جامعة النجاح تحاكم الاستثناءات غير المألوفة

21.06.2022 09:52 PM

كتب فادي البرغوثي: ربما كانت الاحداث الاخيرة في جامعة النجاح، وما ظهر من قمع وتنكيل داخل الجامعة عبارة عن استثناء بعيدا عن العلاقة التاريخية التي كانت تحكم ادارة الجامعة والحركة الطلابية سواء في جامعة النجاح او بقية الجامعات الفلسطينية، بل نستطيع القول ان الأحداث نفسها ما كانت لتحدث لولا ما حدث على صعيد الانقسام السياسي الفلسطيني، الذي عطل الحياة الديمقراطية في جميع البلاد بما فيها الجامعات الفلسطينية.

فالديمقراطية المتأصلة تاريخيا في الجامعات الوطنية سمحت للحركة الطلابية ان تعيش التجربة الديمقراطية قبل غيرها من الأطر والمنظمات الشعبية والنقابية الفلسطينية الأخرى التي حُكمت عن طريق التعيين والولاء والمحاصصات بعيدا عن تشكيل مساحات الاختلاف والاختيار بالطرق الحضارية في انتخاب مجلس الطلبة بشكل سنوي ودوري، لتعطي فرصة للانتقال السلس لأعضاء جدد بشكل متواتر.


وبعيدا عن تطور العلاقة الديمقراطية بين الجامعات الفلسطينية فقد كانت جامعة النجاح الوطنية وجامعة بيرزيت سباقتان في تعزيز الديمقراطية الفلسطينية والتي منهما  انتقلت الى بقية الجامعات الفلسطينية والتي أصبحت فيها تقليد سنوي يمارسه الطلاب بالقيام بانتخاب من يمثلهم داخل المجالس الطلابية، بحيث لا تتدخل الجامعة في امور الطلاب الا بما يسمح فيه القانون وبما لا يظلم الطلاب، ولا تتدخل مجالس الطلبة في الادارة الا في حدود الدفاع عن مصالح الطلاب، بل ان مجالس الطلبة لا تتدخل في الشؤون الأكاديمية في حالة قيام الجامعة في فصل احد الطلاب على خلفية التقصير الأكاديمي وهو ما يمكن وصفه بالتدخلات الإيجابية ضمن صلاحيات معروفة ومحدودة.


هذا الوضع السباق لتجربة الديمقراطية والتي عاشتها الجامعات وبتوافق من الكتل الطلابية انفسهم وبين ادارة الجامعة جاء بفعل ان الجامعات الفلسطينية تشكلت  بفعل دوافع وطنية فلسطينية شكل النضال الوطني الفلسطيني احدى اهم بلورتها لمواجهة سياسة التجهيل التي مارسها الاحتلال الإسرائيلي على مدار الزمن، والذي ترافق مع ان الكتل الطلابية واعضاء المجلس كانوا في لحظة ما في طليعة النضال الوطني الفلسطيني ما حذا بالاحتلال الإسرائيلي التنكيل بالكتل الطلابية التي شكلت  الرافد الأساسي في تشكيل قيادة الحركة الوطنية فيما بعد، بل نكاد ان نجزم ان موقف الحركة الوطنية على اختلاف مشاربها كان يٌقرأ من موقف الحركة الطلابية للحزب والتنظيم السياسي وهو ما يعبر عن طبيعة العلاقة وقوتها وتماسكها بين التنظيمات السياسية وروافدها في الجامعات الفلسطينية

وفي الإطار لا بد من التنويه مرة أخرى ان الممارسات التي ظهرت في جامعة النجاح لا تعبر عما يجري في الجامعات عبر الزمن وهي مظاهر شاذة عن طبيعة الحركة الطلابية وإدارة الجامعة لذا لا بد ان يكون هناك موقف ما يحسم الأمور وتعود المياه إلى مجاريها كما تعودنا دائما وهو ما يجعلنا ان نقول حسنا فعلت جميع الاطراف بأنها وافقت على قرارات لجنة التحقيق والتي انتصرت للطلاب ومواقفهم وفي نفس الوقت أكدت على ثلاثة أمور

اولا :- رسوخ الديمقراطية كنهج وقيمة عند الحركة الطلابية الذي يمتد من عمق الحركة الوطنية الفلسطينية حيث لا نبالغ اذا قلنا ان الحركة الطلابية هي من ساهمت في بناء الحركة الوطنية فيما بعد بل ان  القيادات السياسية التي قادت العمل الوطني على مدار عقود جميعها نشأت من قلب الحركة الطلابية فمثلا برز الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات ورئيس حركة فتح كقائد طلابي في الجامعة الامريكية في جمهورية مصر العربية ومعه كانوا اغلب من ساهم في تشكيل حركة فتح مثل خليل الوزير وصلاح خلف وغيرهم من قادوا حركة فتح والمنظمة فيما بعد، نفس الشيء انطبق على  الدكتور جورج حبش الذي قام بتأسيس حركة  القوميين العرب الجذر الاساسي للجبهة الشعبية والديمقراطية ولاحقا الحزب الشيوعي الفلسطيني، والذي نشأ بفعل تجاذب طبقي الا انه في نفس الوقت لم تكن الحركة الطلابية بعيدا عنه فكان بشير فيما بعد قائدا طلابيا وعلى صعيد المبادرة الوطنية الفلسطينية عرف امين عامها مصطفى البرغوثي كقائد طلابي في أوروبا.

ولم تكن الحركات الإسلامية وتجديدها بطابعها الثوري المنخرط في النضال في الثمانينيات بعيدة عن نمط الجامعات فعرف فتحي الشقاقي كطالب ناشط في جامعة بيرزيت ومؤسس لحركة الجهاد الاسلامي لاحقا وغيرهما مثل رائد صلاح وصالح العاروري اللذين ساهموا في بناء مجلس الطلبة في جامعة الخليل

ثانيا: - اثبت الاحداث الاخيرة في ان الديمقراطية حتى لو اعتبرناها حق انساني وثقافة مجتمعية الا انها تمر في خطوات ارتدادية كما حدث لجامعة النجاح الوطنية مؤخرا وحتى تبقى الامور تسير باتجاه الأمام يجب على الطلبة ان يظلوا متيقظين فالحرية لا تأتي على طبق من ذهب إنما الحرية تأتي بفعل نضالي قوي يتم فيها انتزاع الحرية انتزاعا وهذا ينسحب على المجتمع الفلسطيني ككل منها عصب المشكلة السياسية الفلسطينية وخصوصا الانقسام السياسي الذي لا يمكن ازالته الا بالنضال

ثالثا: - اكدت الاحداث التي جرت في جامعة النجاح ان المجتمع الفلسطيني ما زال مجتمع حي ولا يمكن لأي قوة مهما كان جبروتها ان  تقيد المجتمع وتنتزع منه حريته، ربما يستحضرني في هذا الإطار كتاب ميكافيلي حينما قال للأمير لا يمكنك ان تسيطر على شعبا يحمل جذوة الحرية وهو ما ينطبق على الطلاب وعلى المجتمع الفلسطيني بشكل عام.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة وطن للأنباء

تصميم وتطوير