ساعة القائد...بقلم: غسان شربل

30.06.2011 08:26 AM

لا يحتاج الحاكم العربي الى ساعة يده. يقتنيها للزينة. لا يستشيرها. لا تنبهه. لا تحذره. لا تخيفه. ليست صديقته. وليست عدوته. ينساها في يده كما ينسى اشياء كثيرة. لا يحفل بما يدور في احشائها. لا لقاء العقارب مفرح ولا افتراقها محزن.

الساعة مسألة تخص الآخرين. تضبط مسار أعمارهم. مواعيد صعودهم. وتواريخ السقوط. تكشف مواقيت أعراسهم. وتفضح مواقيت جنازاتهم. الساعة تخص الآخرين. اولئك الذين ينهضون ويسقطون ويعيشون ويموتون. تعني الحاشية ولعبة التقريب والأبعاد. والتلميع والإطفاء. والإظهار والإخفاء. 

الساعة لا تعنيه. وقوعه في لعبتها يُفسد متعته. إن فعل ذكّرته بأن اليوم راح. وأن الاسبوع توارى. وأن الشهر فر. وأن السنة نفدت. وأن الفصول تقفز كالسجناء من القطار. وأن ورق الروزنامة يهر كما ورق عمره. وأن القامة تنحني. والتجاعيد تستدعي التجاعيد. إن وقع في سحر الساعة لدغته عقاربها. أنيابها مسنونة وسمّها لا يقاوم. 

الساعة من رعايا الحاكم. واجبها أن تعمل في خدمته. أن تنصاع. أن تنساه. أن تتركه خارج الوقت. لم يأت ليذهب. هؤلاء الذين ترسم الساعات والدساتير أيامهم حكّام عاديون. والحاكم العادي فاشل. موظف جبان. تخلعه عناوين الصحف. والفضائح المالية والجنسية. تغتاله بنود الدستور. 

الحاكم الذي يعرف الناس تاريخ خروجه ليس حاكماً. إنه مستأجر يعرفون تاريخ طرده. موعد دفعه الى العراء لتنقض عليه الشيخوخة وغربان الخيبة. يستحيل الاعتقاد ان ستالين كان ينظر الى ساعته. وأن ماو تسي تونغ كان يلتفت اليها. شارل ديغول الجبان حدّق فيها وهرب. يبس في قريته كالأشجار الطويلة المهملة. 

لا يخرج الحاكم الحقيقي من بين عقارب الساعة. تفويضه يأتي من التاريخ. من روح الأمة. من مناجم الانتظار الطويل. من عطش الناس الى قائد. وتفويض التاريخ مفتوح على مصراعيه. لا حدود ولا جدار. 

العقيد معمر القذافي يكره الساعة. ليس رئيساً وبالتالي لا يجوز تذكيره بأن ولايته انتهت. ليس موظفاً ليقدم استقالته. موقع القائد لا يخضع لشروط التوظيف العادية. القائد لا ينتقد. لا يؤنب. ولا يعاقب. ووظيفة الشعب أن يعيش على توقيته. وعلى دوران عقارب مزاجه. 

«ثورة الفاتح» ليست رهينة الساعة. إنها شيء آخر. الساعة تحكم سيد البيت الأبيض. تنزعه عن كرسيه وتخرجه بحجة انتهاء مدة التفويض. هنا يأتي التفويض من القائد. وعلى الشعب أن يصفق باستمرار. ومن يمتنع يُدرج في باب «الكلاب الضالة». وليس سراً أن الثورة كانت خلاقة في ابتداع اساليب جديدة لمكافحة «الكلاب الضالة» والجرذان. 

كان الوقت ملعباً مفتوحاً. وكان العقيد يتسلى بشعبه وبالشعوب المجاورة والبعيدة. كانت الحقائب الديبلوماسية توزع «السيمتكس»، وكانت دول كثيرة تتفادى إغضاب القائد الجالس فوق بحيرة من النفط ينقح «الكتاب الاخضر». كم تغير العالم. صار القائد مطلوباً ومتوارياً. يبعث بالرسائل الصوتية كأنه يقيم في تورا بورا. يحاول إيقاظ مشاعر العرب والمسلمين ضد الاطلسي فلا يسمع جواباً. العالم يعرف ان المستبد هو اول الكارثة. كان القادة يأتون اليه او يرسلون مبعوثيهم لاتقاء غضبه، واليوم يحوله رجل اسمه اوكامبو الى مطلوب ويلوح له بقفص وزنزانة.

 

لم يعد تفادي الساعة ممكناً. عقاربها تقرع كالأجراس. الساعة تعلن اقتراب الساعة. الرحيل المتاح اليوم قد لا يتاح غداً. الوقت ينفد. التفت الى ساعتك فقد تناسيتها على مدار أربعة عقود.

 

انتهت صلاحية نظامك. الإنعاش متعذر. الترميم مستحيل. الساعة أقوى من القائد. ومن عميد الحكّام العرب. وملك ملوك افريقيا. حكمها مبرم وإن تأخر التنفيذ. الساعة اخطر من اوكامبو.

الحياة/لندن

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير