مصر الى اين؟ .. سامر عنبتاوي

21.02.2015 09:00 AM

لا جدال حول اهمية دور وثقل مصر كدولة كبيرة مؤثرة عربيا واقليميا .. اهمية مصر مرتبطة بالتاريخ والتداخل الثقافي والفكري وامتزاج الدماء في الدفاع عن الاراضي العربية ..والدور التاريخي في القضية الفلسطينية والقضايا العربية والاسلامية ...وملامسة حدودها لفلسطين بحدود قطاع غزة ومسؤوليتها الادارية عن القطاع حتى عام 67 ...كل هذا اضافة لاهميتها الجغرافية وامتلاكها واحد من اهم المعابر المائية في العالم ( قناة السويس) التي يجري توسيعها ..وانتمائها لشمال افريقيا وهي تقع على الحد الفاصل بين الدول العربية الاسيوية والافريقية ..ووجودها على منابع النيل وحوضه ...وغيره الكثير ..كل ذلك يؤكد على اهمية مصر ومايجري فيها وتوجهاتها المستقبلية وانعكاس ذلك على كافة القضايا العربية والاقليمية .

يسود الكثير من النقاش والجدال حول نظام الحكم الحالي وطبيعة توجهاته وتحالفاته ...وقد ذهب البعض للقول بانه لا يستطيع فهم توجه الرئيس السيسي والى اين يوجه مصر في المستقبل ..واكثر من ذلك هناك من وصفه بعبد الناصر الثاني وهناك من شبهه بالسادات وهناك من ربطه بالسياسة الامريكية وآخرون راهنوا على التوجه نحوروسيا ...وكل ذلك صب في غموض الحالة التي تمر بها مصر حاليا وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل من جهة ..ومن جهة اخرى تغير التحالفات والاصطفافات في المنطقة والتي اتصفت بالتغيير الدراماتيكي المتواصل وبالتأكيد فأن مصر كما باقي دول المنطقة ليست بعيدة عن هذه المتغيرات ..فهي تتأثر فيها ولكن يبقى السؤال هل تؤثر فيها؟؟

الصحيح ان تحليل الموقف هوغاية في التعقيد فهومتشابك جدا ومتداخل ..ولا ادعي القدرة على التوصيف الواضح في استقراء المستقبل اوالجزم بطبيعة الحكم ومستقبله ...وكون هذه التساؤلات تؤرق الكثير من المهتمين سأحاول في عجالة تسليط الاضواء واستقراء بعض المعطيات لعل ذلك يعطينا اضاءات تساعد على فهم الدور المصري وتأثيراته وتحالفاته ...وسيعتمد اجتهادي على عدم الدخول في تفاصيل كيف جاء الرئيس السيسي الى الحكم وكيف تم اسقاط حكم الاخوان لأن هذا موضوع خلافي لي بالتأكيد وجهة نظر لا اخفيها حوله وقد تطرقت لها في بعض الكتابات واللقاءات ولكن ليس هنا مكان نقاشها وفقط ما اريد نقاشه ..هومصر الى اين ؟؟ باقصر الطرق والطرح.

استلم الرئيس السيس الحكم قادما من المؤسسة العسكرية ..وهذا الامر له الكثير من الدلالات وكذلك التأثير ..فاوائل محاولاته هي تعزيز دور الجيش في الحياة السياسية وتقويته ورأينا ذلك بوضوح في زيارة الرئيس الروسي بوتين وصفقات الاسلحة معه وكذلك صفقة الطائرات الاربع وعشرين الفرنسية وسنعرج على هذا الموضوع فيما بعد عند مناقشة التحالفات..ولكن هنا نبقى في ان من يحكم مصر الآن هوعسكري بلباس مدني ومؤكد ان العقيدة العسكرية التي تحكم من البديهي ان تركز على العسكرتاريا من جهة وتشديد القبضة الامنية والبوليسية في الداخل من جهة اخرى ..يترافق ذلك مع التهديدات الامنية الكبيرة بدءا بالمواجهات العنيفة بسيناء والاحتجاجات الداخلية من قبل الاخوان وغيرهم ..وكذلك الحدود المضطربة مع القطاع ووجود دولة الاحتلال على الحدود رغم اتفاقيات السلام التي لم تجعل المصريين يطبعون بعد مرور ما يقارب الاربعين عاما على ابرامها ...ولعل التهديد الامني الاكبر يتمثل في المستنقع الليبي المليء بفوضى السلاح والتيارات التكفيرية العنيفة والمسلحة ..وقد رأينا كيف واجهت مصر الاعتداء الارهابي الاخير والذي ذهب ضحيته واحد وعشرون عاملا قبطيا ...اذا فلقد وجد الرئيس السيسي نفسه في مواجهات امنية حامية ..اوهواراد في الحقيقة ان يحسمها ...المهم ان مصر امام استحقاقات امنية كبيرة عليها مواجهتها.

ايضا واجه السيسي ملف لا يقل اهمية ..الملف الاقتصادي والمديونية العالية ومتطلبات البناء والتطوير لشعب اصبح يقارب المائة مليون نسمة ..واخذ يبحث عن الداعمين والحلفاء ..فتوجه للسعودية والامارات طلبا للدعم المالي ودعم مواجهة الاخوان ...وكان ذلك عند بداية تكون محاور ثلاث بالمنطقة ...المحور الايراني السوري حزب الله والمقاومة ومحور تركيا قطر الاخوان والمحور الثالث الذي وجدت مصر انه يناسبها سياسيا واقتصاديا وهومحور السعودية والامارات الذي تقرب منه الرئيس السيسي ...ولكن ولتسارع المتغيرات والتقلبات بالمنطقة فقد بدأت هذه المحاور بالتغير واعادة الاختزال في محورين ...فبعد وفاة العاهل السعودي الملك عبد الله وجدنا ان هناك تغيرات متسارعة في الموقف السعودي بدءا بتخفيف العداء للاخوان بعد اعتبارهم في مصف المنظمات الارهابية في اذار الماضي واصبحت المواقف لتليين التوجه ومن الطبيعي ان يؤثر ذلك كثيرا على العلاقات مع مصر والسخاء في الدعم المالي ...وكذلك فتغير الحكم في السعودية واعادة الحسابات يؤدي الي مزيد من التقارب مع تركيا وتحسين العلاقة مع قطر قي مواجهة ايران وحلفائها ...فقد يكون في السابق الخلاف مع تركيا لزعامة (الاسلام السني ) ولكن الوجهة الجديدة تقول ان مواجهة ( المد الشيعي ) والذي تمثله ايران هواهم وضرورة تناسي بعض الخلافات لمواجهته ...ومن الطبيعي هنا ايضا ان تكون مصر ليست ضمن المعادلة لخلافاتها الشديدة مع تركيا وقطر بسبب دعمهم للاخوان ...وقد رأينا بيان امين عام مجلس التعاون الخليجي الذي هاجم مصر بقوة ودافع عن قطر .. صحيح ان بيان آخر صدر عن نفس المصدر خلال 12 ساعة ينسخ الاول ويتنصل منه الا ان الامور تظهر حجم التراجع الخليجي عن دعم مصر.

اذا فالوضع الاقتصادي المصري وحجم التهديدات الاقليمية وملف الارهاب وتسليح الجيش والقضاء على المعارضة الداخلية تحتاج الى امرين : بناء تحالفات داخلية تؤثر على كيفية قيادة البلاد واقصد هنا القوى الداعمة لحكم الرئيس السيسي والمتمثلة في الجبش وجزء كبير من مؤيدي النظام السابق ورأس المال التجاري والصناعي وبعض القوى الديمقراطية والعلمانية الرافضة للاخوان ..وكل له شروط ومطالب للدعم ...اما التحالفات الخارجية فهي مرتبطة بالتخلص التدريجي من التأثير الامريكي وتعزيز العلاقة مع روسيا والصين والبحث عن تنوع السلاح ..واقليميا التقارب مع القوى المواجهة للاخوان والتيارات المتطرفة كايران وسوريا ..ولا اقصد هنا ان مصر ستكون ضمن هذا المحور ولكن ستخفف بعض الخلافات السابقة وتظهر الاستعداد للتنسيق امنيا في مواجهة التهديدات واستعمال هذه الورقة _ وهذه نقطة غاية في الاهمية _ استعمال هذه الورقة للضغط على دول الخليج للتراجع عن بعض التحولات واعادة الدعم لمصر.

في النهاية سنشهد الكثير من التقلبات والتحولات ...وهناك توجه مسعور من قبل الامريكان والاسرائيلين لتفتييت الدول والجيوش العربية فبعد تدمير الجيش العراقي وتوريط السوري وتهديد الاردني يبقى الجيش المصري ... وسواء اتفقنا مع نظام الحكم في مصر اواختلفنا فان مصر قوية باقتصادها وجيشها ونسيجها الداخلي هي قوة ومصلحة عربية فلسطينية ...وايا كانت توجهات القيادة المصرية المستقبلية فان مصر تبقى قلب العروبة النابض وعند القناعة بان مايجري في المحيط العربي من مواجهات دامية وتفتيت للدول وتحويلها الى دول فاشلة وتدمير جيوشها يصب في المصلحة الاسرائيلية والشعب الفلسطيني سيدفع غالي الاثمان بسببها اضافة للشعوب العربية .. فهنا لا بد من قراءة واضحة غير متشنجة لافاق المستقبل في المنطقة بعيدا عن التعصب والتحزب بل الانفتاح على بناء الارضيات المشتركة لان عكس ذلك لن تسقط مصر وحدها لا سمح الله ولا باقي دول المنطقة بل سنسقط جميعا في وحل الدماء والكراهية والطائفية ...وستتمتع دولة الاحتلال بنتائج الاختلال في الموازين وتحقق الحلم التاريخي باسرائيل الكبرى..وقد بدأت المقال بسؤال مصر الى اين ؟؟ لنصل لسؤال اكبر بكثير ...نحن العرب والمسلمون اى اين؟؟ بيدنا وبفهمنا وبعقلانية العقلاء وحكمة الحكماء فينا نجيب على هذا السؤال .

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير