مصطفى عبد الرازق: الشهيد الأسير منذ 44 عامًا!

23.02.2015 04:06 PM

طوباس - وطنسردت الحلقة الرابعة والعشرون من سلسلة "كواكب لا تغيب" لوزارة الإعلام والاتحاد العام للمرأة حكاية الشهيد مصطفى محمد عبد الرازق، الذي سقط في ربيع عام 1971.

يروي ابنه عبد الناصر، وهو يقف بتل يشرف على المكان الذي شهد اللحظات الأخيرة لوالده، حين قضى في معركة مع الاحتلال بجبل موفية، المتاخم للحدود الفلسطينية –الأردنية:  لا أستطيع نسيان وداع أبي الأخير لي، فقد كنت طفلًا لا أتعدى الثلاث سنوات، يوم جاء للمنزل، فضمني إلى صدره، ثم أعادني إلى الأرض. ولا زالت صورته في ذهني، فقد كان يلبس القمباز (الزي التقليدي)، ويلف رأسه بكوفية، ثم أسرع إلى جبال ابزيق وجباريس، ولم يعد إلينا.

ويشعر الراوي أن ذكرى والده لا زالت تسكن في المنطقة كلها، بالرغم من استشهاده في معركة مع الاحتلال يوم 27 آذار1971، حين كان عضواً في مجموعة (عز الدين الطوباسي- أبو دواس)، واعتاد التنقل بين وديان طوباس وجبالها من جهة، والأراضي الأردنية من أخرى.

معركة وصورة

يقول: كنت صغيرًا في عائلة من أربعة أولاد وست بنات، وحملت صاحب الترتيب قبل الأخير فيها، وعندما بدأت أكبر صرت أستمع إلى الكثير مما يُقال عن والدي، ولحظات استشهاده، ومطاردته التي بدأت بعد وقت قصير من النكسة، وانتهت باستشهاده في جبل موفية، إضافة إلى اثنين من أفراد خليته أحدهم من بلعا بطولكرم والثاني من الدوايمة بالخليل، وجرح رمضان البطة (أصيب بجراح خطيرة أثناء المواجهة وتم اعتقاله وحكم بالسجن 4 مؤبدات قضى منها خمسة عشر عامًا، وأفرج عنه عام 1983 في عملية تبادل الأسرى الشهيرة )، والذي ظن جنود الاحتلال أنه شهيد بعد إصابته، وإبراهيم القريوتي وفؤاد راجح من عنبتا.

واستنادًا إلى الروايات التي جمعها عبد الناصر من زملاء والده ومعارفه، فإن خليته كانت تحمل عتادًا عسكريًا، وتتجه نحو جبال طوباس؛ لتأسيس قواعد متقدمة، لكنه أمرها أنكشف قبل الوصول.

يزيد: دخلت عام 1999 إلى المكان الذي سقط فيه والدي، وشاهدة الكهف الذي احتمى فيه مع خليته، واستمعت لروايات من رعاة أغنام وصولوا المنطقة، بعد وقت قصير من المعركة، فشاهدوا آثار موقد النار، والدماء فيها.

ووفق الابن الذي  أبصر النور عام 1965، فإن والده كان طويل القامة، أسمر البشرة، قوية البنية، واتصف بالتسامح والعطف، وكان دائم العطاء، وأحب مساعدة الآخرين،  في أحلك الظروف وأقساها.

تنقل الشهيد عبد الرزاق بين فلسطين والأردن وسوريا، لكنه أصر على العودة إلى مسقط رأسه، وكان من أوائل أنوية العمل الثوري بعد النكسة، لكنه ومنذ وداعه عائلته لم يعد إليها، فقد دفنه الاحتلال في مقابر الأرقام.

يتابع ابنه: ما زاد من وجع أسرتنا عدم وجود قبر لأبي، فلو كنا نعرف مكان دفنه لخفف هذا من أحزاننا. ومنذ 44 عامًا ونحن نتوجع، وخاصة حين نسمع عن استرداد جثامين شهداء الثورة، فنتمنى أن يكون من بينهم، ثم يخيب أملنا.

أحلام خضراء

يسرد: درس والدي للصف الرابع الابتدائي، والتصق بالأرض كثيًرا، وعمل بالزراعة في أرضنا على مقربة من المنطقة التي استشهد فيها، فكان يمتلك 150 دونماً صادرها الاحتلال وحولها إلى ساحة رماية لتدريباته، وحلم كثيرًا بأن يمدها بالماء ليزرعها بالخضروات والبطيخ والشمام، وهو ما حققناه لوالدي بعد أكثر من أربعين سنة، حين ربطنا نحو 2200 دونمًا من أراضي سهل البقيعة بالماء من بعد 25 كيلو متراً، وبدأنا ننعش أحلام والدي.

حمل وليد ( توفي عام 2001) وعبد الحكيم وعبد الناصر وخالد ( توفي عام 1997) ملامح والدهم وصفاته، فيما أصرت زوجته- قبل رحيلها عام 2006- على عدم إعادة إطلاق اسمه على أحفادها، وسمحت للابن البكر خالد أن يستخدم الاسم قبل 40 سنة. أما اليوم فيتشارك في "مصطفى" حفيدان جديدان (7 و3 سنوات).
يوالي عبد الناصر: لا أحد يشبه أبي في صفاته، ولم يبق لنا الاحتلال أي شيء من آثاره سوى صورته، فقد داهموا المنزل بعد رحيله، وصادروا مقتنياته الخاصة.

سيرة

بدوره، ينثر  فاروق  عبد الرزاق، الذي أصيب باشتباك في منطقة وادي نحلة، وربطه جنود الاحتلال بعد بطائرة عمودية (هيلوكبتر) مقاطع من سيرة خاله مصطفى، فيقول: من الصعب أن نختزل  سيرة الشهيد بكلمات قصيرة، لكن تسكن في قلبي وعقل مواقف عديدة أتذكرها دوماً، وخاصة حينما تمر ذكرى معركة الكرامة التي شاركنا فيها معًا عام 1968. وحين رحل كنت في سجن عسقلان، وكنت في السابعة عشرة، وحزنت عليه كثيرًا.

يضيف: خضت مع خالي اشتباكًا في منطقة خلة الدخان بالأغوار، وأصبت بجراح، ووصلت الأخبار باستشهادي، فأسرعت أمي إلى منطقة كريمة الأردنية، وبدأت تبحث عني، ثم عرفت أني حيَ، وطلبت من أخيها أن تراني، فرفضت أول الأمر، ثم وافقت بعد إلحاحي خالي، الذي وضع في موقف مؤثر وصعب بيني وبين أمي، شريطة أن لا أعود معها إلى طوباس كما أرادت، وأترك الثورة، وكانت لحظة مؤثرة جدًا.

توثيق

بدوره، أشار منسق وزارة الإعلام في طوباس والأغوار الشمالية عبد الباسط خلف، إلى أن سلسلة "كواكب لا تغيب" أنهت عامها الثاني بتوثيق 35 قصة لشهداء الحرية الذين سقطوا خلال انتفاضة الحجارة عام 1987، في طوباس وطمون وعقابا ومخيم الفارعة وتياسير.
وأضاف أن العام الثالث سيشهد توثيق شهداء المحافظة الذين سقطوا منذ نكسة حزيران 1967 وحتى اندلاع انتفاضة الحجارة عام 1987.

تصميم وتطوير