«النقد الدولي» يعترف بفشل سياسات «النيو ليبرالية»

25.07.2016 08:11 PM

وطناعترف تقرير داخلي لصندوق النقد الدولي بالطبيعة المدمرة لسياسات الليبرالية الجديدة أو “النيوليبرالية” المتمثلة في تبني سياسة اقتصادية تؤيد الرأسمالية المطلقة وعدم تدخل الدولة في الاقتصاد.

وطبقا للتقرير، فإن برامج التكيف الهيكلي النيوليبرالية أدت إلى عدم استقرار سياسي وصعوبات اقتصادية وصراعات في معظم البلدان الإفريقية التي نفذت فيها.

وعلى مدى عقود، فإن العديد من البلدان الإفريقية التي طلبت قروضا من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تم إجبارها على تنفيذ تلك السياسات الاقتصادية، بما في ذلك فتح أسواقها أمام المنافسة الأجنبية والحد من دور الدولة في توفير الخدمات الأساسية وإلغاء الدعم للفقراء.

وتشمل الإصلاحات النيوليبرالية الحد من دور الدولة في الاقتصاد من خلال خصخصة الشركات المملوكة للدولة، والتي يتم شراؤها، في كثير من الأحيان، من قبل المقربين سياسيا من النظام، أو من قبل شركات من الدول الصناعية والقوى الاستعمارية السابقة المهيمنة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

ومع ذلك، فهناك ورقة داخلية لصندوق النقد الدولي تم نشرها هذا الشهر، لأول مرة، تعترف بأن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي يتم الترويج لها من قبل الصندوق معيبة، وزادت من عدم المساواة والعدالة ولم تحقق بالضرورة النمو الاقتصادي المنشود.

التقرير، الذي جاء بعنوان “النيو ليبرالية: ذروة البيع” كتبه 3 من خبراء الاقتصاد الرائدين لدى صندوق النقد الدولي هم جوناثان أوستري، براكاش لونغاني ودافيد فرسري.

وذكر التقرير أن بحثا جديدا عن تأثير سياسات النيوليبرالية في البلدان المتلقية لها أدى إلى “استنتاجات مثيرة للقلق” للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي وأنصار هذا الاتجاه الاقتصادي.

يستهدف التقرير على وجه التحديد رصد جانبين من جوانب تلك الإصلاحات الاقتصادية هما: إزالة الحواجز أمام تدفقات رأس المال، الذي يدعى “تحرير حساب رأس المال”، والحد من الإنفاق العام بهدف خفض العجز المالي والدين العام، الذي يدعى “التقشف”.

ويكشف التقرير عن 3 نتائج مدمرة: الأولى، أن برنامج الإصلاحات النيوليبرالية لم يحقق زيادة النمو الاقتصادي. والثانية، أن تلك السياسات الاقتصادية زادت من عدم المساواة اجتماعيا. أما الثالثة، فمؤداها أن زيادة عدم المساواة بدورها تقوض مستوى واستدامة النمو الاقتصادي.

التقرير يشير إلى أن إزالة الحواجز أمام تدفقات رأس المال، أو الانفتاح المالي، أدى في كثير من الأحيان إلى استثمارات قصيرة الأجل، وهي التي تسمى “تدفقات ساخنة” في البلدان النامية.

ومع ذلك، فإن هذه التدفقات قصيرة الأجل إلى الدول النامية يتم سحبها سريعا في كثير من الأحيان من قبل المستثمرين في البلدان الصناعية لأنهم يهدفون إلى تحقيق عوائد أفضل في أماكن أخرى، مما يزعزع استقرار اقتصاديات تلك البلدان التي كانت المستفيد الأول من هذه التدفقات “الساخنة”.

مثل هذه الاستثمارات قصيرة الأجل لا تعزز النمو ولا تسمح للبلد النامي بتشارك تكاليف مثل هذا الاضطراب مع الدول الصناعية التي جاء منها المستثمرون.

ويذكر تقرير صندوق النقد الدولي أنه منذ عام 1980، كانت هناك 150 حادثة تقلبات سياسية واقتصادية في أكثر من 50 بلدا ناميا تتبع استراتيجيات الانفتاح المالي، مما أدى إلى أزمات مالية حادة في تلك الاقتصاديات.

ورغم أن ارتفاع الدين العام ضار بالنمو والرفاهية، فإنه سيكون من الأفضل للبلدان الإفريقية والنامية سداد ديونها العامة على مدى فترة زمنية أطول من خلال الإنتاج والنمو، بدلا من خفض احتياجات الإنفاق الإنتاجية الحالية، كما يؤكد التقرير.

وبينما يقترح أنصار الإصلاحات النيوليبرالية رفع الضرائب أو خفض الإنفاق العام “سياسات التقشف” أو كليهما لخفض الدين العام، فإن من رأي الخبراء أن عواقب زيادة الضرائب أو خفض النفقات المطلوبة قد تكون أكبر بكثير من تقليل مخاطر الأزمة التي نتجت عن الدين.

وخلص باحثو صندوق النقد الدولي إلى أن سياسات التقشف تؤدي إلى تفاقم البطالة وزيادة تكاليف الأعباء الاجتماعية، كما أن زيادة فرص العمل والنمو الاقتصادي ظاهريا من خلال رفع استثمارات القطاع الخاص فقط، من الناحية العملية، تؤدي في الواقع إلى انخفاض في الإنتاج بدلا من تعزيزه.

يقول جوناثان أوستري، المؤلف الرئيسي للتقرير، إنه يأمل أن يساعد التقرير في إعادة تقييم فعالية استراتيجيات الإصلاحات الاقتصادية النيوليبرالية في ضوء الأدلة الجديدة.

ومن المفارقات أن برامج التكيف الهيكلي في كثير من الأحيان تثري النخب السياسية والاقتصادية والأنظمة الاستبدادية والقادة المترفين بالفعل وتفقر المواطنين العاديين، وكثيرا ما أدت الإصلاحات الاقتصادية المستوحاة من النقد الدولي إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي، كما رأينا عام 2011 من خلال انتفاضات الشباب في شمال إفريقيا، حيث البلدان التي كانت قد سارت على خطى هذه الإصلاحات.

وعلى سبيل المثال، اضطرت رئيسة مالاوي السابقة، جويس باندا، لتنفيذ برامج التكيف الهيكلي في مقابل الحصول على مساعدات التنمية من النقد الدولي، إلا أن الإصلاحات تسببت في معاناة اقتصادية وبطالة أدت إلى غضب شعبي قاد إلى الإطاحة بها في الانتخابات التي تلتها.

ومع ذلك، اتجهت العديد من الدول في إفريقيا إلى طلب قروض النقد الدولي في الآونة الأخيرة، فنيجيريا، وهي من أكبر المنتجين للنفط في إفريقيا، اتجهت مؤخرا إلى البنك الدولي لطلب المساعدة، وقال وزير المالية النيجيري، كيمي أديسون، إن الدولة تتطلع للحصول على 5 مليارات دولار لتمويل العجز في ميزانيتها، الناجم عن انخفاض أسعار النفط، فيما قالت كريستين لاجارد، مدير عام صندوق النقد الدولي، إن نيجيريا يجب أن تعوم عملتها المحلية وتعمل على إلغاء ضوابط تدفقات رأس المال.

في يناير من هذا العام، كشف البنك الدولي النقاب عن تفاصيل قرض بـ3 مليار دولار لمصر، شريطة أن تقوم البلاد بتنفيذ برنامج التكيف الهيكلي الذي يشمل خفض أجور القطاع العام وإلغاء دعم الطاقة ورفع أسعار الكهرباء والضرائب.

فالبنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، يتوليان في كثير من الحالات الإشراف على السياسات النقدية والمالية للبلد المتلقي، ويكون على الحكومات التي تأخذ القروض أن تكافح للإبقاء على استقلال سياساتها الاقتصادية.

خلال فترات ازدهار العديد من الدول في إفريقيا، لم تحفظ تلك الدول الفوائض ليوم ممطر، إلا نادرا، كما أن العديد من الاقتصاديات الإفريقية لا تنمو بشكل تنوعي لتحقق مصادر جديدة للدخل تتجاوز مجرد تصدير المواد الخام.

الأمر حتمي إذن فيما يبدو، فإذا لم تستطع الدول النامية إدارة أوضاعها المالية بحكمة، وإذا لم تلتزم بسياسات جودة فعلية، أو إذا كانت لديها ولم تتم السيطرة عليها بسبب العناصر الفاسدة، أو حدث فتور في تنفيذها أو لم تنفذ على الإطلاق، فإنها لن تكون قادرة على الاستفادة من التراجع الظاهر لـ”النيوليبرالية” المهيمنة عالميا على مدى 4 عقود.

البديل

تصميم وتطوير