مصانع الكمبوست الفلسطيني تواجه الإغلاق في ظل المنافسة الإسرائيلية

21.03.2022 11:30 PM

وطن: فراس الطويل: انطلقت شركة الأسمدة الفلسطينية عام 2012 في مدينة أريحا لإنتاج السماد الطبيعي "الكمبوست" وذلك بتحويل سعف النخيل الجاف إلى سماد عضوي وبيعه بديلًا للمخصّبات الكيميائية.

وقد حظي منتج الشركة الذي حمل اسم "بلدنا" بثقة المزارعين، لكنه لم يستطع الصمود في وجه منافسة المنتجات الإسرائيلية، فيما حذرت تقارير من تلوث بعضها بعناصر ثقيلة وسامة.

توقف الشركة الفلسطينية عن الإنتاج كان محركًا لإعداد هذا التقرير عن واقع صناعة الكمبوست في الأراضي الفلسطينية، وتناول الأسباب التي تحدّ من تقدمها لا سيما أن المنافسة الإسرائيلية على أشدّها، والحديث يتزايد عن خطط تنموية في القطاع الزراعي.
يُعرف "الكمبوست" كما ورد في موقع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (فاو)، بأنه خليط من مواد عضوية
متحللة، مثل أوراق الشجر و"الزبل" والسباخ، ويُستخدم لتحسين قوام التربة وتوفير المغذيات.

تتحلّل النفايات العضوية إلى دبال (مادة عضوية متحلّلة)، إذ يُعاد استخدامها لتكون مغذيًا مفيدًا، ويمكن إعدادها بطرق شتّى، منها تحلّل السماد الطبيعي باستخدام الديدان، الذي يكون مفيداً من أجل التسميد باستخدام نفايات الأغذية؛ والتسميد بالتحلّل الجرثومي (مع الهواء)؛ والتحلّل (من دون هواء).

تكاليف مرتفعة وسيطرة إسرائيلية مطلقة
قبل عشر سنوات كانت انطلاقة "شركة الأسمدة الفلسطينية" في أريحا، ووصلت الطاقة الإنتاجية للشركة إلى حدود 50 ألف كيس (19 كيلو للكيس الواحد)، بواقع 90 طنًا شهريًا.

واعتمدت الشركة على سعف النخيل ومخلفات مزارع الموز وبقايا الخضروات التالفة في سوق الخضار مع إضافة مخلفات حيوانية (زبل الدجاج والأبقار والأغنام)، بحيث تُخلط هذه المكونات تحت إشراف هندسي بعد مراحل من الفرم والترطيب والتقليب، ومن ثم يُوزع نتاجها على التجار والمزارعين والمشاتل في مختلف أنحاء الضفة الغربية، كما يوضح مدير التسويق في الشركة نظام القواسمة.
فيما لم تصمد التجربة أكثر من عشرة أعوام في خضّم منافسة إسرائيلية شرسة، يقول القواسمة.

ويؤكد أن تكاليف العملية كانت مرتفعة، إذ يُكلف إنتاج الكيس الواحد من السماد العضوي 7.5 شيكل، بينما يُباع نظيره الإسرائيلي بحدود 4.5 شيكل.

ويضيف: "في "إسرائيل" تُمنع عمليات حرق مخلفات المزارع، مثل مزارع الموز والذرة وغيرها، فيما تُنقل المخلفات إلى مصانع الكمبوست التي لا يكلّفها الأمر سوى مصاريف النقل فحسب، وبالتالي تحصل على مواد خام بتكلفة منخفضة جدًا، على عكس المصانع الفلسطينية، إذ يرفض مزارعو الموز مثلًا منح مخلفات مزارعهم مجانًا للمصانع الفلسطينية، ويفضلّون حرقها بدلًا من إعطائها للمصانع، ما يجعل مدخلات الإنتاج الأساسية مكلفة".

فضلًا عن أن المواصفات الفلسطينية تشترط ترطيب "الكمبوست" بمياه محلّاة لتجنب وجود أملاح في المنتج النهائي، وهو جانب يفوق قدرة المصانع المحلية ويزيد تكلفة الإنتاج، قال القواسمة.
وهكذا تصبح المنافسة صعبة، بل مستحيلة، بما أن تكاليف الإنتاج مرتفعة والوعي لا يرقى إلى المستوى المطلوب بشأن أهمية التخلص من المخلفات بطرق سليمة بعيدًا عن حرقها.
ويأسف القواسمة لما آل إليه الحال بعد استثمار نحو 400 ألف دولار في شركة الأسمدة الفلسطينية، من دون دعم كافٍ لمواجهة ضغط المنافس الإسرائيلي.

الأولوية للكمبوست المحلي
شركة الأسمدة الفلسطينية واحدة من 17 جمعية وشركة أُغلقت أبوابها في الضفة الغربية وقطاع غزة في الآونة الأخيرة، بحسب بيانات خاصة حصلت عليها "آفاق البيئة والتنمية" من وزارة الزراعة، بيد أن الجمعيات التي ما زالت تعمل لا يتجاوز عددها 8 منشآت.
يقول عمار صلاحات مدير عام الأراضي الزراعية في وزارة الزراعة إن المنشآت والجمعيات المحلية بحاجة إلى الالتزام بالمواصفة الفلسطينية الخاصة بإنتاج السماد العضوي.

وأضاف: "نفذّنا مشاريع مع الإغاثة الزراعية، لإعطاء المنتجين الإرشادات والتعليمات اللازمة للإنتاج وفقًا للمواصفات".
وشدد صلاحات على أن الحكومة تعطي الأولوية للمنتج الفلسطيني في العطاءات الحكومية والمؤسسات التابعة لها. وأردف قائلًا: "تفحص الوزارة كل منتجات السماد العضوي التي تدخل الأراضي الفلسطينية، لكن ما يدخل عن طريق التهريب لا يخضع للفحص".

"فشل على المستوى الوطني"
المهندس الزراعي سعد داغر كان يتزود بالسماد الطبيعي لمشتله في مدينة البيرة بواسطة المصنع الفلسطيني، إلا أنه بدأ البحث عن مزود محلي آخر بعد توقف المصنع عن الإنتاج، وهو أمر عدَّه داغر فشلاً على المستوى الوطني. ومع ذلك فهو غير مستعد لشراء المنتج الإسرائيلي مهما كان سعره رخيصًا.
يقول: "إذا حصلت سيطرة إسرائيلية على سوق السماد الطبيعي، فهذا يعني فشلنا، لأن المكونات اللازمة للإنتاج متوفرة وبكثرة، وكذلك المنشآت والخبرات".
وأبدى استغرابه من الحديث عن توقف مصانع عن الإنتاج في أعقاب مبادرات عدة في السنوات الماضية لتأسيس مصانع محلية وتقديم استشارات من مؤسسات وجهات محلية وخارجية.
وبدوره طالب داغر، الذي ينشط في مجال الزراعة البيئية بضرورة إجراء دراسة علمية عن أسباب توقف بعض المصانع عن الإنتاج لمنع هذا القطاع من الانهيار، وكي لا تُخلى الساحة تمامًا للشركات الإسرائيلية.

رخيص لكنه ملوث وسام
في عام 2018 كشف تحقيق استقصائي أجرته مجلة آفاق البيئة والتنمية عن خضار فلسطينية سُمّدت بنفايات منزلية إسرائيلية مطحونة، تحمل سبعة عناصر معدنية ثقيلة منها الرصاص والزرنيخ في مخالفة لقانون الزراعة الفلسطيني وتحديدًا المادة "رقم 24" ونصّها: "لا يجوز تسميد المزروعات بفضلات الإنسان، أو بأي سماد، أو نفايات سائلة، أو صلبة مختلطة بها أو مستمدة، إلا بعد معالجتها حسب المواصفات والمقاييس المعتمدة".
وكشف التحقيق أن الأسمدة الإسرائيلية تُنتج في مصنع مقام على أراضي الأغوار الفلسطينية من خلال أكوام رمادية متوهجة بفعل شوائب زجاجية وبلاستيكية، ومخلفات مطحونة لكل ما يستهلكه الإسرائيلي في منزله، من حفاضات أطفال وورق مرحاض متسخ إلى عبوات تنظيف مليئة بمتبقيات الكيماويات.

50% من النفايات قابلة للتدوير
تُقدّر كميات النفايات الصلبة المنتجة في الأراضي الفلسطينية بحوالي 2551 طناً يومياً، بواقع 1835 طناً يوميًا في الضفة الغربية و716 طناً يومياً في قطاع غزة، وذلك تبعًا لمسح البيئة المنزلية (2015) في الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني والذي تظهر نتائجه أن معدل إنتاج الأسرة الفلسطينية من النفايات الصلبة 2.9 كغم؛ إذ بلغ متوسط إنتاج الأسرة في الضفة الغربية حوالي 3.2 كغم، أما في قطاع غزة فبلغ نحو 2.4 كغم.

وفي الوقت الذي تشكل فيه النفايات الصلبة ثروة من المواد الخام في العديد من الدول، بحيث يُعاد استغلالها دون ذهابها هدراً، بقي الوضع في الضفة وغزة مختلفًا؛ بمعنى أنه يُهدر حوالي 20 ألف طن من النفايات الصلبة من
المنشآت الاقتصادية شهرياً، باستثناء إعادة تدوير بسيطة للورق والبلاستيك.
ويأتي ذلك، مع أن وزارة الحكم المحلي أطلقت في نهاية 2018 الإستراتيجية الوطنية لإدارة النفايات الصلبة (2017-2022)، والتي هدفت إلى رفع مستوى وعي المواطنين وتقليل إنتاج النفايات، لخفض الكميات المخصصة للتخلص النهائي منها وطمرها إلى 10% على المدى البعيد.

وأظهر تقرير تقييم الوضع الحالي لإدارة النفايات الصلبة، والذي نُشر من قِبل وزارة الحكم المحلي في أغسطس/ آب  2017، أن أكثر من 50% من مكونات النفايات الصلبة عبارة عن مواد عضوية، إذ أنه بمعرفة مكونات النفايات ومصادرها المختلفة يمكن تعزيز فرص معرفة الجدوى من فصل أو تقليل النفايات الصلبة المنتجة مثل فصل البلاستيك والمواد الأخرى لإعادة تدويرها.
وفي المحصلة، تقف الجهات الفلسطينية الرسمية عاجزة عن وقف تغلغل الأسمدة الإسرائيلية في السوق الفلسطينية، ما يعني أن منتج الأخيرة لن يتمكن من الوقوف على قدميه أمام معطيات تصب في مجملها لصالح الاحتلال.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير