عساكر "النبي موسى" الذين روضهم السلام .. جولة في المقام

16.10.2016 12:58 PM

رام الله - وطن - احمد ملحم -يقع مقام النبي موسى الى الشرق من القدس والى الجنوب من اريحا، في منطقة صحراوية منعزلة قليلة .

ويبدو المكان الذي اقيم على مرمى سهم من مدينة القدس، بامر من القائد المملوكي ،الظاهر بيبرس، حين زرناه ضمن جولة #باص_سوشيال_ميديا، خاليا الا من بعض الزوار، ومعظمهم من الجنسية التركية، اذ يرزح تحت وطأة الوحدة، لولا اولئك الزوار المتوافدين بين الفينة والاخرى، وكذلك الاهمال في المرافق.

ويرتبط مقام النبي موسى بالمواسم الشعبية الفلسطينية، خاصة في النصف الاول من شهر نيسان من كل عام، والذي يعرف بموسم النبي موسى، والذي بدأ تنظيمه منذ عهد بيبرس لدوافع عسكرية وتعبوية وترفيهية باجتماع العائلات من كل منطقة.

ويتكون مقام النبي موسى الذي تنتشر حوله الصخور السوداء البركانية، القابلة للاشتعال والتي شكلت في نظر الناس كرامة من كرامات النبي موسى، من 3 طوابق، تضم اسطبلات الخيل،  والمسجد، والمقام ، والاروقة، والغرف التي تقيم بها العائلات التي تاتي للموسم.

وتقول الرواية الشعبية ان القائد صلاح الدين الايوبي، مر ذات يوم على رجلين يبكيان عند قبر، فسألهم لمن هذا القبر، فاجاباه ان هذا قبر سيدنا موسى، فأمر ببناء المقام، ليكمل الملك بيبرس بناءه، وتأسيس الموسم السنوي.

الدافع الابرز الذي دعا بيبرس الى تخصيص موسم سنوي في النبي موسى، كانت عسكرية وجهادية بحته، فتوقيت بدء الموسم في الجمعة الثانية من شهر نيسان، ارتبط في عيد الفصح المسيحي الذي يزور خلاله الاف المسيحيين من اوروبا فلسطين، والخشية من عودة الحملات الصليبية من خلال تلك الزيارات، لاحتلال المسجد الاقصى والقدس بعد تحررها.

ويقول الحكواتي ومنظم الرحلات حمزة عقرباوي لوطن، ان الخشية من عودة احتلال القدس، دفعت بيبرس الى العمل على حشد الناس وتجميعهم في مكان قريب من مدينة القدس بسلاحهم وعتادهم، ولذلك كان الموسم ذو طبيعة عسكرية.

واوضح عقرباوي، ان المواطنين في منطقة جبل نابلس (منطقة شمال الضفة)، كانوا يتجمعون صباح يوم الخميس من الاسبوع الثاني من شهر نيسان، ويخرجون في موكب يقوده رجل قوي (فتوة) ومن خلفه كل الرجال والشباب على خيولهم ومعهم اسلحتهم وعتادهم، وكذلك الامر في منطقة جبل الخليل، حتى يصلوا القدس مساء الخميس.

مواكب من الخليل ونابلس  

الموكبان الجراران من جبلي نابلس والخليل، كانا عبارة عن جيشين شعبيين ، اذ كانا يرددان طوال الطريق اهازيج حماسية ثورية مثل  "اسمع مني يا عزيزي، ليث الشام يهزم باريزي، يلعن ابو الانجليزي والثوار هم الامارة" و "حج امين ويا منصور، ابسيفك هدينا السور ، حج امين ولا تعبس بدك عسكر بنلبس" حتى الوصول الى القدس.

صبيحة يوم الجمعة، يتحرك الموكب المجتمع في حضرة مدينة القدس، يتقدمهم المفتي، ورجال الدين ووجهاء المدينة، حتى يصلوا الى مقام النبي موسى ليبدأ موسمهم، والذي كان يشهد تنافسا بين جبلي الخليل ونابلس، بضرب السيف، والصاجات والرماية وسباق الخيل، لمدة 5 ايام .

 وبقي موسم النبي موسى يحمل روحه الثورية والعسكرية، وحشد الناس لكي يكونوا جاهزين حتى ايام الانتداب البريطاني،، حيث استغل الموسم في التحشيد الثوري ضد الانتداب البريطاني، فأنطلقت ثورة 1920 حين كان يجري الاستعداد لبدء الموسم، فيما استعدت بريطانيا والتشكيلات العسكرية اليهودية  لمواجهة الموسم في عام 1936 والغاءه، لتقع العملية التي اشعلت ثورة 36 في يوم الموسم، والذي قادها الشيخ فرحان السعدي ومجموعة من رفاقه .

في عام 1947، الذي صدر فيه قرار تقسيم فلسطين، بعد ان مهد له الانتداب البريطاني وقادة اليهود، تم منع الموسم، لتقم اسرائيل بعد احتلالها الضفة عام 1967 بتحويل المقام لثكنة عسكرية، قبل ان تنسحب منه عام 1987، وتحول بعد ذلك الى مركز لمعالجة مدمني المخدرات.

وبقي المقام الى ذلك، الى حين عودة السلطة الفلسطينية، التي اعادت احياء الموسم لكن بطابع ثقافي فقط، دون روحه الثورية العسكرية، التي جرى طمرها في ذاكرة المقام، اذ يجرى خلال الموسم قراءة الابتهالات، والطقوس الصوفية، وتزوره فرق الكشافة، ويتم خلاله تقديم الحلاوة الموسيمة، التي كانت تصنع وتجلب من السام، واستعيض عنها لاحقا بحلاوة من مدينة نابلس.

وبينما يرقد ما يعتقد الناس انه النبي موسى دون اثبات ذلك في داخل المسجد بالمقام، وفي تراب المقام تغوص روح الظاهر بيبرس ومن قبله صلاح الدين، تبدو القدس القريبة من المكان مكبلة، دون عساكر.

تصميم وتطوير