غزة والصيد الجائر.. هكذا نُهدد استدامة "ثروتنا السمكية"

18.03.2022 01:15 PM

وطن- آلاء المقيد: يعمل الصيادون الفلسطينيون في ساحل قطاع غزة الذي لا يتجاوز طوله الأربعين كيلومترًا، لساعاتٍ طويلة داخل البحر دون مللٍ، مستخدمين وسائل وسبل الصيد كافة، لتحصيل قوت يومهم، ضمن مساحة بحرية ضيقة، تتحكم بها "إسرائيل" وتُحولّها لأداةٍ عقابية متى شاءت.

القاصد "حسبة السمك" الواقعة في ميناء غزة البحري، أو الأسواق الشعبية، سيلحظ حضورًا لافتًا للأسماك صغيرة الحجم (البذور) بأنواعها المختلفة (سردين، قراص، طرخونة، وغيرها)، يُنَادى عليها بشواكلٍ معدودة، وتجد إقبالًا جيدًا من الناس.
توافر "سمك البذور" بكثرة ورخص ثمنه، على حساب الأسماك ذات الأحجام الكبيرة والمتوسطة، يُعيد طرح قضية "الصيد الجائر" في بحر غزة مجددًا، فهنا معدّات وشِباك صيد ممنوعة دوليًا، لكنها تُستخدم، والمبرر أنه من الصعب تطبيق قوانين حماية البيئة البحرية والموارد السمكية مع تضييقيات الاحتلال المتواصلة، والظروف الاقتصادية المأساوية" للصيادين.
وتضم مهنة الصيد نحو 4 آلاف صياد، فيما يعمل 1100 مركب صيد في بحر القطاع، وبين فترة وأخرى تعلن سلطات الاحتلال زيادة أو تقليص مساحة الصيد قبالة شواطئ غزة، وصلت أقصى منطقة مسموح بها الصيد 15 ميلا، فيما بلغت أقل منطقة 6 أميال.

خطوة اضطرارية
أم حسن أبو ريالة (60 عامًا) فلسطينية تعمل في مهنة الصيد مع زوجها وأبنائها منذ ما يزيد عن 25 عامًا تقول لـ "آفاق البيئة والتنمية" إن أوضاع الصيد في غزة انقلبت رأسًا على عقب، وازدادت سوءًا في السنوات الأخيرة بسبب الحصار الإسرائيلي، وصعوبة الظروف الاقتصادية العامة.

ففي ذاكرة "أم حسن" الكثير من الأيام السعيدة التي كانت تجلب للصيادين زرقًا وفيرًا، بأسماكٍ عديدة وأحجام ما بين "المتوسطة والكبير" وأسعار تُناسب البائع والمستهلك على حدٍ سواء، لكن آمال الصيادين بالاستفادة من اصطياد السمك بدأت تتلاشي شيئًا فشيئًا إلى أن وصل بهم الحال "لا خيار أمامنا سوى سمك البذور".
تقرّ ضيفتنا بأن اصطياد الأسماك صغيرة الحجم، يُؤثر سلبًا على البيئة البحرية، لكنّها تُعلل "خطوة اضطرارية" أُجبرنا فيها على استخدام فتحات شِباك ضيقة لصيد "سمك البذور" بسبب ندرة الأسماك، والتضييقات الإسرائيلية المستمرة المتمثلة بالملاحقة وتقليص مساحة الصيد.

وتُسهب في حديثها بالقول: "ربما نلجأ إلى التقاط البذرة دون التفكير بالعواقب المترتبة عليه مستقبلًا، لكن الفقر وقلة الدخل، جعل تفكيرنا محصورًا فقط بقوت يومنا، عدا عن أن الظروف الاقتصادية العامة، دفعت شريحة واسعة من الناس إلى تفضيل "سردين البذرة" عن غيره من الأنواع لتوفرّه بكثرة، ورخص ثمنه، إذ لا يتعدى سعر الكيلو منه الـ 4 شواكل".
وتبعًا لـ "أم حسن" فإن "سمكة البذرة" لاتزال محافظة على وجودها بكثرة على سواحل البحر، لكن حجمها تغيّر إذ "أصبحت أقل سُمكًا وأصغر حجمًا من ذي قبل".

موقف الصياد مصلح خليل (43 عامًا) لا يختلف كثيرًا عما أوردته "أم حسن" فهو الآخر يؤكد أن اللجوء إلى اصطياد "البذور" سببه عدم توفر الأسماك الكبيرة، والتلاعب بمساحة الصيد، قائلًا: "قبل 15 عامًا كنا نُصادف الأسماك الصغيرة بالأطنان ولا نلتفت إليها، لأن الصيد من الأسماك الأخرى كان وفيرًا".

بينما في وقتنا الحالي لو بقي الصياد يستخدم فتحات الشِباك القديمة فقط، دون الفتحات الضيّقة مع التشديدات المُتبعة، لعاد إلى بيته بعد رحلةٍ مرهقة تزيد عن 6 ساعات، بـ "خفي حُنَيِن" -وفق تعبير خليل- مستطردًا: "أيضًا القانون كَفل حماية الصياد باعتباره مواطن، فلماذا لا تُتخذ إجراءات موازية لقانون منع صيد الأسماك الصغيرة، تضمن حفظ كرامتنا وكرامة أطفالنا؟".

ويزيد الصيّاد مصلح خليل: "هناك شهور في العام لا يتوفر فيها إلا الأسماك صغيرة الحجم في البحر، وتمتد ذروتها من حزيران/ يونيو إلى أغسطس/ آب "فترة تكاثر السمك"، لكن في حال لمسنا حرصًا حقيقيًا من الجهات الرسمية على البيئة البحرية، فلا بد أن يُكفل الصيادون ماديًا، لمنعهم من اللجوء إلى الصيد في هذه الفترة".

تهديد البيئة البحرية
يقول مدير قسم التنوع الحيوي في وزارة الزراعة بغزة محمد أبو طير لـ "آفاق البيئة والتنمية"، إن صيد سمك البذور "الأنشوفة" والتي لم تبلغ حجمها القانوني، يؤدي إلى ندرة أنواع أخرى، ويهدد البيئة البحرية.
ويُضيف "أبو طير" أن "أسماك البذور تُعد غذاءً بحريًا لأغلب أنواع الأسماك الكبيرة، وبالتالي فإن صيدها واستنزافها، يؤثر سلبًا على وجود الأنواع السمكية الأخرى حسب السلسلة الغذائية.

ونظرًا لتلك الخطورة، يُشير "أبو طير" إلى أن وزارة الزراعة اتخذت إجراءات لمكافحة الصيد الجائر في بحر غزة، أبرزها مصادرة شِباك الصيد التي تقل فتحاتها عن 10 ملم، وفرض رقابة دائمة على الشِباك الموجودة على طول الساحل البحري.
ويعيش سردين "الأنشوفة" بالقرب من سواحل كل القارات، ويبلغ متوسط طول السمكة من 13 إلى 18 سم - تبعًا لأبو طير-، أما لونها فالجزء الأعلى منها رمادي مائل إلى الزرقة، ويُغطي الجزء الأسفل من جسمها اللون الفضي.

وفي سؤاله عن متوسط الإنتاج السنوي من الأسماك في قطاع غزة، يوضح "أبو طير" أن المتوسط يبلغ خمسة آلاف طن سنويًا، بينما يصل معدل الأسماك غير القانونية "الأنشوفة" من مجمل الأسماك التي تُصطاد 15%.

ويُكمل حديثه: "نصيب الفرد في قطاع غزة من استهلاك الأسماك سنويًا، يبلغ 2.5 كيلو غرام، ما يعني أن هناك عجزًا ملحوظًا بين الإنتاج المحلي، والحد الأدنى المسموح به دوليًا والذي يجب ألا يقل عن 13 كيلو غرام للفرد الواحد في العام الواحد".
وبناءً على ما سبق، يرى "أبو طير" أنه من الضروري تدعيم الإنتاج المحلي من الأسماك، بدءًا من الحفاظ على البيئة البحرية، والابتعاد عن طُرق الصيد الجائر، إضافة إلى وسائل أخرى منها الاستزراع البحري، والتشجيع على ثقافة تربية الأسماك البحرية.

تصحر بحري
بدوره يشرح أستاذ العلوم البيئّية في الجامعة الإسلاميّة بغزة، عبد الفتاح عبدربه لـ "آفاق البيئة والتنمية" عن طرق الصيد الجائر في بحر قطاع غزة، قائلًا: "يستخدم الصيادون طريقتين تساهمان في تدمير البيئة البحرية، ووضعها في خانة الخطر، الأولى استخدام الشِباك ذات العيون الضيقة، والتي تصطاد الأسماك بمختلف أحجامها".

أما الطريقة الثانية، فهي استخدام قوارب الجر بـ "شبِاك قاعية" وعددها 18 قارب، وتكمن خطورتها في أنها "تكنس كل ما تجده في قاع البحر، إذ لا يقتصر على صيد السمك، وإنما يشمل الثروة الغذائية للأسماك، ما يجعل القاع كصحراءٍ قاحلة"، كما وصفها عبد ربه.
ويرى عبد ربه أن تكثيف جهد الصيد السمكي بالوسائل كافة، للحصول على إنتاج وفير دون الأخذ بعين الاعتبار للنواحي البيئية لهذا النشاط على الموارد السمكية بمثابة إفراط يُرهق البيئة البحرية، ويهدد الاستدامة في الثروة السمكية.

ويُنبّه أن منع الصيد في مواسم الإخصاب والتكاثر، أمر ضروري للمحافظة على المخزون السمكي، وضمان استمرارية الكائنات البحرية، وصولًا إلى الهدف المنشود في تحقيق الأمن الغذائي البحري.

وختم عبد ربه حديثه، بالتأكيد على ضرورة أن يكون هناك وعيًا كافيًا لدى الصيادين بمخاطر سلوكياتهم المتبعة في عَرض البحر والعدول عنها، والالتزام بقوانين حماية البيئة البحرية، مشددًا في الوقت ذاته على وجوب تقديم مساعدة حقيقية لفئة الصيادين، التي تُعد من أكثر الفئات فقرًا في القطاع.

 

خاص بآفاق البيئة والتنمية

تصميم وتطوير