي التشريعات القائمة والمعمول بها فضلا عن تحقيقه لمصلحة المجتمع وأخذه بعين الاعتبار بمصلحة المواطن وأوضاعه الاقتصادية والاجتماعية. وما ندعو إليه اعلاه ليس فقط ممارسات فضلى على المستوى العالمي، ولكن حتى بالعامية نقولها ونسميها "الأخذ بالأسباب".

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير