رياض سيف يكتب لوطن.. المغول يعودون من جديد

14.02.2024 08:41 AM

 في مثل هذه الأيام وبالتحديد في العاشر من شهر شباط /فبراير عام 1258م ، وحين دخل هولاكو بغداد لم يكتف عند القتل الذريع والابادة الجماعية ( بنفس الأسلوب الذي قامت به امريكا ببغداد عام 2003م ) بل امتدت يد المغول (تماما كما فعل مغول أمريكا ) إلى المكتبات والكتب والآثار فأحرقوها ورموها في دجلة، حتى قيل "إنها أصبحت جسرا يعبر عليه الناس، وإن لون مياه النهر تغيرت إلى السواد بسبب الحبر الذي كتبت به" ثم هدموا الأحياء السكنية وحرقوها بما فيها ومن فيها ، ودمروا مراكز الاستشفاء وقتلوا العلماء والأطباء ، ولم يسلم من جرائمهم البشر ولا الحجر ولا الشجر ، واتخذوا من جامع الإمام الكيلاني ومن مرقد الإمام موسى الكاظم اصطبلات لخيلهم، ولم يضعوا أي اعتبار لحرمة المقدسات، وهكذا غدت بغداد هباء منثورا وقاعا صفصفا إثر الوحشية والبشاعة التي تعامل بها الغزاة.


ولأن بغداد متجذرة في التاريخ، عريقة بعراقة الآشوريين والبابليين، وإثر أفول الاحتلال وانتهاء المغول، عادت ونفضت عنها غبار الدمار والوحشية وأعادت الق الحياة والحضارة من جديد. مما لم يرق لمن خلفوا المغول في اجرامهم وطباعهم الهمجية، عادوا من جديد للامعان ببغداد وأهلها قتلا وتهجيرا، وكما فعل من سبقهم من الغزاة ، عادوا ليمعنوا في القتل والابادة الجماعية وتدمير كل ما تبقى من معالم حضارية وتراثية ، وكان الغزاة الامريكان خير خلف لخير سلف ، وما زال العراق وحتى يومنا هذا يعاني من أثار الدمار البنيوي والأخلاقي والنفسي والحضاري مما تسبب به غلاة أمريكا نصرة للقيطتها إسرائيل.

والتاريخ اليوم يعيد نفسه من قبل نازيي الصهيونية في غزة بدعم ومباركة من مغول العصر. لا فرق  فكلهم مجرمو حرب وعتاة مجرمين.
ما يجري في غزة الحضارة والتجذر عبر التاريخ هو نسخة طبق الأصل عما جرى لبغداد بالأمس البعيد والقريب ، اذ لم يكتف أعداء الانسانية مدعومين بقوة الشر العالمية بقتل الأطفال والنساء والشيوخ ، وهدم المنازل فوق رؤوس ساكنيها وتسوية المباني بالأرض، بل تعدى الامر الى جرائم ممنهجة  - بأيدي من يدعون أنهم دعاة الحضارة ومنبع النور- بحق كل ما هو حضاري ، فلم يتركوا جامعة ولا مدرسة الا وأمعنوا فيها تدميرا وازالة عن وجه الأرض ، ولم يتركوا مركزاً للعلم أو مكانا للاستشفاء الا وسووه بالأرض ، ولم يكتفوا بذلك ، بل وحتى يحققوا همجيتهم فقد تم قتل العشرات من خيرة الأكاديميين في غزة أمام صمت العالم الاكاديمي  امام هذا الدمار الخسيس للتعليم والثقافة ولم يقل حرفا واحداً مستنكرا ما جرى وما يجري.

وما استهداف وقتل العشرات من الاعلاميين كونهم ينقلون جرائم الغزاة الا دليلاً على الهدف الممنهج باغتيال الكلمة وتكميم الأفواه عن قول الحقيقة.
فهل اقتصر الامر عند هذا الحد؟
الجواب بالنفي: فزرع الشيطان المغولي الذي يجري في عروقهم تفوق على أسلافهم في التنبه الى المكتبات التي لم تسلم من فظائعهم. فقد كشفت وزارة الثقافة الفلسطينية أن: (عشرات المكتبات الشخصية التي دمرها الاحتلال في حرب الإبادة ضد قطاع غزة، ومنها المكتبة الشخصية للروائي يسري الغول في مخيم الشاطئ، إضافة الى مكتبات لكتاب وكاتبات ومثقفين مثل مكتبة الشاعر الشهيد سليم النفار الذي استشهد في هذه الحرب وعائلته، ومكتبة الشاعرة هند جودة، وغيرهم الكثير الكثير) وكله أمام صمت من يدعي انه عالم حضاري ونوراني وما هو في الحقيقة الا عالم مغولي سيصنفه التاريخ بالقاتل والهمجي.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير