د. عقل أبو قرع يكتب لوطن.. العدوان على قطاع غزه والكارثة البيئية المنسية

14.05.2023 12:15 PM


دخل وقف إطلاق النار في قطاع غزه، حيز التنفيذ الليلة الماضية، بعد حوالي 5 ايام من القصف ومن القاء القنابل والصواريخ مع ما تحويه من مواد كيميائية قديمة وجديدة من مختلف الأنواع. ومع ذلك تبدأ عملية تقييم ما حدث من دمار وخراب ومن تداعيات. ورغم أنه سيكون من السهل احصاء أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين، وعدد البنايات والمنازل التي تم هدمها أو قصفها، ونوعية البنية التحتية من شوارع ومصانع وشبكات مياه وكهرباء التي تضررت، الا ان طبيعة التداعيات بعيدة المدى، سواء أكانت صحية أو بيئية، سيكون من الصعب تحديدها أو التعامل معها الان.

من المعروف أن الاوضاع البيئية في قطاع غزة وما يرتبط بها من تداعيات صحية على شكل أمراض ووفيات، هي أوضاع قاتمة قبل هذا العدوان الاخير، سواء من حيث تلوث مصادر المياه وأكثر من 90% منها هي مياه جوفية، والهواء والتربة والمياه العادمة واستخدام المبيدات في الزراعة المكثفة أو من خلال الكثافة البشرية الهائلة التي تتواجد في حيز جغرافي ضيق، والتي من الصعب ايجاد مثلها في العالم.

وحسب ما شاهدنا من خلال شاشات البث المختلفة وبشكل مباشر خلال أيام العدوان على قطاع غزة، فقد تم القاء عشرات الاطنان من المواد المتفجرة على قطاع غزة وما تحويه من مئات او الالاف من الكيلوغرامات من الكيماويات المختلفة، التي تكون او ستكون قد وجدت طريقها الى الارض والجو والمياه والطعام والبشر في منطقة جغرافية تبلغ حوالي 365 كيلومترا مربعا، وتعتبر الأكثر كثافة في العالم.

ومعروف كذلك ان المصادر الطبيعية الفلسطينية في قطاع غزة، من مياه وتربة وارض او حيز هي محدودة، وبأن هذه المصادر، وبالأخص في قطاع غزة هي ليست بالحال الافضل، سواء اكانت المياه الجوفية، او التربة، او تلوث مياه البحر، او الحيز الجغرافي من حيث انتشار النفايات الصلبة والمياه العادمة، وانتشار السيارات القديمة، وبالتالي امكانية تلوث الهواء، وكذلك ضعف او غياب القوانين البيئية الملزمة وضعف التوعية البيئية الكفيلة لإيلاء البيئة في غزة الاهتمام الكافي.

ومن ضمن التأثيرات البيئية المتوقعة وبعيدة المدى للعدوان الاخير على قطاع غزة، هو احتمالات تلوث المياه، ومعروف ان اكثر من 95% من المياه في بلادنا هي مياه جوفية، وقبل الحرب الحالية، اشارت تقارير ان اكثر من 90% من المياه في قطاع غزة هي مياه ملوثة، ولا تصلح للاستخدام حسب المعايير الدولية، وتتلوث المياه في غزة بالمواد الكيمائية، سواء الناتجة من المياه العادمة، او من المبيدات والاسمدة الكيميائية، او من مشتقات البلاستيك والمواد الصناعية الاخرى، ومن ثم تتسرب من خلال التربة الرملية الى مصادر المياه الجوفية ، وبعد هذه الحرب يمكن تصور الكميات الكيميائية الاضافية التي تم القاءها الى التربة، وبالتالي احتمالات وصولها الى مصادر المياه، وزيادة الوضع سوءا بالمقارنة مع ما كان عليه قبل الحرب.

وشاهدنا من خلال الصور التي تم بثها وبشكل مباشر، سحب الدخان الهائلة بما ما تحويه من مواد كيميائية سامه، والتي كانت تتصاعد الى الهواء، ومن ثم احتمال تلويثه، وبالإضافة الى ذلك فأن معظم بقايا المواد التي تم القاءها على قطاع غزة تبقى في التربة او على الارض، وبالتالي تزيد من معضلة النفايات الصلبة وفي هذه الحالة النفايات الصلبة الكيميائية الخطيرة، وكذلك من خلال تراكمها في التربة ما يحد وبالتدريج من خصوبة هذه التربة وبالتالي يحد من قدرتها على انتاج الطعام او الزراعة فيها، ومن المحتمل كذلك ان تصل هذه المواد الكيميائية بشكل مباشر او غير مباشر الى الغذاء الذي سوف يتم استهلاكه من الناس وما الى ذلك من اثار صحية، وبالأخص اثار صحية بعيدة المدى تظهر على شكل امراض غير سارية أو مزمنة.

وتشير التقارير السنوية الاخيرة لوزارة الصحة الفلسطينية، أن امراض السرطان على سبيل المثال تشكل السبب الثاني للوفاة في فلسطين، سواء في الضفة الغربية او في قطاع غزة، وتزداد نسبة هذه الامراض كل عام بشكل واضح ومزعج، ومن الواضح ان هناك عوامل بيئية خارجية تدخل على النظام البيئي الفلسطيني، يمكن انها تساهم في هذا الازدياد، سواء اكانت هذه العوامل ملوثات كيميائية او غيرها، وسواء جاءت نتيجة الاستخدام الزراعي او الصناعي، او ربما بفعل عوامل اخرى، منها الحروب الاخيرة على قطاع غزة في الاعوام 2008 و2012 و2018، 2021، والان في عام 2023.

ومع انقشاع غبار العدوان على قطاع غزة والبدء في تقييم الخسائر والاثار، فان التقييم البيئي أو التداعيات البيئية للعدوان يجب عدم اهمالها أو الاستهتار بها، مع العلم ان الوضع البيئي في قطاع غزة قبل بدء الحرب الاخيرة، كان من السهولة وصفه بالوضع الكارثي، وبالتالي يمكن تصور التداعيات البيئية القاتمة بعد وصول اطنان من المواد الكيميائية الى النظام البيئي في قطاع غزة خلال هذا العدوان، ولذا فان المطلوب اعتبار تقييم الاوضاع البيئية في قطاع غزة بعد العدوان من الاولويات، سواء اكان ذلك من قبل الجهات الرسمية من وزارات مختلفة وعلى رأسها سلطة جودة البيئة او من قبل المنظمات المحلية والدولية العاملة في مجال البيئة، وبالتحديد تقييم الاثار البيئية والصحية بعيدة المدى المتوقعة بسبب هذا العدوان.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير