هل تصبح السعودية ملطشة؟

30.03.2015 12:27 PM

وطن: كتب يعقوب دواني

أدناه ملاحظات تكونت لدي على امتداد الايام القليلة الماضية بعد ان شرب قادة السعودية "حليب السباع" وأشهروا سيوفهم على الحوثيين، أقرب السُنّة إلى الشيعة، أو - مع بعض التساهل في التعريف - أقرب الشيعة إلى السُنّة.

خوف السعودية من ان تصبح "مَلطَشَة" سيجعلها "مَلطَشَة"

هناك قول مأثور بالإنكليزية يقول: عندما تجد نفسك في حفرة توقف عن الحفر. هذه الحكمة يبدو انها غير معروفة لحكام السعودية، الذين عرف عنهم - ولفترة طويلة - الحذر والبطء في السياسة، وليس النزق والتهور كما هو حالهم منذ فترة غير قصيرة.
فمنذ ان اتخذوا أحد أكثر القرارات حُمقا في تاريخهم في أواسط عام 2011، وهو قرار المساهمة في إسقاط النظام السوري، خشية ان تفوز قطر وحدها بهذا "الإنجاز"، الذي كان يبدو للمصابين بعمى سياسي انه قاب قوسين او أدنى، وهم يراكمون خيبة وراء أخرى. فلا النظام السوري سقط، ولا هيبتهم بقيت عليهم.
(وهنا يحضرني مثل شائع في فلسطين والأردن يقول عمن يخطئ في تقدير عواقب أفعاله "مثل مصيفة الغور، لا صيف صيفت، ولا عرضها ضل عليها". وأصل المثل ان امرأة حمقاء قررت ان تذهب إلى غور الأردن المعروف بحره الشديد صيفا كي تصطاف هناك. فعندما واجهنها الحرارة الشديدة راحت تخلع اثوابها إلى ان تعرت تقريبا، وعندها مر عليها وغد استغل الموقف واغتصبها). عفوا للاستطراد.
أكثر من ذلك تعززت مكانة حلفاء إيران، التي يعتبرها حكام السعودية عدوهم الأول، إقليميا، وتعقدت علاقتهم بحليفهم الأول والأهم الولايات المتحدة، التي رأت ان التوصل إلى اتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي أهم من مراضاة السعودية وبقية جوقة الساعين لإسقاط النظام السوري.
وبدلا من الجلوس على مؤخراتهم والتفكير برؤوسهم، كبقية خلق الله، جلسوا على رؤوسهم ... واتخذوا قرار "الحرد" على الولايات المتحدة لأنها "لم تسقط لهم النظام السوري"، واختاروا للتعبير عن "حردهم" أسخف إجراء يمكن تصوره، وهو رفض تسلم المقعد الذي اُعطي لهم في مجلس الأمن، والذي كانوا قد بذلوا الغالي والرخيص في سبيل الحصول عليه. (على بال مين ياللي بترقصي في العتمة).
وشيئا فشيئا، ومع تصاعد الإحباط لدى القيادة السعودية من فشل جهود إسقاط النظام السوري، والذي تحول إلى ما يشبه الهوس، وتزايد فرص التوصل إلى اتفاق بين الغرب وإيران يحررها من قيود العقوبات الاقتصادية، وتصاعد خطر توجيه "داعش" بعض جهودها -كما فعلت القاعدة قبلها - إلى مملكتهم، التي هي في الحقيقة الأم المولدة لـ"داعش" وأخواتها، وتصدع النظام الذي اصطنعوه في اليمن ولم يقدموا له دعما يذكر، ما جعله يترنح على هاوية السقوط تحت ضربات الحوثيين، رغم ضعف قوتهم العسكرية حتى بعد ان تحالفوا مع فلول نظام علي عبد الله صالح، ... بعد كل ذلك بدأت القيادة السعودية - حتى قبل وفاة الملك عبد الله - تخشى من التداعيات التي قد تنشأ عن ظهورها ضعيفة غير قادرة على تحقيق اي انجاز سياسي، خاصة بعد تدهور أسعار النفط الذي تسببت به سياستها الحمقاء في اجتماع "أوبك" الأخير.
فالسعودية التي اعتادت خلال سنوات طويلة على تحقيق "نجاحات عربية" أهمها تعميم وتعريب خطتها لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي، ومؤخرا استدراج مصر مركز ثقل العالم العربي إلى دائرة التبعية للمحسنين الماليين،وما يستتبعه ذلك من الحيلولة دون استكمال انتفاضة يناير 2011 وتحولها إلى ثورة حقيقية تنشئ نظاما ديموقراطيا تقدميا ناجزا، شعرت (اي السعودية) بأنها قد تتحول إلى "ملطشة للرايح والجاي" - بالعامية المصرية - إذا لم تقم بعمل يظهر ان لها اسنان ومخالب وانها قادرة على تحقيق "نصر" ما.
هذه هي خلفية "الغضبة المضرية" السعودية من انتشار رقعة نفوذ الحوثيين في اليمن، الذي أسهم حكام الرياض - على امتداد اكثر من نصف قرن من الزمن- في تخريبه عبر سياسات الرشوة والأفساد ومفاقمة الصراعات القبلية.
تقول السعودية، وهي لا تكذب هنا، انها انفقت عشرات المليارات على اليمن في السنوات الخمسين الأخيرة، منذ انقلاب عبد الله السلال عام 1962، والذي دعمته مصر الناصرية، وقاومته السعودية لغاية عام 1967 عندما أجبرت هزيمة عام 1967 جمال عبد الناصر على سحب قواته من اليمن، والتي كان أرسلها دعما للانقلاب في مواجهة قوات نظام الأئمة الزيدين السابق المدعوم سعوديا.
هذه الأموال، لو أنفقت بغير الطريقة التي انفقت بها، كانت ستسهم في إطلاق تنمية في اليمن تنتقل به بدرجة معقولة إلى الأمام تقدما اقتصاديا واجتماعيا. إلا انها بدلا من ذلك أسهمت في أيصاله إلى الوضع الذي هو فيه سياسيا واقتصاديا وأخلاقيا (لنتذكر هنا فساد الذمم المالي والسياسي لدى قسم كبير من ما يسمى بالنخب اليمنية). والمضحك المبكي في هذا الخصوص انه ليس لدى السعودية حاليا أي أصدقاء، أو حتى حلفاء، حقيقيين في اليمن، ما يجعلها مضطرة لمواصلة "الفت" في بيئة سياسية شديدة السيولة تتغير فيها الولاءات والتحالفات بأسرع مما يكن ملاحقته.
وبالمناسبة فإن المبالغة في الحديث عن قوة وخطر الحوثيين كانت ضرورية لإعطاء مصداقية للرواية السعودية عن دعم إيراني كبير لهم، وكذلك لتضخيم حجم النصر المأمول عليهم، إذا ما تحقق، وهو لن يتحقق - وسجلوها عليّ.
لا يحتاج المرء لأن يكون خبيرا عسكريا ليعرف ان الضربات الجوية لا يمكنها تحقيق حسم عسكري. فبدون جنود على الأرض يمكن للصراع ان يطول ويطول، وتتراكم فيه الخسائر البشرية للمتعرضين للقصف الجوي، وكذلك الخسائر في البنية التحتية التي يصعب تعويضها في بلد فقير كاليمن.
وإذا ما طال الصراع، ومن المحتمل ان يطول لأسباب عديدة منها ان السعودية سيصعب عليها الخروج من المأزق الذي أدخلت نفسها فيه دون تحقيق نصر او ما يشبه النصر، لاعتبارات الكرامة والهيبة وغيرها من الاعتبارات التي يمكن توقعها من نظام ما زال بدويا حتى النخاع، فإن عقد التحالف سيبدأ بالانفراط. وهكذا قد تجد السعودية نفسها وحيدة في صراع عبثي لا تبدو له نهاية، تحارب بجيش ضعيف الكفاءة إلى حد مخجل، رغم إنفاق عشرات المليارات لشراء أسلحة وتجهييزات له، كانت تشترى بأسعار متضخمة دوما كي توفر مجالا للحصول على عمولات أكبر.
هذا الضعف المخجل لجيشهم، وقسم كبير منه مرتزق، هو الذي جعل القادة السعوديين بحاجة إلى هذا التحالف الطويل العريض، والتنقيب في مزبلة أرشيفات الجامعة العربية عن اتفاقية الدفاع العربي المشترك لإحيائها "بمن حضر".
في حالة انفراط التحالف، أو اكثره، والمحتملة إلى حد بعيد، فإن السعودية التي دخلت مغامرة الحرب في اليمن لإظهار قوتها، ولئلا "تصبح ملطشة" ستصبح فعلا "ملطشة للرايح والجاي".
هناك مثل شعبي متداول في كثير من الدول العربية يقول "ما قدرش على الحمار تشاطر على البردعة"، وهذا هو حال السعودية التي لا تستطيع، حتى لو جندت كل الدول العربية معها، مواجهة إيران، لا سياسيا ولا عسكريا، ولهذا "تتشاطر" على الحوثيين بزعم انهم اتباع ايران.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير