في القدس العتيقة لا توجد سياحة ولا زوار حوانيت

12.03.2016 04:44 PM

وطن:  كتب ناحوم برنياع

  للوهلة الاولى ليس هناك شعار جذاب أكثر من هاتين الكلمتين: ننفصل بسلام. نقيم جدارا مرتفعا ونضع الكاميرات والحواجز ونكون يهود ديمقراطيين. كم هذا بسيط. في أحد الايام نقوم بانهاء الاحتلال ونسير في قافلة الى اسرائيل 1967 ونغلق البوابة من خلفنا. مثل الانسحاب من لبنان في 2000. نغلق البوابة. وذكرياتنا هناك نضعها في أفلام مليئة بالبطولة والحزب وبعد ذلك ننسى.
  يمكن أن هذا الامر كان سهلا في السنة أو السنتين اللتين جاءا بعد 1967. أما الآن فهذا ليس سهلا. الاحتلال يرفض الانتهاء: لديه طرقه في ملاحقة من يحتل. عندما قرر اريئيل شارون الخروج من غزة فقد آمن أن هذا الخروج سيعفي اسرائيل من المسؤولية عن قطاع غزة وسكانه. لذلك شدد، خلافا لاقتراح المستوى العسكري، على اخلاء شمال القطاع ومنطقة فيلادلفيا.
 

خرجت اسرائيل من غزة لكن غزة لم تخرج من اسرائيل. فهي تستمر في اشغالنا كمشكلة عسكرية وسياسية. نحن أنبوب الحياة للغزيين، نحن السجان. ومرة كل سنتين نضطر الى الذهاب لعملية عسكرية تهدم غزة حتى من الاساس.

  عدد من الضباط المتقاعدين رفيعي المستوى ذوي النوايا الحسنة انضموا الى حاييم رامون في محاولة لاقناع الاسرائيليين بترك القرى العربية المحيطة بالقدس وتسليمها للسيادة الفلسطينية. للوهلة الاولى هم على حق: 200 ألف عربي تم ضمهم الى اسرائيل بالخطأ. ولكن بعد خمسين سنة فان للخطأ حياته الخاصة به. هؤلاء العرب يعملون ويرتزقون من اسرائيل واذا أغلقنا البوابة فسيجدون طريقة للدخول من تحتها أو من فوقها. ومثل المتواجدين غير القانونيين، هم سيفعلون ذلك احيانا مع السكين.

  ليست هناك طريقة سياسية للخروج من الضفة لأنها مملوءة بمئات آلاف الاسرائيليين الذين يعيشون هناك. ولجميع هؤلاء الاسرائيليين يوجد اقارب واصدقاء. وفقط كارثة كبيرة ستؤدي الى الانفصال. يوجد واقع يبدو أنه لا يمكن تغييره بالانتخابات.

  كان يجب على اسرائيل أخذ الفلسطينيين على أنهم مشروع. نتنياهو يريد حل مشاكل افريقيا. هذا جميل، لكن مشكلتنا هي هنا وليست في افريقيا. عمل واستثمار في الاقتصاد ورفع مستوى المعيشة. هذه هي الامور التي يمكننا أن نفعلها من اجل تخفيف الكراهية والمرارة والارهاب والتوصل الى وضع قد نستطيع في ظله الانفصال بسلام.
    

   هذا ما تبقى

  أنا أعرف باب العمود في القدس منذ 49 سنة. ولم يسبق له أن كان نظيفا كما هو الآن. الدرج الحجري الذي وضعت عليه البسطات، فارغ الآن. النساء اللواتي كن يبعن البهارات بأنواعها والاعشاب تم طردهن. وطُرد ايضا كبار السن الذين كانوا يجلسون لتدخين سيجارة. والسياح ايضا. وقام عمال النظافة في البلدية بتنظيف بقع الدم التي تسببت بها العمليات ورفعوا اعقاب السجائر من بين الحجارة.

  العملية المناوبة حدثت في الصباح على الشارع. شابان فلسطينيان مع مسدسات من صنع محلي خرجا في سيارة لتنفيذ العمليات. الشرطة قامت بقتلهما قرب الباب الجديد أمام دير النوتردام. وبعد فترة قصيرة عاد الشارع الى الحياة، كما هي الحال في فيلم للخيال العلمي. القدس تحمل في داخلها مجموعة مجرات متوازية. العرب منشغلون بشؤونهم والسياح منشغلون بشؤونهم. وكذلك الحريديين ورجال الشرطة والمجانين ومرضى متلازمة القدس منشغلون بشؤونهم. السلطات لا تتداخل في بعضها البعض. وخلافا لتوقعي كان أول أمس الكثير من السياح في أزقة البلدة القديمة. جميعهم كانوا حجاج مسيحيين حيث تحركوا بمجموعات كبيرة بين المواقع السياحية وهم يستمعون الى ارشادات المرشدين. الشبان الافراد الذين كانوا يملأون في السابق الفنادق الصغيرة داخل السور وخارجه، اختفوا. يمكن أن تواجد الشرطة المكثف هو الذي أخافهم.
 

رجال الشرطة لا يسيرون وحدهم. فالشرطي أو الجندي الذي يسير وحده يعرض حياته للخطر. هذا هو الدرس الاول الذي تعلمنا إياه الانتفاضة الحالية. رجال الشرطة يسيرون في مجموعات تتكون من 4 – 5 واحيانا اثنين فقط. ولا يوجد أي احتكاك بينهم وبين السكان.
 

في حارة النصارى في البلدية القديمة، ليس بعيدا عن كنيسة القيامة، التقيت مع عشرة أولاد مع سوالف طويلة. وهم طلاب في رياض الاطفال لعائلات حريدية من المفدال، خرجوا للسياحة. فتاتان تعملان في الرياض قادتا الطابور برفقة حارس. واضافة الى الشرطة وأبناء الحريديين لم يكن هناك اسرائيليون في المدينة. فالاسرائيليون انفصلوا. دخلت الى مطعم “لينا” الذي هو أشهر مطعم للحمص في القدس. زميلي يهودا ليطاني، الخبير في شؤون الحمص، قال إنه ملك الحمص. ومن أنا لأجادله في ذلك. كانت الساعة الواحدة والنصف وكان المطعم شاغرا. ايضا الفرع الذي افتتح في وقت افضل، كان شاغرا.
  ما الذي يحدث؟ سألت صاحب المطعم.

  “كل شيء ميت، لا يوجد عمل منذ سبعة اشهر، لا يوجد اسرائيليون ولا سياح ولا عرب”.
  من الذي يأتي؟ سألت.
  “فقط الجيران في الشارع، هذا ما تبقى”.
  وعندما فتح صندوق الكاش لاحظت أنه ليس فيه نقود.
 

على جانب حارة النصارى يوجد محل لبيع القماش، يستورد بعض بضائعه من دمشق. صاحب المحل جلس على كرسي في زاوية في المحل وهو مُسن. ومن حوله القماش الملون المليء بالحياة. “نتنياهو صعب، عباس صعب ونحن في الوسط؛ فتح صعبة وحماس صعبة ونحن في الوسط. فمن أين سنحصل على الخبز؟”.
  لماذا لا تفتح محل في تل ابيب؟ سألته.
 

ابتسم ابتسامة ممتعضة وقال: “من سيشتري من عربي؟”. ورفع يده اليمنى ووضعها على قلبه. “القلب”، قال، “ليس جيدا بالقلب”.
  لكن صاحب المحل المجاور، بائع الاحذية، قال إن كل شيء جيد. حيث باع في الصباح صندل لشرطي.
     

هدف ذاتي

  رئيس القائمة العربية المشتركة أيمن عودة تجول هذا الاسبوع في أروقة الكنيست كمن انهار عالمه. الضربة السياسية كانت قاسية؛ الاهانة الشخصية صعبة. سنوات من العمل المواظب لتغيير المواقف في الوسط اليهودي ذهبت هباء. القشة التي قسمت ظهره كانت المقال الرئيس الذي نشر أول أمس في “هآرتس″. فقد اتهم المقال القائمة العربية بـ “الغباء”. وحتى أول أمس كانت المقالات الرئيسة في “هآرتس″ تتبنى القائمة العربية بدفء. فقد كان هذا الحزب الوحيد الذي أيدته الصحيفة. أما الباقين، من ميرتس حتى ليبرمان، كانوا يمينيين جدا أو صهاينة جدا حسب رأيها.
 

رئيس الحكومة نتنياهو استخدم تعبيرا أكثر شعبية لتأكيد حجم “الغباء”: “هل سقطتم على رؤوسكم؟” سأل اعضاء القائمة العربية في الخطاب الذي ألقاه هذا الاسبوع في الكنيست. “ما الذي ستقولونه حينما يطلق حزب الله الصواريخ على القرى العربية في الجليل؟”.
 

لم يكن عند اعضاء القائمة المشتركة اجابة. معظمهم اعتقدوا أن نتنياهو يمزح: بالفعل سقطوا على رؤوسهم.
  القائمة المشتركة تتشكل من اربعة احزاب تعادي بعضها، اضطرت الى التوحد بسبب رفع نسبة الحسم. وضع عودة (حداش) على رأس القائمة أعطى التمثيل العربي في الكنيست صورة جديدة: بدل الاستفزاز أمام العدسات هناك جدل جوهري. بدل الانغلاق هناك تعاون. وبدل البصاق هناك مرونة.
 

بالطبع لم يكن وحده. فقد سبقه احمد الطيبي. ولكن عودة كرئيس للقائمة ورمز لها ظهر كنقيض كامل لحنين الزعبي. ليس اليهود فقط هم من باركوا التجديد، بل الكثير من المصوتين العرب الذين ملّوا من ممثليهم في الكنيست. فقد وعد عودة بالتقدم والاندماج والتطوير. وخطة دعم الوسط العربي الخمسية كانت نتيجة جهوده. وقد عمل عودة من اجلها مع المسؤولين في وزارة المالية وبارك النتيجة. زملاءه في الحركة كانوا متشككين أكثر. وحجم الخطة مرهون الآن بقرار الحكومة.
  الضربة التي أصابت عودة ولدت في السعودية. ففي نهاية الاسبوع الماضي أعلنت السعودية قرارها ضم حزب الله الى قائمة المنظمات الارهابية. وجاء ذلك باسم مجلس التعاون الخليجي الذي ترأسه السعودية. وقد كان لهذا القرار صدى في العالم العربي الغارق حتى الآن في الحروب الدامية بين الشيعة والسنة، بين الاسد ومعارضيه وبين تحالف وآخر.
 

حداش وبلد نشرتا اعلانان منفصلان يؤيدان حزب الله. القرار السعودي “يخدم الاحتلال الاسرائيلي في المناطق”، قال حزب حداش. فهو نتيجة لـ “التآمر بين الانظمة العربية والكولونيالية والصهيونية ضد القوى القومية الساعية للحرية”. ولم يبلغ أحد من صاغة اعلان حداش عودة عنه أو باقي الاعضاء في الكنيست. لم يتشاور أحد معهم. والصيغة تبرهن على الجذور الشيوعية لمن صاغوا الاعلان: مؤامرة، كولونيالية، صهيونية وحرية. يتبين أنه يوجد في حداش الذي كان قبل ذلك حزب راكح وقبل ذلك ميكي، اشخاص لم يستيقظوا بعد من موت ستالين، شمس الشعوب. إنهم كونيين: ما يحدث بين بوتين واوباما وبين دمشق والرياض يعنيهم أكثر من تهديد حزب الله مما قد يفعله في الجليل. نصر الله جيد لأنه ضد داعش، الاسد جيد لأنه قومي علماني، بوتين جيد لأن والدته روسية وجنوده الذين يقصفون هم في الأصل من الجيش الاحمر.

  لقد كان كما يبدو حساب صغير بين محمد بركة الذي استقال من رئاسة القائمة وأصبح بعيدا عن العناوين وبين عودة الذي اصبح بارزا.

  هناك خمسة اعضاء كنيست من حداش – عايدة توما سليمان، دوف حنين، يوسف جبارين وعبد الله أبو معروف – يقفون من خلف عودة. ويتوقع أن يقوموا باحداث انقلاب خلال مؤتمر الحزب القريب.
  إن تأييد بلد لحزب الله ينبع من سياق آخر. فمؤسس ورئيس الحزب عزمي بشارة يعيش في قطر وهو مرتبط بها. وقطر تؤيد المتمردين في سوريا وتعارض الاسد وحزب الله. كان من مصلحة بشارة أن يعبر عن موقف النظام في قطر، لكن حزبه تمرد عليه. واصل طه، رئيس بلد الحالي، قرر أن يؤكد لبشارة من هو الرئيس وأيد حزب الله من اجل ايصال هذه الرسالة.

هناك عاملين آخرين يركبان القائمة المشتركة: حزب الطيبي الذي قرر عدم التدخل في الصراعات العربية. والحزب المقرب من الاسلام السني. الطيبي ذكر ناخبيه بما حدث للفلسطينيين بعد تأييد عرفات دخول صدام حسين الى الكويت في حرب الخليج الاولى. حيث طرد الآلاف من بيوتهم واعمالهم.

  ولم يبق له سوى الابتسام. “ما هو الهدف الاكثر ازعاجا في كرة القدم؟”، سأل وأجاب “الهدف الذاتي”.

تصميم وتطوير