حمدي فرّاج يكتب لـوطن: بعد اختفاء الحمار والنار والقمر

26.07.2021 04:33 PM

 

حين اختفى الحمار من شوارعنا كوسيلة نقل ، اختفى دون ان نرى اختفاءه ، اختفى بالتدريج ، بمعنى اننا لم نلحظ اختفاءه كحدث ، ونستطيع القول اننا ما زلنا نرى بعضها في ريفنا وباديتنا ، و مقارنة بالماضي غير السحيق ، كنت ترى عشرات الحمير التي تأتي محملة بمحاصيل الفلاحين لبيعها في المخيم ، كمكان صغير وكثافة سكانية عالية ، قبالة المخيم حيث مدينة الدوحة اليوم ، كان يتم ربط الحمير في ماسورة مياه ، وكنت تظن انك امام "كراج حمير" ، لقد اختفى كل ذلك ، كما اختفت اشياء وادوات كثيرة دون ان يلاحظ احد اختفاءها .

من بين الاشياء التي تختفي من اوساطنا النار ، التي كانت حتى وقت قريب ، مصدر الدفء الوحيد للناس ، و الانارة وطبخ الطعام والشاي والقهوة ، السهر بدونها مستبعدا ، اليوم اصبحت امرا مستهجنا ، وبالطبع اختفى معها كل مستلزماتها ، الكانون والملقط والتنكة المفتوحة التي تحفظ الاحطاب بداخلها والمنصب الذي يوضع عليه ابريق الشاي ، واذا ما عدنا الى الوراء طويلا ، كانت النار تحمي من الوحوش المفترسة ، وتغنى بها كبار الشعراء ، وفي بعض من بقاع العالم كانت ربا تعبد ، اما اليوم فإن اشعالها وادخالها المنزل ضرب من الجنون .

علاقتنا الجميلة بالقمر ، تكاد تلفظ بدورها انفاسها الاخيرة ، لا أحد يعرف اليوم متى يبزغ ، ومتى يتوسط السماء بدرا ، ينير الدنيا ، ويحث على السفر وعلى السهر ، لا أحد اليوم ينظر اليه كنور وكموعد للأحداث الكبيرة ، في حين يقال أن منازعات كانت تنشب بين القرى المتجاورة بدعوى ان هؤلاء حبسوا القمر عن اولئك ، فيخرجوا بعصيهم وهراواتهم أن أطلقوه ، وبدوره ، تغنى به الشعراء والناس وعبدوه حتى أفل .

فهل تنتهي علاقة الشعوب العربية بثوراتها  التي خذلتهم من المحيط الى الخليج ، انهم ينظرون الى ما آلت اليه هذه الثورات ، فوجدوا انها انما جلبت لهم الخراب المستشري ، من تونس في الغرب الى لبنان في الشرق ، حتى فلسطين التي ما زالت تخضع لاحتلال عسكري عنصري اقتلاعي ، انظروا الى فصائلها كيف تمارس عكس ما قامت عليه ، وعكس ما نذرت نفسها من اجل تحقيقه ، انها تحترب على جلد الدب قبل صيده ، رغم انها كفت عن الصيد ولا  تعرف كيف تستثمر تصنيع الجلد . تغنوا بالديمقراطية ، وهم يرونها العدوة الرديفة للاستعمار والاحتلال ، لجموا افواه الناس  كما  لو كانوا بغالا او حميرا ، وحتى افواه انصارهم واعضائهم ، في اثبات ان الحمير ما زالت موجودة ، فصائل باكملها لا تستطيع قول كلمة تغضب خليفة الله على الارض ، وكانوا حتى وقت قريب يلجموا الناس من آذانها ، فيحظر عليهم سماع عبد الناصر . خليفة الله على الارض ينسق مع العدو ، مباشرة او عبر وسيط عربي مسلم ، ينتظر ان يفرج له الامير النفطي بعض مما تيسر كي لا يموت الناس جوعا . في لبنان انتصر حزب الله على اسرائيل وطردها من جنوبه ، ولكنه لم يستطع الانتصار على فساد الوطن الذي نراه اليوم مترنحا يكاد يختفي كالحمار والنار والقمر .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير