خطاب الرئيس يرفع السقف السياسي الفلسطيني

04.10.2015 01:10 PM

وطن: كتب: د.حسن عبد الله

"أوسلو " هبط بالسقف السياسي الفلسطيني الى مستوى لم يتناسب لا من قريب أو بعيد ، مع مستوى التضحيات الفلسطينية و لا مع الابداعات الشعبية التي جسدتها الانتفاضة الأولى ، لأنه أتى لنا باتفاق صاغه الطرف الأقوى وفق إرادته ، و لم يصغه الطرف الأقوى حقوقياً ، أي نحن الفلسطينين . لذلك جاء الاتفاق بمجمله مفيداً لإسرائيل و ليس لنا . و بالرغم من إجحاف هذا الاتفاق و تقسيمه الضفة إلى مناطق و مستويات تحت الاحتلال ، الا ان القليل الذين تضمنه لصالح الفلسطينين لم تقم الحكومات الاسرائيلية المتعاقبة بتنفيذه ، بل اعتمدت التسويف والتعويم ، بهدف ابقاء الوضح مجمداً من خلال حصر الفلسطينين في مربع جغرافي و سياسي ، فيما انطلق غول الاستيطان في كل الاتجاهات يقضم و يبتلع مساحات شاسعة من أرضنا.

و لو جرى التزام اسرائيل ببنود "اوسلو" ، ربما قاد ذلك إلى دولة فلسطينية محدودة الإمكانات و القدرات محاصرة تابعة إقتصادياً لاسرائيل ، و مع ذلك فإن فكرة الدولة بصرف النظر عن حجمها و ما هيتها  و صلاحياتها ، هي مرفوضة اسرائيلياً بالمعنى المرحلي و الاستراتيجي ، و هذا هو  السبب الحقيقي الذي جعل اسرائيل تدفن "اوسلو " و تهيل عليها أكواماً من التراب بجرافات الاستيطان ، فيما ظلت  تطالب الفلسطينين بتنفيذ ما عليهم من "أوسلو" ، أما ما يتوجب عليها القيام به فقد اعتبرته من المحرمات التي لا يجوز التذكير بها .

و في هذا الاطار جاء التحرك الدبلوماسي الفلسطيني و بخاصة في السنوات الخمس الأخيرة ، كرد على ممارسات و انتهاكات الاحتلال  و محاولة للخروج من خلف الباب الحديدي الثقيل لسجن " أوسلو " الذي ظن الموقعون على الاتفاق ان هذا السجن سيكون مؤقتاً عابراً ، لتجعل منه اسرائيل سجناً دائماً .

و في رأيي ان الدبلوماسية الفلسطينية حققت مجموعة من الانجازات مؤخراً، و منها قبول فلسطين عضواً مراقباً في الجميعة العامة للامم المتحدة و الانضمام إلى هيئات و منظمات دولية مهمة و من بينها محكمة الجنايات الدولة و رفع العلم الفلسطيني بقرار أممي على مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة و احداث تغيير جزئي في المواقف الاوروبية لصالح القضية الفلسطينية . هذه الانجازات و غيرها جعلت الصوت الامريكي يرتفع و من أعلى المستويات تحذيراً لإسرائيل و خوفاً عليها ، من  أن تقود سياساتها و ممارساتها إلى عزلة دولية .

و في هذا السياق الفلسطيني و الدولي يمكن لنا أن نقرأ خطاب الرئيس محمود عباس في الجمعية العامة للأمم المتحدة ، حيث أن هذه القراءة من المفروض ان تكون موضوعية لا أن تنظر لخطاب معين مهما كان وضوحه و بلاغته على أنه مطلق و قد انهى كل شيء ، وفي المقابل عدم تقزيم أو تصغير أو تهميش ما حققه الخطاب  بمضمونه و معانيه و دلالاته المباشرة و غير المباشرة كما يفعل الذين يصرون على رؤية الأمور بعين واحدة و ليس بعينين اثنتين ، لان الرؤية بعين واحدة تغرق في الحسابات الذاتية ، اما الرؤية بعينين فإنها تكون الأقرب على التعامل مع المشهد الوطني بشكل أوسع و أعم.

و بعيداً عن التضخم و التقزيم ، فإنني أقرأ الخطاب من الزوايا الآتية :

أولاً : انه قد خرج من لغة " أوسلو" و ارتفع عن سقف الاتفاق الهابط ، وبيّن أن الشعب الفلسطيني لا يمكن له أن يقبل أو يستكين أو أن يطأطئ  رأسه أمام البطش و التنكيل.

ثانياً : وضع الخطاب القضية على الطاولة الأممية بأبعادها السياسية و القانونية  الحقوقية و الاجتماعية و الأخلاقية و الإنسانية ، حينما قال الرئيس للمجتمع الدولي ، إن هناك شعباً اسمه الشعب الفلسطيني ، ينكل به و تصادر أرضه و حرياته في القرن الواحد و العشرين أمام أنظاركم و إن انسانية الدولة المنضوية في إطار الجمعية لا تستقيم عندما تصمت إزاء ما يرتكب ضد شعب معترف به و بدولته أممياً .

ثالثاً : سلط الخطاب الضوْء على  مجازر الماضي و مجازر  الحاضر وصولاً إلى حرق عائلة الدوابشة رابطاً تاريخياً حلقات الإبادة التي هدفها في الحاضر كما كان في الماضي .

رابعاً :- حمل نقداً قاسياً لمن يقرأ بين السطور للولايات المتحدة الأمريكية التي تكيل بمكيالين و قد رعت مفاوضات لم تثمر ، في حين انها ما انفكت تخرج من موقع الوسيط ، إلى موقع المنحاز لتصوت ضد الفلسطينين ، في كل توجه يرتبط باستقلالهم ، لذا فإن الرئيس و هو يشاهد الاطاحة بالقطبية الواحدة ، اراد القول إن القضية لا يمكن أن تظل حكراً لجبروت "فيتو" دولة كبرى .

خامساً : تضمن مواقف متقدمة عن أي خطاب سابق من خلال اعلان عدم الالتزام بالاتفاقات ، لأن اسرائيل لم تلتزم بها ، و يتوقع أن يؤسس ذلك لمواقف أكثر وضوحاً و تحديداً من هذه الإتفاقات.و في كلمته بعد عودته إلى الوطن عاد الرئيس و بشكل موجز و مكثف ليؤكد انه لا يتحدث بلغتين ، و إنما بلغة واحدة ، فما قيل هناك في الأمم المتحدة ، سيطبق هنا على الأرض .

و عليه فإن تحويل الخطاب من النظري إلى التطبيق العملي يتطلب سلسلة من القرارات و التطبيقات العملية و الشجاعة و منها على سبيل المثال لا الحصر :

أولاً : تحقيق المصالحة و توحيد الساحة و إنهاء الانقسام.

ثانياً : الانضواء تحت لواء استراتيجيته وطنية واحدة بدل الاستراتيجيات المتصارعة.

ثالثاً : اصلاح منظمة التحرير بشكل جذري و اشراك كل القوى الفاعلة و المؤثرة فيها دون استثناء .

رابعاً : التوجه إلى المؤسسات الدولية و الحقوقية  بصوت واحد و لغة واحدة ، و عدم رهن القضية في درج الولايات المتحدة الامريكية ، بعد اطاحة روسيا بالقطبية الواحدة ، ليعود العالم الى تعدد الاقطاب .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير