كبود .. معلم أول حّول

09.03.2016 06:57 PM

وطنكتب عبدالرازق غزال


من يُحدق في المفردات التي تجري على ألسنة المعلمين، قد تبدو للوهلة الاولى محددة الدلالة وبسيطة المعنى، غير أن الـتأمل فيها يكشف عن الكثير من المعاني المضمرة، والشواهد المؤكدة للدلائل التي يعمل المعلمين على اظهارها في حراكهم العادل، وتحاول  الحكومة وبعض المتنفدين في منظمة التحرير وبعض القوى في احزاب منظمة التحرير أن تخفيها وتستخدم الكثير من الطرق من أجل اسقاط هذه الدلالات ومحاولة تشويهها في الوعي الفردي والجماعي للناس، هذه المنظمة التي يحتمي في ظلها البعض ممن يقدمون انفسهم حماة التعددية والحريات النقابية في بلدي، ها قد أسقط المعلمين هذا القناع عنهم، وعبر حراكهم المطلبي والحقوقي وقد اختاروا طريقهم بأنفسهم في التعبير وايصال صوتهم خارج سياق المنظمة وأجسامها التي اهترئت ولم تعد قادرة على استيعاب اي حراك مطلبي و نقابي مغاير للبنى القائمة فيها ومنها.

حين نفكر وندرك مفرد (كبود) فإنه يتبادر الى أذهاننا ان هذا المفرد يستعملفي أحيان كثيرة وعلى نحو عاميٌ ويسير وتلقائيللدلالة على اكتمال الحالة او التغطية، كأن نستعمله في العاب الورق ويُلفظ أحيانا (كبوت)، أو ان نستعمله على نحو فصيح للاشارة الى معطف نستعمله ليقي اجسامنا من برد الشتاء.لكن ماقدمه المعلم في هذا الحراك أعطانا دلالة جديدة لهذا المفرد ولها معنى عميق، بل وطبقات متراكبة من المعاني أشرعت لنا أبواباً واسعة للفهم والتعلم من هذا الحراك، وقد بلغت فينا حد الدهشة، نعم الدهشة مما صنعه لنا المعلمون، هم أعطونا دروساً في عمل الجماعة وقدرتها على اعادة صنع الحياة، لقد دب هذا الحراك الروح فينا بأن وطننا يمكن ان يتحرر من قوى الاستعمار، وان الأمل في نيل الحرية والعدالة قد بزغ من جديد ، وقدم لنا مغزاً حقيقياً من التعليم، التعليم من أجل التحرر من القهر والاضطهاد وكافة صنوف الهيمنة والتمييز.

ان اصوات المعلمين  أصبحت  كبود لمن استعصى عليهم البوح وتبريح الجوى من المحزونين  والمكلومين وحتى المأزومين، المعلمون يتلفظون بلفظ (كبود) للدلالة على  عدد المضربين والمتحركين في  الاعتصامات التي ينظمونها للمطالبة بحقوقهم واسماع اصواتهم، حتى وان بدت الكلمة بسيطة التركيب ومحدودة الصوت، غير انها كانت أجمل تعبير عن الكرامة والتشارك الجمعي في الدافع ، اذاً (كبود)تأثيرها واسع يتخطى ويتحدى كل ما هو سائد، وهيمذهب صاغه المعلمون بقرع الجرس للدلالة بصوتهم ان مطالبهم مشروعة وحقوقهم لا تخضع للمساومة. هم يقولون لا يمكن للحكومة ان تنكر علينا حقوقنا، ولا يمكن لأي حزب سياسي ان يتشدق علينا بالعون.

يهتف المعلمون بالصوت في كل حراك وفي كل موجة اعتصام مستعملين شعار ( معلم أول حول)، في دلالة على دفع الوعي الفردي والجماعي بأن المعلم ما عاد يقبل باستبعاده وهضم وتأجيل حقوقه العادلة اسوةً بزملائه العاملين في الميادين الأخرى، ولا بدوره الذي ارتسم له عبر سنوات عدة، فهو يلفظ بالصوت رافضاً أن يُعلم وهو خانع مطأطئ رأسه ويقتصر دوره على تلقين الطلبة بما عليهم ان يتعلموه من المنهاج الرسمي الذي عفى عليه الزمن، وكأن تلك هي سنة الحياة، المعلم اعاد رسم صورة جديدة للبطل الذي يثور على القهر والاستبعاد الاجتماعي رافضاً ما يقدم من تبريرات يومية حول ضعف قدرة النظام السياسي أو المالي على احتمال مطالبه، المعلم يرفض أن يفشل في حراكه نحو العدالة، بل مخطئ من لازال يظن ان عودة المعلم الى مدرسته دون تحقيقه لمطالبه سوف تعود بالنفع على العملية التعليمية، أليس حريٌ بنا أن يبقى الطالب في الشارع على أن يتلقى التربية والتعليم من معلم خانع مُضطهد. اذاً ما المغزى من التربية والتعليم؟!.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير