نبيل المصري يكتب لوطن: إلي عنده قرش محيره يشتري حمام ويطيره

06.05.2023 03:40 PM

 

بينما كنت اجلس مع صديق لي نحتسي القهوة مر من امامنا جار له من أم مصرية  كان يردد: إلي عنده ارش صاغ محيره يشتري حمام ويطيره، وإذا بالعقل يخزنها قريبة من موضوع  كنت قد كتبت مسودة له، يتعلق ببطولة كأس العالم لكرة القدم والتكاليف الخيالية لعملية الإعداد والتحضير لاستقبال الفرق والمشجعين لتلك الهواية.

هي ما الا رياضة جسدية شعبية نشأت بالحارات والأزقة بكرة مصنوعة يدوياً من القماش والشرائط البالية وأقدام حافية تركض خلفها وأرجل مليئة بالكدمات على ارض ممتلئة بالحصى، إذ بها تتحول إلى صناعة ورأس مال وإمبراطورية لأندية ولاعبين هم مجرد سلع تباع وتشترى.

وقفت أمام المثل الشعبي وأمام نفسي، هم يسرقون الخيرات من باطن الأرض ومن فوقها ينهبون قوت الجياع والمشردين بل ويستعبدوهم مستغلين قدراتهم وقوتهم حتى سعادتهم.

عاش الاطفال في قناعة ومرح بين العاب محلية ابتكروها كالكرة والسبعة أحجار ونط الحبل، الزقطة، الاستغماية والقفز في الانهر والمستنقعات وصناعة الطائرات الورقية، القناعة بالقدر المحتوم الواقع جعل من الأطفال يبتكروا ويصنعوا وسائل الرفاهية والتسلية وإذ بالرأسمالية تتسلل لتجعل منها تجارة رابحة ومنافسة عالمياً، وبين التضخم الهائل في صناعة الترفيه والتسلية إلى التنافس بين الشركات حيث انفق عشرات بل بلايين الدولارات أدى الى تحول جذري خاصة وانه لم يقتصر على البلدان الغنية بل غزت هذه المشاريع والمنتجات كافة البلدان بما فيه الدول النامية ودول العالم الثالث كما يطلق عليها، انه عالم التكنولوجيا والوسائط المتعددة وسائط الاتصال والتواصل  الذي تجاوز أحيانا قدرة العقل على الاستيعاب وتأطيرها الذهني والمعنوي وليس من قبيل الصدفة ان يتربع الأوربيون والأمريكان على العرش فهم سادة الترفيه منذ أكثر من ثمانية عقود وهم الأكثر إنفاقاً حيث وصل معدل الانفلاق إلى ما يزيد عن ستون بليون دولار ويتم تشغيل أكثر من ثلاثة ملايين شخص في صناعة الترفيه والتسلية وأمريكا تعد من أوائل الدول وأكثرها رواجاً حيث ينفق الأمريكيون سبعة بليون دولار سنوياً في العاب الكمبيوتر حيث يباع في أسواقها ما يفوق 225 مليون جهاز، ومع دخول الانترنت إلى الشرق الأوسط أصبح المواطن يشغل أكثر من عشرة ساعات أسبوعياً مما جعله يصرف بسخاء ورغبة لا تقاوم بل تطور إلى سلوكيات وبالرغم من حداثة العاب الفيديو في سوق التسلية إلا أنها في طريقها إلى احتلال المرتبة الأولى في صناعة الترفيه والتسلية وتعد كأكبر مصدر للعائدات المالية.

لم تعد العاب الفيديو مجرد هواية أو تسلية فحسب بل سلوك ونمط حياة اجتماعي حيث ينفق العالم المليارات على العاب الفيديو سنوياً وحسب الاحصاءات الأمريكية  بلغت ارباح الشركات الأمريكية عام 2004 احدى عشر مليار دولار حيث تساوت مع أجهزة الهاتف الخلوي وليس من قبيل الصدفة إذ بلغت عائدات لعبة واحدة 125 مليون خلال يوم واحد حيث باعت في 24 ساعة 2,38 مليون نسخة كما إن العالم العربي لم يكن بعيداً عن هذا الواقع حيث بلغ الإنفاق على سوق الترفيه والتسلية أكثر من عشرة مليارات دولار في السنة.

إننا نتعامل اليوم مع سلعة الكترونية تجارية أطلقوا عليها (الثقافة الرقمية الحديثة) والتي أول ما تهدف اليه هو المكسب المادي لرأس المال ونهب القدرات المالية والبشرية وتدمير المجتمعات للسيطرة والنفوذ وضرب الصحة البدنية والامراض الاجتماعية والعقلية وزرع الأنانية والعنف وهدر الوقت إلى جانب الإدمان والتي تتساوى في خطورتها مع الإدمان على المقامرة القهرية بهدف الفوز والتي كانت نتائجها مشاكل صحية ونفسية وخمول وقلة التركيز والعزلة والانفصال الاجتماعي والعدواني والأنانية المفرطة.

اعذروني على حوار الذات واسمحوا لي المشاركة انطلاقاً من الحرية الممنوحة لفهم الحرية ومعناها، إذا كان المعنى العلمي للحرية هي فهم الضرورة، كما قال ابن خلدون بأن الإنسان مدني بالطبع، يشارك يبني يؤثر ويتأثر والتراث كفيل بنقل وتداول العلوم والقيم والمفاهيم بين الناس.

عندما سمعت اقصر خطبة في احدى جمع شهر رمضان للشيخ الجليل عبد القادر الجيلاني، قال: إن لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة والبسها البراقع وخير ممن قام لله راكع، وخير ممن جاهد الكفر بسيف مهند قاطع ، وخير ممن صام الدهر والحر واقع إذا انزل الدقيق في بطن جائع له نور كنور الشمس ساطع، فيا بشرى لمن اطعم جائع.

عبر المنبر وأمام حشد من المصلين صدح صوت الإمام الجليل فمن يلبي النداء؟ هل تلبيه الفيفا أم قطر حيث استضافة قطر المونديال الدولي والذي كلف الإعداد له 220 مليار دولار أمريكي أعلى تكلفة على صعيد العالم حيث تجاوز 20 ضعف ما أنفقته روسيا عام 2018 وأمريكيا أنفقت نصف مليار دولارا أنها لاشك صناعة الرفاهية حيث إن هذا التجمع والذي يطلق عليه الاتحاد الدولي لكرة القدم – الفيفا ومركزه في مدينة زيورخ في سويسرا قد وزع 209 مليون دولارا على الفرق التي ستمرر لاعبيها للمشاركة في مونديال قطر، تلك المؤسسة الرياضية العالمية هل هي منظمة رياضية حقاً ام إحدى اذرع الامبريالية الأمريكية ورأس المال وما تفسير أخر مواقفها؟ حرمان اندونيسيا من المشاركة في المونديال لمدة عشرون عاما لأنها رفضت استقبال الفريق الإسرائيلي، فلماذا تشرع القوانين على هواها؟ لماذا لا تكون احد شروطها بأن يكون لاعبي الفرق وطنين الانتماء وليس مرتزقة يباعون في أسواق الرياضة العالمية؟

العالم جائع حيث إن تقرير الأمم المتحدة أكد على وجود 828 مليون شخص يعانون من سوء التغذية والأمن الغذائي المفقود، اما اللاعب البرازيلي نيمار انتقل من نادي برشلونة الى باريس في عام 2017 مقابل 231 مليون دولار امريكي، اما نادي النصر في المملكة العربية السعودية قد دفع لكريستيانو رونالدو 300 مليون يورو على مدار عامين أي ما يعادل 16.6 مليون يورو شهرياً. قد اصبحت كرة القدم مشروعاً استثمارياً عالمياً في الوقت الذي يتم خلاله إغلاق مؤسسات دولية وعلى رأسها الأمم المتحدة التي أصبحت عاجزة عن الالتزام بتقديم المساعدات الإنسانية وخاصة اليونسكو.

صدق شاعر مجهول الاسم حيث كتب قصيدة عندما رأى فتاة تحني قامتها لأختها لتصعد عليها من اجل الوصول إلى حاوية القمامة لالتقاط كسرة من خبز، ردد قائلاً: دوسي برجلك كي تمزق أضلعي فالجوع دمرني وأنهك ساعدي دوسي فلم اضجر لأنني لم أجد مورد ليأويني، فهذا موردي دوسي فقد داس الكرامة قادتي وقضوا على  شرفي بساعة مولدي لا ترحمي ظهري وهاتي وجبة لهم الشهي الغالي فهاتي لي ألردي هيا أسرعي قبل ان يسلب وجبتي كلب فيغلبنا علينا يعتدي هل تسمعي هر يخاطب مسمعي، لا تأخذوا حقي فهذا مقعدي.

اليس من الغريب ان يحتفل العالم بيوم العدالة الاجتماعية من خلال شعارات ومفاهيم براقة اطلقتها الامم المتحدة، كحق الشعوب بالعيش بكرامة وضمان الامن الصحي والغذائي والثقافي وتأمين فرص العمل، من العار ان ينفق العالم المليارات على وسائل اللهو والتسلية ودولة مثل الباكستان يعيش فيها 87 مليون تحت خط الفقر وما يقارب 31% في العراق بدون عمل، كما اكد خبراء الاقتصاد ان الفقر والبطالة عنوان المرحلة القادمة حيث ان المؤسسات الاقتصادية الدولية بحاجة الى 5% من الايدي العاملة، وبمعنى ادق ان العبودية والاضطهاد الطبقي عناوين المرحلة وتجسيد الصراع الطبقي ضمن برامج وسياسات راس المال الجديد

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير